أمينة خيرى
على هامش حكاية «الفنان» محمد رمضان والسجال المحتدم الدائر حول «انتفاضة» الإسكندرية ضده، ورد فعله الذى تحول «تريند» عبر منصات السوشيال ميديا، وفيديوهات المطاردة والهروب والكر والفر، وهبدات المدونين ورزعات أصحاب الفيديوهات وقنوات الـ«يوتيوب» وفقاعات القيل والقال، أود الإشارة إلى عدد من النقاط.
أولاً محمد رمضان «فنان» بحكم محبيه. وبغض النظر عن رأينا فى هذا الحكم، فإن ما يقدمه، وما يسمح له بتقديمه من «فن» يلقى رواجاً وإعجاباً من قبل قاعدة عريضة من أهل مصر. وهذا الرواج والإعجاب جعلا منه نجم شباك، وبلغة الاقتصاد، فهو مصدر ربح. وبلغة «أهل مصر» هو «فاتح بيوت ناس كتيرة». أليس هذا هو المنطق المعمول به فى مصرنا الحبيبة منذ عقود؟ ألا تستخدم هذه الحجة كلما بدت ملامح محاولة لتصحيح أوضاع خاطئة أو تصويب سلوكيات متدنية؟! سائق توك توك طفل يتم توقيفه من قبل ضابط مرور، فيهرع الناس ليستجدوه إطلاق سراحه، وإن لم يفعل اعتبروا الضابط عدو الشعب ومناهض الغلابة. وبالطبع فإن هؤلاء لا يفكرون مرتين فيما وراء الطفل قائد التوك توك، وكيف أن أهله غالباً أنجبوه ليكون رأس مال إضافياً للأسرة الفقيرة التى تزداد فقراً بكثرة الإنجاب، إلا أن «العيل بييجى برزقه» كما نعلم جميعاً، وكما يخبرنا البعض من رجال الدين ولكن من أسفل المنابر وليس من أعلاها!
ثانياً أغلبنا يعلم بعد سنوات من التمرس والإغراق فى السوشيال ميديا أن الهبد والرزع على هذه المنصات حول قضية واحدة لعدة ساعات وليس لعدة أيام يصنع «تريند». وأغلبنا يعلم أن هناك من ينفق الغالى والنفيس ليلحق بالتريند. لذلك، يخطئ من يظن أن التريند الحالى سيسقط محمد رمضان أو سيصحح مسيرة الفن أو يصوب سلوكيات البشر أو يصنع من الفسيخ شربات. وحتى لو ألحق تريند ما ضرراً بشخص ما أو فكرة ما فى وقت ما، فإنه «تريند ويزول» على غرار «شدة وتزول» وتبقى الشهرة والانتشار فائدتين عظيمتين بمقاييس العصر.
ثالثاً وبحسب مقاييس السوشيال ميديا، فإن كل تريند له رد تريند مساو له فى المقدار وعكسه فى الاتجاه. لذلك، وبينما جميعنا غارقون هائمون فى بحور فيديوهات الطرد والشجب والمنع هناك آخرون غارقون هائمون فى فيديوهات الترحيب والثناء والتهليل. وبالطبع فإن العالمين ببواطن السوشيال ميديا يعلمون تمام العلم أنه فى الإمكان، وبكل سهولة ويسر خلق توجه ما على الأثير من عدم. ولنا فى ميليشيات الإخوان الإلكترونية وجيوشها الافتراضية على أثير السوشيال ميديا فى عام 2013 عبرة. هل تتذكرون كيف كانت؟ وأين هى الآن؟
رابعاً عودة إلى «النجم» محمد رمضان ونجوميته المعتمدة على طرفى نقيض. الطرف الأول هو القاعدة العريضة من البسطاء، لا سيما المراهقين والشباب الذين ولدوا فى عصر التجريف الثقافى والتطرف الدينى المظهرى الفاصل فصلاً تاماً بين الجوهر والمظهر القلب منه سطوع نجم «الدكر» ذى العضلات المبلطج الذى يسحر النساء بقوته العضلية وبأسه وخناقات الشارع التى يخوضها وتسيل فيها الدماء ثم يحصل على الأنثى التى يرغب فيها بجرها من شعرها بعد ما تسقط طرحتها رمز عفتها وسط غيرة بقية نساء الأرض، بالإضافة بالطبع إلى تدهور التعليم وتفريغه من قيمة التعلم وجعله مقتصراً على ورقة يتم الحصول عليها بشكل أو بآخر، وهو التفريغ الذى تطور ليسلب التعليم قيمته لدرجة أن العائلات المتخصصة فى ضخ العيال لم يعد يشغلها أصلاً إرسال ما تضخ إلى المدرسة ولو لبضعة أعوام. هؤلاء يرون فى «النجم» مثلاً أعلى يحقق طموحاتهم التى سلبتهم إياها ظروف خروجهم إلى الحياة. أما طرف النقيض الآخر، فهو أفراح الأثرياء وحفلات الـ«بروم» (التخرج) للمدارس والجامعات الخاصة، حيث أغنيات «النجم» صرعة وتريند.
خامساً الإسكندرية عاصمة غير معلنة وغير متوجة للتيارات المتشددة والمتطرفة المسماة بـ«السلفية». وحتى لو تمت السيطرة من قبل وزارة الأوقاف على مساجد المدينة، فإن ما زرعته السلفية فى الإسكندرية منذ عام 1972 سراً ثم علانية وعلى مدار عقود من تربية أجيال نشأت فى كنف أفكارها باعتبارها الإسلام الحق والحياة الصح لن تمحوه سيطرة على مساجد أو عقد ندوات عن السماحة والتنوير. الفكر الذى تجذر ينمو ويترعرع دون شرط الإشهار ولو إلى حين. لذلك فإنه لا ينبغى عدم وضع «المكون السلفى» فى حكاية رفض الإسكندرية لمحمد رمضان. وهذه معضلة كبرى.
سادساً لماذا هى معضلة كبرى؟ لأنها تضع السلفيين من جهة والمطالبين بالتنوير وتطهير الخطاب الدينى والمعترضين على الفن الهابط من جهة أخرى فى سلة واحدة وكأن غايتهما واحدة.
سابعاً كل ما سبق لا يمت بصلة برأيى الشخصى فى محمد رمضان. كما أنه لا يتعلق من قريب أو بعيد بمحتوى ما يقدمه. لكنه تقييمى للمشهد الآنى.
نقلا عن الوطن