من فصل : الرعاية الروحية للرعاة
كمال زاخر
إن الراعى الذى يأخذ وظيفته بجدية لا يستطيع أن ينام ...  وسرعان ما يصرخ تحت حمله الثقيل ، إنه لا يستطيع أن يشعر بالرضا عن نفسه وعن ما انجزه فى الخدمة مهما عمل، لأنه كلما بحث فى مسئولياته الرعوية سيجد المزيد والمزيد.

ـ بعض مسئوليات الراعى:
عليه أن يؤدى القداسات والعظات، عليه أن يقوم بالزيارات، ويصغى لاحتياجات وآلام أناس كثيرين ويحملها، على الكاهن أن يتقلب مع الناس فى أحاديث عديدة واهتمامات شتى وهم رفقاؤه فى طريق الحياة، حتى أولئك الذين ينتهكون أوقاته ...

+ عليه أن يصلى من أجل عدد ضخم من الناس، ولكى يؤدى هذا لابد له من فترات للخلوة. عليه أن يجد الكلمة المناسبة للمجربين فى تجارب متنوعة، ولمن هم على أسرّة المرض، والمشرفين على الموت، وبجانب القبر، والذين يتزوجون حديثاً والمخطوبين ... الخ
+ أين يقدر أن يجد الراعى وقتاً لاعادة تجميع ذاته وسط كل هذه المسئوليات؟.

ـ مخاطر التبلد الروحى:
اثقل مسئولية على الراعى، كما اعتقد، هى أن يكون صادقاً فى كل عظاته وأحاديثه، بحيث يكون اليقين مالئاً أعماقه الداخلي، الراعى قد يكون جاداً، وعلى مستوى المسئولية وفى منتهى الإخلاص، ولكنه قد يتعرض لأنواع من الإضطراب الداخلى أو الخارجى، ويتعرض لمخاطر قاتلة لوظيفته التى يقوم بها، ويدخل فى حالة من البلبلة الداخلية، ويتناقص إيمانه بعمله رويداً رويداً، وقد يدخل أخيراً إلى حالة من التبلد وفقدان الحساسية الرعوية. إن الحمل أثقل من أن يحمله إنسان بمفرده. الكاهن يحتاج إلى راع له، يساعده على استخدام قواه فى الخدمة الكهنوتية بطريقة صحيحة. يحتاج إلى شخص يسنده عندما تخور قوى إيمانه.

+ إن الراعى الخامل المستسلم والراعى الذى القى نفسه فى خضم أنشطة رعناء ولا يريد أن يهدأ، كلاهما وجهان لعملة واحدة، كلاهما ينقصهما التدبير الرصين، وترتيب الحياة بين الصلاة والقراءة والتأمل، وبين عمل الرعاية.

ـ الصعوبة الكبرى فى رعاية الرعاة:
إن الراعى يعرف كل ما ينبغى أن يعرف لإراحة النفوس المتعبة، إنه خبير متخصص فى الشئون الدينية، لذلك فعندما يدخل فى حالة التبلد أو الطياشة، لا تؤثر فيه آيات من الإنجيل، ولا قوانين الكنيسة، ولا السوابق التاريخية لحياة القديسين، بل أنه يستخرج من كل هذه ما يبرر حالته أمام نفسه، فيزداد سوءاً وغروراً وإعجاباً بنفسه بصورة حادة ، أنه يعرف كل شئ عن الخطيئة والغفران والصلاة والاتضاع، يعرف ما هو الإيمان لأنه نكلم عنه كثيراً فى عظاته، ولكنه لم يدرك للحظة واحدة أن الحديث فى الإيمان والتفكير فيه يختلف تماماً عن أن نحيا الإيمان.
الراعى قد يؤله ذاته من كثرة ما يعرف: يخطئ ويرى كل الناس مخطئين وهو وحده البار! حتى لو سقط فى شهوة جسد يبتسم ويقول: كل شئ طاهر للطاهرين! وحتى لو كانت خطيئته صارخة، يتمسح فى النعمة ويقول "أُمال نعمة ربنا بتعمل إيه؟ بس الناس متدنش حد" ولو فهم أن ايمانه ضعيف سرعان ما يراضى نفسه بأنه كقائد المئة الذى صرخ "أؤمن يارب فأعن ضعف إيمانى" (مر24:9).
+ تتفاقم المشكلة باستمرار فى الرعاية والوعظ بلا توقف، وهذا يقوده أكثر فأكثر إلى فقدان الإيمان الحقيقى وإلى شكلية العبادة، والرياء، والفريسية، ويتحجج مع ضميره أنه يعمل بقوة الكهنوت الذى فيه بغض النظر عن شهادة الحياة، وأنه يعظ من كلام الله وآيات الإنجيل وليس كلامه هو!!.

وندخل فى:
* تشبيه الكهنوت بالفحم المطفأ، أو الفحم المشتعل جمراً!!.
* وتشبيه الكاهن كمن يدير ساقية ماء، فيخرج الماء عذباً سواء كان الثور صحيحاً أم أجرباً!!.
* وأن ملاكاً ينزل من السماء ويتمم ما يقوم به الكاهن نيابة عنه!!.
ولكن كل هذه التبريرات ما هى إلا استخفاف بالعقول البريئة والنفوس البسيطة الساذجة.
الواقع أن الضمير قد استغرق فى النوم، وهناك انسان شرير يتحصن فى الكهنوت، إنه يستطيع أن يُعلم ويُجادل ويبرر كل شئ، بسلطان أقوال الآباء والإنجيل، أما الحياة العملية فلا شأن للدين بها!!.
+ هنا نقول لكل مسيحى بوجه عام، ولكل كاهن بوجه خاص، ما قاله المسيح "من أضاع حياته من أجلى يجدها" (متى 25:16).
أما من أراد أن يبرر فساد حياته مستعيناً بالمعرفة الدينية يكون قد وضع نفسه فى براثن ابليس،
إن ابليس لاهوتى بارع!
لو سلمنا له أفكارنا على هذا المنوال سيهدد كل حياتنا، ويوقعنا فى مستنقع آسن حيث يختنق إيماننا ... هذه هى لعنة اللاهوت.