محرر الأقباط متحدون
"إلهنا هو فائق الصلاح والجمال؛ والجمال هو إحدى الطرق المميزة للوصول إليه" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالته إلى المشاركين في مشروع راهبات القديسة أورسولا للميثاق التربوي العالمي
"إلهنا هو فائق الصلاح والجمال؛ والجمال هو إحدى الطرق المميزة للوصول إليه" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالته إلى المشاركين في مشروع راهبات القديسة أورسولا للميثاق التربوي العالمي
وجّه قداسة البابا فرنسيس عصر أمس الجمعة رسالة إلى المشاركين في مشروع راهبات القديسة أورسولا للـ "الميثاق التربوي العالمي" الذي بدأ في ١٥ من تشرين الأول أكتوبر عام ٢٠٢١ ويشارك فيه طلاب ومعلمون من ١٩ دولة في خمس قارات. كتب البابا في الرسالة يسعدني أن أخاطبكم: أحييكم، وأتمنى لكم لقاءً جيداً وأود أن أشجعكم على المضي قدماً في مشاريعكم بحماس. أتحدث دائمًا بطيب خاطر مع الطلاب الشباب، لأنه من بين أجمل فترات حياتي وأهمها، احتفظ بالتأكيد بخبراتي المدرسية، كطالب ومعلم. لكنها ليست ذكريات حنين! في الواقع، يمكننا طوال حياتنا أن نستمرَّ في التعلم ومشاركة ما حفظناه.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد عرفت بالمبادرات التي حققتموها وتلك التي في طور الإعداد، وتتعلّق بالدفاع عن البيئة والاستدامة والأخوة الإنسانية والاهتمام بالأشخاص الأشدَّ فقرًا وضعفًا. هذا الأمر يشرِّفني، ويعني أنكم لستم أناسًا "نائمين"، ولكنكم شباب متيقِّظين، وأعلم أيضًا أنك تشاركون بشكل فعال في الميثاق التربوي العالمي، الذي أطلقته لثلاث سنوات خلت، كعهد مفتوح للجميع بهدف التربية على الأخوة العالمية. أنا بالتأكيد لا أريد أن أُعطيكم درسًا هنا، ولكنني أريد فقط أن أخبركم بشيئين أعتقد أنهما مهمان جدًّا: أحدهما يتعلق بما أنتم عليه والآخر بما تقومون به، وسأقوم بذلك انطلاقًا من شخصية تعرفونها، شخصية الفتاة الرائعة التي تُدى أورسولا. وفقًا لكاتبي سيرتها، كانت شابة تتمتع بجمال استثنائي، وقد أعجب بها الأمراء والفرسان، وألهمت العديد من الشباب، بما فيهم أنجيلا ميريشي، التي أسست على اسمها عملها التربوي مع رفيقاتها ودُعينَ راهبات القديسة أورسولا أو "orsoline".
أضاف الأب الأقدس يقول أول شيء أريد أن أخبركم به، أيها الشباب الأعزاء، هو هذا: أظهروا جمالكم! لا الجمال بحسب موضات العالم، وإنما الجمال الحقيقي. ففي عالم يخنقه الكثير من القباحة، يمكنكم أن تحملوا هذا الجمال الذي كان دائمًا ملكًا لنا، منذ اللحظة الأولى للخلق، عندما صنع الله الإنسان على صورته ومثاله ورأى أنه جميل جدًا. علينا أن ننشر هذا الجمال وندافع عنه. لأنه إذا كان صحيحًا، كما قال الأمير ميشكين في كتاب دوستويفسكي الغبي، أنَّ الجمال سيخلّص العالم، علينا إذًا أن نسهر لكي يخلِّص الجمال العالم. ولهذه الغاية، أدعوكم لكي تعقدوا "ميثاق جمال عالمي" مع جميع شباب العالم، لأنه لا وجود للتربية بدون جمال. لا يمكن للمرء أن يربّي دون أن يقود إلى الجمال، دون أن يقود القلب إلى الجمال. وبالتالي يمكنني أن أقول إن التربية لن تكون فعالة إذا لم تعرف كيف تخلق شعراء. مسيرة الجمال هي تحدٍّ علينا أن نواجهه. لكنَّ الجمال الذي نتحدث عنه ليس هو الجمال الذي ينغلق على نفسه، مثل نرسيس الذي أُغرم بصورته، وانتهى به الأمر بالغرق في البحيرة التي كان يرى فيها انعكاس صورته. كذلك ليس هو الجمال الذي يساوم مع الشر، مثل دوريان جراي الذي، عندما انتهت التعويذة، وجد نفسه بوجه مشوه. نحن نتحدث عن ذلك الجمال الذي لا يتلاشى أبدًا لأنه انعكاس للجمال الإلهي: إنَّ إلهنا في الحقيقة هو فائق الصلاح والجمال؛ والجمال هو إحدى الطرق المميزة للوصول إليه.
تابع البابا فرنسيس يقول أما الشيء الثاني الذي أريد أن أقوله لكم فيتعلّق بما تقومون به. إن الجمال الذي كشفه لنا يسوع هو جمال يتواصل ويتصرف؛ جمال يتجسد لكي يتمكن من أن يشاركنا نفسه؛ جمال لا يخاف من أن يتسخ ومن أن يتشوّه لكي يبقى أمينًا للحب الذي كوِّنَ منه. وبالتالي، لا يمكنكم أن تبقوا مثل "الأميرة النائمة": أنتم مدعوون لكي تعملوا ولكي تقوموا بشيء ما. إنَّ الجمال الحقيقي يكون مثمرًا على الدوام، وهو يدفعكم لكي تخرجوا من ذواتكم وتتحرّكوا. حتى التأمل في الله لا يمكنه أن يتوقف عند التمتع برؤيته، كما اعتقد التلاميذ الثلاثة على جبل طابور عند تجلي يسوع: "يا رب، حسن أن نكون ههنا. فإن شئت، نصبت ههنا ثلاث خيم: واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا". لا، وإنما علينا أن ننزل من الجبل ونشمِّر عن سواعدنا.
وبالتالي أضاف الأب الأقدس يقول أتمنى لكم قلقًا سليمًا في الرغبات والنوايا، ذلك القلق الذي يدفعكم دائمًا إلى السير، ولكي لا تشعروا أبدًا أنكم وصلتوا. لا تعزلوا أنفسكم عن العالم بحبس أنفسكم في غرفكم - مثل بيتر بان الذي لم يكن يريد أن يكبر، أو مثل هيكيكوموري الصغير الذي كان يخشى أن يواجه العالم - ولكن كونوا منفتحين وشجعان على الدوام مثل القديسة أورسولا التي كانت لديها الشجاعة للشروع في رحلة طويلة مع رفيقاتها وواجهت بلا خوف الهجمات وصولاً إلى الاستشهاد. كونوا أنتم أيضًا على مثالها أشخاص لا يهربون من مسؤولياتهم، لأنّه إذا لم يغير الشباب العالم، فمن سيفعل ذلك؟ قد تقولون نعم، ولكن كيف؟ من خلال الدفاع عن الجمال المشوه للعديد من المنبوذين في العالم؛ من خلال الانفتاح على استقبال الآخرين، لاسيما الأكثر ضعفاً وتهميشاً؛ من خلال النظر إلى الآخر المختلف عني لا كتهديد بل كغنى. وكذلك من خلال الدفاع عن جمال الخليقة الجريحة، وحماية موارد بيتنا المشترك، واعتماد أساليب حياة أكثر رصانة واحترامًا للبيئة. في هذا الصدد، أدعوكم لكي تقرؤوا مع زملائكم في المدرسة الرسالة التي وجهتها إلى الشباب المجتمعين في براغ في "مؤتمر شباب الاتحاد الأوروبي" في تموز يوليو من هذا العام: أنا متأكد من أنكم ستجدون أيضًا محفزات أخرى لالتزام.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الشباب الأعزاء، أعطيكم موعدًا في لقاء الشباب العالمي العام المقبل في لشبونة، والذي يعد بأن يكون علامة رجاء وجمال كبيرة لجميع شباب العالم. ليباركم الله جميعًا بشفاعة القديسة أورسولا وليبارك مربّيكم ومشاريعكم؛ وليبارك جميع الطلاب في العالم لكي لا يتوقفوا أبدًا عن الحلم بعالم أفضل ويسعوا يومًا بعد يوم بشجاعة وصبر لكي يبنوه معًا.