أمينة خيري
فوضى عارمة. أعود مضطرة إلى الكتابة عن مطار القاهرة الدولى ومحيطه، وأركز هنا على «محيطه». وكما ذكرت، قبل أيام، فإن جهودًا لتحسين الأداء ورفع كفاءة العمل داخل المطار ملموسة إلى حد ما. صحيح أن «كل سنة وأنت طيب» تخبط أذنيك بين الحين والآخر، وصحيح أن إطلاق العنان للأحبال الصوتية هو طريقة التواصل الوحيدة بين العاملين، وصحيح أن الصندوق الخشبى المثبت أمام بوابات الأمن حتى يضع المسافر رِجلًا عليه والأخرى على الأرض عجيب، إلا أن كل ما سبق يمكن التغاضى عنه لحين إشعار آخر. لكن الفوضى العارمة فى محيط المطار وراء الخيال. وصلت من رحلتى القصيرة مساءً.
وما إن خرجت من بوابة المطار حتى فوجئت بالسيارات والتاكسيات وعدد من الميكروباصات و«التمناية» تسير فى كل اتجاه فى الحارة المرورية نفسها. معارك لفظية بعضها يستدعى نزول السائقين لتهديد بعضهم البعض. «إرجع» «لا، مش راجع». وما الذى يمكن لأمين الشرطة الوحيد أن يفعله وحده وسط هذه المهزلة؟!. يحاول تهدئة المتناحرين، وحين يفشل يعود إلى حجر ضخم يجلس عليه. وأخيرًا، تأتى سيارة الشرطة، فأتخيل بسذاجتى أن ربنا فرجها، لكن يتضح أن مهمتها تقتصر على تبادل أوراق إدارية مع الأمين. عمال جمع العربات المخصصة لحمل الحقائب المساكين (رغم كل آفة كل سنة وأنت طيب) ينادون بعضهم البعض بعلو الصوت، وأحيانًا يهزرون ويدلعون بعضهم البعض بألفاظ تندرج تحت بند «الخادشة للحياء» وقت أن كان هناك حياء. ثم نأتى إلى جزئية السيارات العاملة فى مجال نقل الركاب عبر التطبيقات مثل «أوبر» و«كريم» وغيرهما. يبدو أن هناك تضييقًا ما عليهم يمنعهم من الوصول إلى الركاب المُحمَّلين بالحقائب. يطلبون منهم نزول السلم وطلوع الكوبرى والالتقاء عند كشك مطموسة معالمه أو ما شابه. فى المقابل، فإن أعدادًا مهولة من قادة السيارات الملاكى يمرون على الركاب «المحتاسين» فى عرض الطريق يعرضون عليهم خدمة «أوبر» المستقلة، أى بدون تطبيق أو تسجيل أو متابعة!.
حين كتبت عن فوضى المطار، قبل أيام، تلقيت رسائل عدة تسكب مرارة تجارب أصحابها. وأشير هنا إلى مقتطفات من رسالتين: الأولى للمحامى الفاضل، عماد عجبان، الذى يعبر عن حزنه لـ«شخط ونطر وتكشيرة وجه» موظفى المطار مع المسافرين، والتى تضع المسافر تحت ضغط نفسى سخيف. ويتحدث المهندس المحترم، حازم راضى، عن مرارة شبيهة، لكن يصنفها بأنها كغيرها من خدمات كثيرة تعانى «اختلاط الأدوار وتوزيع المسؤوليات بين أكثر من جهة، فمثلًا المطار تختلط فيه المسؤولية بين وزارات الداخلية والطيران والسياحة والمالية وغيرها»، معتبرًا ما يحدث فى المطار نموذجًا لسوء إدارة، وإرثًا تعانى منه مصر منذ عقود ولم يطرأ عليه تغيير. بالمناسبة، أسأل سؤالًا: هل من حق موظف الجمارك أن يسأل المسافرة: كنتى بتعملى إيه برة؟، وحين تسأله: لماذا؟، يرد: ما ترُدِّى وخلاص؟!.
نقلا عن المصرى اليوم