بقلم: إسحق إبراهيم
تعرضت التقارير الحقوقية التي أُرسلت إلى مجلس حقوق الإنسان الدولي في إطار إجراءات المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر إلى انتقادات متبادلة، لا سيما أن المجلس القومي لحقوق الإنسان قام نيابة عن الحكومة بإعداد الردود الرسمية، إضافة إلى عدم إتفاق منظمات حقوق الإنسان على تقرير موحد. في إطار هذا الجدل توجد عدة ملاحظات:
أولاً: بدأ اهتمام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان مبكرًا ومنذ إنشاء المنظمة الدولية حيث تكونت إدارة صغيرة في هذا الشأن وتمت ترقيتها إلى مركز حقوق الإنسان في 1980. ثم قرر المجتمع الدولي في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عام 1993 تقوية اهتمام المنظمة الدولية بحقوق الإنسان فتمت الموافقة على إنشاء مفوضية حقوق الإنسان، وبمرور الوقت أصبحت قضايا حقوق الإنسان المختلفة قضايا دولية في ظل العولمة والتشابك الدولي وظهور اتفاقيات دولية لنشر ثقافة حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان، ولذلك حل مجلس حقوق الإنسان الدولى عام 2006 كبديل للمفوضية، وتشمل مهامه الاهتمام بإعمال الحقوق المدنية والثقافية والحقوق الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، بما في ذلك الحق في التنمية ومنع انتهاكات حقوق الإنسان وتأمين احترام جميع حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون الدولي لحماية هذه الحقوق وتنسيق الأنشطة ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة وإدماج حقوق الإنسان في جميع الأعمال التي تضطلع بها وكالات الأمم المتحدة.
ثانيًا: وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 251/60 المؤرخ في 15 مارس 2006 بشان الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في جميع دول العالم، تتم مراجعة الدول الأعضاء بمعدل ثماني وأربعين دولة كل عام، ومقرر أن تتم المراجعة بالنسبة لمصر فى فبراير 2010 عن الخمس سنوات الماضية حيث تقدم الدولة كشفًا حول التزاماتها بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق حقوق الإنسان التي تكون مصر طرفًا فيها، والتعهدات والالتزامات الطوعية -من جانب مصر- لوقف انتهاكات حقوق الإنسان. ويهدف هذا الاستعراض إلى تحسين حالة حقوق الإنسان على أرض الواقع، والوفاء بالتزامات الدولة وتعهداتها في مجال حقوق الإنسان وتقييم التطورات الإيجابية والتحديات التي تواجهها الدولة، والنهوض بقدرة الدولة وتقديم المساعدة الفنية إليها وتبادل أفضل الممارسات فيما بين الدول وأصحاب المصلحة الآخرين. ويجرى الاستعراض في إطار فريق عمل واحد يتألف من الدول الثماني وأربعين الأعضاء في المجلس، وستُعرض نتائج الاستعراض في تقرير يتضمن الاستنتاجات والتوصيات والالتزامات الطوعية للدولة المعنية.
ثالثًا: وفق الآلية السابقة تلتزم الدول الأطراف بإعداد ما تقدمه من معلومات من خلال إجراء عملية تشاور واسعة على المستوى الوطني مع جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة، ويجوز لأصحاب المصلحة ذوي الصلة الآخرين أن يحضروا عملية الاستعراض في إطار الفريق العامل، وتُتاح للدولة المعنية فرصة تقديم ردود على الأسئلة أو المسائل المطروحة قبل اعتماد المجلس نتائج الاستعراض في جلسة عامة كما تُتاح لأصحاب المصلحة ذوي الصلة الآخرين فرصة لإبداء تعليقات عامة قبل اعتماد النتائج التى تشمل تقيمًا موضوعيًا وشفافًا لحالة حقوق الإنسان في البلد المستعرض، بما في ذلك التطورات الإيجابية والتحديات التي يواجهها البلد. وتقديم المساعدة الفنية وبناء القدرات بالتشاور مع البلد المعني وبموافقته والالتزامات والتعهدات الطوعية المقدمة من البلد موضع الاستعراض.
رابعًا: أن يقدم المجلس القومي لحقوق الإنسان تقرير لا يشفي "غليل" المنظمات الحقوقية والنشطاء ويلبي مطالبهم هذا أمر طبيعي في ظل طبيعة تكوين المجلس واعتباره منظمة شبه رسمية تخضع لمجلس الشورى، ودوره استشارى وليس لديه أي صفة تنفيذية إضافة إلى تركيبة أعضاء المجلس المعينين من قبل الدولة، ولذلك تعرض المجلس لشكوك مستمرة منذ تأسيسه حول طبيعة دوره وعلاقته بالحكومة، وتزايدت هذه الشكوك مع ضعف التقارير الصادرة عن المجلس باستثناء التقرير الأول. ولذلك أصبح المجلس القومي محل انتقادات المنظمات الحقوقية التي أعتبرته واجه لتحسين صورة الحكومة. وقامت اللجنة التى أعدت تقرير المجلس بالتشاور مع أجهزة الدولة الحكومية المعنية ممثلة في وزارات العدل والداخلية والخارجية والشئون القانونية والمجالس النيابية، والنائب العام ومجلسى الشعب والشورى.
خامسًا: لا يخفو على أحد غياب التنسيق والتشبيك وحالة الشللية بين المنظمات الحقوقية وبعضها البعض، لأسباب عديدة منها ما يرجع إلى اختلاف الميول السياسية عند مسئولي هذه المنظمات ومنها ما يرجع إلى الخلافات الشخصية والغيرة ومنها يعود إلى المنافسة في مجال العمل. وبطبيعة الحال الخاسر الأكبر هو المواطنين فقد أدى غياب التنسيق إلى ضعف هذه المنظمات أمام الحكومة وأصبح بعضها صيدًا سهلاً أمام الأصوات المناهضة لعمل هذه المنظمات. وفي قضيتنا لم تتفق المنظمات على تقرير موحد حيث أعلنت مجموعة منها عن تقديم تقارير مختلفة ومن أبرز هذه المجموعات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وتقرير أخرى مقدم من مجموعة من المنظمات يقودها مركز ماعت للحقوق القانونية والدستورية.
سادسًا: اتفقت التقارير المقدمة من المجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية على بعض القضايا الرئيسية من أبرزها ضرورة إصلاح البنية التشريعية، ووقف العمل بحالة الطوارئ وإتاحة حرية تكوين الأحزاب والجمعيات الأهلية وإلغاء ترسانة القوانين المقيدة للحريات إضافة التي تعزيز المواطنة قانونيًا بإصدار تشريعات تعزز من المساواة والعدالة داخل المجتمع.
سابعًا: اختلفت التقارير في بعض القضايا الأخرى لعل من أهمها ما يتعلق بالإرادة السياسية، ويؤكد عدد من نشطاء حقوق الإنسان على أن الحكومة ليس لديها إرادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وأنها لا تلتزم بالرد على تساؤلات المنظمات وكذك المجلس القومي لحقوق الإنسان، علاوة على أنها لم تقوم بأي مجهودات تذكر من أجل ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان لدى العاملين في الجهاز الإداري للدولة كما تنتقد تقارير المنظمات وخاصة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الدور المتنامي لأجهزة الشرطة والتي ترتكب انتهاكات جسيمة في حق المواطنين وما ترتبط بذلك من سوء حالة أماكن الاحتجاز.
ثامنًا: رغم أهمية التقارير التي قدمها المجلس والمنظمات والتي ترصد بصدق حالة حقوق الإنسان في مصر والانتهاكات التي يتعرض لها المواطنين، إلا أن هناك خطوات على المنظمات يجب القيام بها قبل موعد مناقشة التقرير الدوري لمصر، فالمنظمات مطالبة بمخاطبة أعضاء مجلس حقوق الإنسان الدولي وإقناعهم بما جاء في التقارير التي قدمتها وكذلك بالرد على ملاحظات الحكومة.