طارق الشناوي
بعد نحو ثمانية أعوام، عاد سعيد صالح من العالم الآخر ليحتل (مانشيت) الجرائد والمواقع، ويصبح (تريند) على الواقع الافتراضى، وفى الفقرات الرئيسية لبرامج «التوك شو».
لدينا راحلون لا يزالون قادرين على التواصل من خلال (شفرة) سحرية، لا شىء عبثى. أراد الله أن نتذكر جميعا سعيد صالح، وجاء التجاوز فى حقه من أحد الممثلين المحبطين ليصعد به مجددا إلى ذروة الحضور.
قطعًا، «سعيد» عصىّ على النسيان، كان سمير غانم يضعه بين الخمسة الكبار فى الجيل التالى للأستاذ فؤاد المهندس.. الأربعة الآخرون «عادل إمام وسمير غانم وجورج سيدهم ويونس شلبى».
المصريون والعرب فى مجال الكوميديا مع مطلع السبعينيات تعلقوا بنجمين «عادل إمام» و«سعيد صالح»، اقتسما الحب.. ولكن لماذا كان عادل نصيبه مع مرور السنوات أكبر؟ إجابتى لأنه الأكثر دراية بعقول وليس فقط قلوب الناس، وأيضا بما تريده الدولة، وما يتقبله المجتمع.
عادل أدرك مع مسرحية «مدرسة المشاغبين» مطلع السبعينيات أنه وسعيد قادمان، أراد ربما لا شعوريا أن يُصبح الزعيم، رغم أن اسم سعيد كان وقتها يسبق عادل، وأيضا أجر سعيد أكبر، ولهذا أصر عادل على أن يستحوذ على دور «بهجت الأباصيرى»، بينما سعيد المرشح الأول للدور وافق على أن يؤدى دور «مرسى الزناتي».. تفصيلة كما ترى دقيقة جدا.. ولكن.. لا تنسَ تكرار صفة «الزعيم» فى حوار المسرحية، حتى ولو بقدر من السخرية، ونعته بـ «أونطة»، إلا أنه يظل فى الذاكرة الجماعية زعيمًا.
خرجا من المسرحية متعادلين فى منسوب مستوى الجماهيرية، مع احتفاظ عادل بلقب (الزعيم)، الذى لازمه حتى الآن خمسة عقود من الزمان. عادل كان موقنًا أن الزمن القادم له. سعيد صالح لم يدقق كثيرا، فقط ينظر تحت قدميه، ولا تعنيه الخطوة القادمة للأمام أم للخلف. سعيد حريص على اقتناص اللحظة.. وهكذا وعن طيب خاطر تجده يوافق على أداء دور صديق البطل مع عادل فى عدد من الأفلام، لتصبح صورته الذهنية على الشاشة أنه فقط الصديق، بينما عادل يتصدر المشهد.
روى لى مؤخرا المنتج معتز ولى الدين، شقيق الراحل علاء ولى الدين، أن علاء لهذا لسبب اعتذر عن عدم أداء دور صديق البطل محمد هنيدى فى (صعيدى بالجامعة الأمريكية) الذى لعبه بعد ذلك أحمد السقا، خوفًا من أن يقيد نفسه فى تلك المساحة.. وهكذا بعد عامين جاءت له البطولة فى (عبود ع الحدود) إخراج شريف عرفة.
صار عادل منذ مطلع الثمانينيات هو النجم الجماهيرى الأول فى شباك التذاكر، بينما سعيد يبدد جزءا من طاقته، فيما كان يُعرف وقتها بأفلام «المقاولات». سعيد انتقد السلطة السياسية فى مسرحياته، بل سخر منها وخرج عن النص وتجاوز المسموح.. عادل انتقد وخرج عن النص، إلا أنه لم يتجاوز المسموح.. أفلامه التى أطلق عليها «سياسية» ترديد ذكى لما تريده بالضبط الدولة، وفى نفس الوقت تلعب دور (التنفيس) للجمهور.
سعيد صالح أراد فى كل اختياراته أن يقول كلمته ويعلن قناعاته.. ودفع (الفاتورة).
ترك لنا ضحكة لا تزال تتوهج فى مشاعرنا، نجم كوميدى فطرى، موهبة بلا ضفاف، أصابته سهام غاضبة من عدة اتجاهات، لأنه لم يضع حرّاسًا على باب بيته، إلا أنه سيظل دائمًا ضحكتنا الصافية التى نسترد بها معاهدة الصلح مع الحياة!.
نقلا عن المصري اليوم