أمينة خيري
ما جرى على «طريق السويس» أقرب ما يكون إلى أفلام الخيال غير العلمى المؤذى المقيت ويستحق ما هو أكثر من مجرد تداول الفيديوهات وكتابة التعليقات وتوزيع الاتهامات وتمويه المسؤوليات. وما جرى جدير بأن يلقى نهاية أفضل من مجرد القول بأن حركة المرور عادت إلى طبيعتها. لماذا؟ لأن حركة المرور ليست طبيعية من الأصل رغم الرادارات والطرق الجديدة، ومتابعة السرعات الجنونية والقيادة غير المسؤولة التى تحفل بها الطرق شاهد عيان يومى. الأمر أبعد وأهم من ذلك.
سأبدأ من الجوانب الإيجابية أو التى تبدو كذلك. القرار شبه الجماعى الذى اتخذته مجموعة من قادة السيارات ممن تصادف وجودهم على طريق السويس فى هذا التوقيت الحيوى فى ذلك الصباح بمحاولة توقيف السيارة وقائدها المخبول بفعل ما كان واقعاً تحت تأثيره، يعنى أننا مازلنا نتمتع بقدر من الشهامة للدفاع عن النفس والغير. فما جرى من قبل قادة سيارات «غامروا» بأنفسهم ومن معهم وسياراتهم من أجل توقيف السيارة كان مشهداً يليق بأفلام الإثارة الأمريكية التى نتهمها بالمبالغة. وسائق النقل الذى بادر بمحاولة «توقيف» السيارة عبر صدمها من الخلف قام بما أمكنه القيام به لا لحماية نفسه، بل فى محاولة لحماية الآخرين كذلك. فهو واقعياً لم يكن معرضاً للخطر بفعل جنون سائق السيارة بحكم الحجم والثقل.
وبينما نتابع ردود فعل جموع المصريين لما جرى يتضح تماماً أن التوجه العام يميل إلى الإشادة والثناء على تصرف المواطنين والمواطن سائق النقل. ورغم أن أغلب التعليقات تدور فى إطار «رجالة من ظهر رجالة»... إلخ، إلا أن هناك اتفاقا شبه عام بأن ما جرى كان بدافع «يا روح ما بعدك روح» أو من باب «يا قاتل يا مقتول». وأتحدى أن أياً من المنتقدين الذين شربوا قهوة الصباح وشاهدوا الفيديوهات بضع مرات ثم بدأوا يحكمون العقل ويقولون إن ما جرى من قبل المواطنين وسائق النقل بالغ الخطورة ولم يكن ينبغى أن يحدث وكان عليهم أن «ينتظروا» وصول الشرطة، لو تصادف وجودهم على الطريق وقتها، لفعلوا أكثر مما قام به المواطنون.
هذا ليس دفاعاً عن قيام مواطن بتوقيف مواطن آخر والاقتصاص منه بيده، أو بمعاقبته بالعقوبة التى يراها مناسبة بحسب فكره وشرعه، وإلا لكان دفاعاً عن الإسلاميين مثلاً الذين يحلمون بجماعات أمر بالمعروف ونهى عن المنكر يقوم بها أتباعهم بحسب ما علمهم أميرهم. لكنه دفاع عن مواطن وجد نفسه ومن يحب فى ساحة حرب العدو فيها فاقد العقل، ويصوب سلاحه دون وعى، وبالطبع دون ضابط أو رابط، على ما يتصادف وجوده فى محيطه. قبل أيام، عبرت عن رغبتى فى أن تخصص أموال الضرائب التى أسددها لتدريب وزيادة رواتب الشرطة وتركيب كاميرات ورادارات فى كل ركن فى مصر لا لتمويل عمليات ضخ المزيد من العيال فى المجتمع. هل أنا مخطئة؟.
نقلا عن المصرى اليوم