الخميس ١١ اكتوبر ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم : إسماعيل حسني
لم يشكل فشل الرئيس مرسي في الوفاء بوعوده الإنتخابية في المائة يوم الأولى من رئاسته مفاجأة لنا أو لغيرنا، فلقد توقع الجميع هذا الفشل، ويرى الكثيرون ونحن منهم أن الفشل سوف يحالف مرسي طوال فترة رئاسته التي نرجو أن تنتهي قريبا بانتخابات رئاسية تلي صدور الدستور الجديد حسبما تقضي الأعراف الدستورية، وهو ما يقاتل الإخوان في تأسيسية الدستور لمنع حدوثه.
ولم يكتف الرئيس بالرسوب الساحق في اختبار المائة يوم بل أضاف إليه خطيئة عدم الإعتراف بالفشل والتهرب من تحمل المسئولية. ففي خطابه في احتفالية نصر أكتوبر حاول أن يبدو في هيئة الفارس الذي يتحمل مسئولية الإخفاق من باب الشجاعة الأدبية فقط لأن المسئولية الحقيقية كما قال تقع على قلة الموارد تارة، وعلى الفساد المستشري تارة أخرى، وكأنها أمور كان سيادة الرئيس يجهلها حين أطلق وعوده، هذا فضلا عن قيامه بتضخيم بعض الأرقام والنسب واستخدامها في تصوير الإخفاق على أنه فشلا جزئيا وليس كاملا.
إلا أن الأخطر من فشل الرئيس في تنفيذ وعوده ومحاولته التهرب من تحمل المسئولية، أنه في خطابه الصادم هذا قد أثبت للعالم كله أنه قد جائنا خالي الوفاض تماما من أي مشروع أو استراتيجية، وأنه لا يمتلك أية رؤية للإصلاح والنمو، وأن مشروع النهضة الذي صعد به إلى سدة الرئاسة لم يكن سوى وهم وكذب صراح ينبغي أن يوقعه هو وجماعته تحت طائلة القانون بتهمة الكذب وخداع الناخبين.
إن فشل مرسي في المائة يوم الأولى وفي المائة عام القادمة وافتقاره للقدرة على بلورة مشروع نهضوي لا يعود لأسباب مادية كما حاول الرئيس أن يوحي لنا، وإنما لأسباب موضوعية تتعلق بالتكوين الثقافي السلفي الإخواني للرئيس والذي يحدد نظرته لطبيعة الإنسان والمجتمع وطبيعة العلاقة بينهما، وماهية الإصلاح المطلوب ودرجته واتجاهه.
فالعقلية التي تنكر أن الإنسان هو سيد الكون ونقطة الإرتكاز في المجتمع لا تقوم بتسخير كافة مؤسساتها وأنظمتها وتشريعاتها للنهوض بهذا الإنسان وتلبية رغباته وطموحاته والدفاع عن حقوقه، لأنها ترى أن السيادة في المجتمع ليست للإنسان بل هي لله ومن ثم فهي تخضع رغبات هذا الإنسان ومشاعره وطموحاته بل وحقوقه أيضا لإملاءات وشروط وكلاء الله الحصريين في المجتمع.
والعقلية التي تنظر للإنسان على أنه عضو في جماعة أو قطيع وليس فردا حرا مستقلا، والتي تعتبر أن أفكار هذه الجماعة أو ذاك القطيع تشكل نظاما عاما ثابتا لا ينبغي للإنسان الخروج عليه، لا تعرف كيف تحترم إنسانية هذا الإنسان وحريته وإبداعاته وحقه في الخطأ والإختلاف والنقد والمعارضة وغيرها من أدوات الحضارة.
والعقلية التي تنحاز إلى الماضي وتجند نفسها لحمايته من نسمات الحاضر ورياح المستقبل، وتقتصر أسمى أمانيها على بعث هذا الماضي من جديد لا تستطيع إدراك قوانين التراكم والتطور والنمو حتى تقدم حلولا ثورية تنتشل هذا المجتمع من مستنقع التخلف وتأخذ بيده إلى مستقبل زاهر.
والعقلية التي تعلي الإنتماءات البدائية للدين والقبيلة على الإنتماء الوطني الجامع لا يمكنها أن تصهر أطياف المجتمع في بوتقة واحدة من أجل النهوض والتقدم، بل تقوم بتقسيم الوطن إلى جزر متناحرة لا تستطيع أن تحيا وتعمل بروح الفريق.
هذه العقلية لا تعرف للنجاح طريقا، ولم تعرف سوى الفشل في كل مكان حكمت فيه، وتقوم الأوطان بسداد فواتير هذا الفشل من دماء أبنائها ومستقبلهم حتى تفيق الشعوب من غفوتها، وتستعيد حريتها وزمام أمرها.