طارق الشناوي
عندما علم المايسترو صالح سليم وهو فى أحد مستشفيات لندن قبل أكثر من 20 عاما أنه مصاب بالسرطان فى الرئة والمرحلة حرجة، لم يفكر فى شىء سوى أنه وعد حفيدته نورا، ابنة هشام سليم، بأن يصطحبها مساء إلى السينما، وهو لا يمكن أن يخذلها، وطلب من إدارة المستشفى اتخاذ اللازم لكى يعود قبل الموعد المتفق عليه إلى حفيدته وبعدها هم أحرار.
تمر السنوات ويكتشف هشام قبل نحو عام أنه أصيب بنفس المرض، وبدأت الصحافة تبحث وتنشر، وبعضها يبالغ، ولم يجد سوى أن يستسلم وبكبرياء إلى قضاء الله، وأكمل قراءة بضع سيناريوهات عرضت عليه لكى يختار منها ما يتحمس له.
مشواره الفنى، لو حسبتها بدقة، ستكتشف أنه نصف قرن، منذ أن اختارته فاتن حمامة عام 1972 وهو فى الرابعة عشرة، ليؤدى دور ابنها فى (إمبراطورية ميم) وأجرى له المخرج حسين كمال (تيست كاميرا) وانبهر بتلقائيته.. نعم، فاتن تحمست له لأنه كان يناديها (طنط فاتن) هو وشقيقه الكبير خالد، وهما يلعبان فى منزلها بعمارة (ليبون) بالزمالك مع ابنها طارق عمر الشريف، إلا أن الفن لا يعرف الواسطة.. ممكن الخطوة الأولى فقط تلعب الصدفة أو (الواسطة) دورًا، ولكن فاتن لن تتحمس إلا إذا وجدت أمامها موهبة ناصعة الحضور.. وهكذا يشارك معها بعدها بأربعة أعوام فى (أريد حلا).. وبعد نحو ربع قرن يعاود اللقاء معها فى (أرض الأحلام) للمخرج داوود عبد السيد.
وبين (ميم) و(الأحلام) عندما انتقل لبواكير الشباب، التقى مع يوسف شاهين فى فيلمه الأثير (عودة الابن الضال) كان وقتها نحو 17 عاما، ومعه ماجدة الرومى ورهان صائب من يوسف شاهين، وينطلق بعدها اسمًا له حضوره وطلته المميزة فى كل المجالات.. وهكذا تجد على خريطته الفنية مخرجين مثل: رأفت الميهى وأشرف فهمى وشريف عرفة، وينطلق للمسرح مع شريهان فى (شارع محمد على)، والتليفزيون فى (ليالى الحلمية)، ويُصر على أن يمنح نفسه للدور الذى يؤديه بكل التفاصيل، وقدم الاستعراض، واقترب أيضا بحذر من الغناء.
وعندما حان وقت العطاء العام لنقابة المهن التمثيلية ووجد أن عليه دورا يتجاوز حدوده كممثل، قرر أن يفعلها، وله مواقف مشهودة له فى الدفاع عن حقوق زملائه وحل مشاكلهم الصحية والاقتصادية. كان يتعمد أثناء الانتخابات ألا تُعلق له لوحة تحمل اسمه.. أكثر من ذلك لم يكن يذهب حتى لصندوق الانتخابات.. كان يرى أنها خدمة عامة، والجمعية العمومية تختار من تستشعر أنه فعلا جاء ليخدمها.. وكان يحصل فى كل مرة على كل الأصوات وليس فقط أعلى الأصوات.
لا أتذكر أننا اختلفنا فى أى رأى كتبته عن دور درامى. المرة الوحيدة التى اختلفنا فيها جاءت بسبب النقابة، كان صديقى الصحفى والإعلامى الكبير الراحل وائل الإبراشى يقدم حلقة عن دور النقابة فى حماية الفن، وفى الاستوديو بدأ النقيب أشرف زكى يفند أسبابه فى الدفاع عن فرض الرقابة الصارمة، وكان رأيى أن المنع تاريخيا لم يمنع أى شىء من الوصول للناس، وأنك الآن فى هذا الزمن تحديدا صار من السهل جدا أن تستقبل وأنت فى بيتك كل ما هو ممنوع.
وأن الأصل فى الحكاية وحائط الصد الوحيد هو أن يكتسب الجمهور المصرى والعربى المناعة التى تتيح له الاختيار الصائب.. وتدخّل عبر الهاتف هشام سليم وأصر على أن المنع كسلاح يجب تفعيله وبقوة، وربما زادت قليلا مساحة وحدة النقاش عن سقف المسموح، إلا أن هذا لم ينعكس أبدًا على العلاقة الإنسانية التى جمعتنا بعدها فى أكثر من لقاء مباشر.
فى بدايات هشام سليم وجيله وأبرز الأسماء هم ممدوح عبدالعليم وشريف منير.. واجهت الثلاثة- مع اختلاف الدرجة أن الثمانينيات التى كانت تعنى بالنسبة لهم بدايات مرحلة العشرينيات من العمر والدخول إلى أداء دور (الجان) الفتى الأول، فى ذلك الزمن كان لا يزال الجيل السابق محمود ياسين وحسين فهمى ونور الشريف، وانضم لهم أيضا محمود عبد العزيز وأحمد زكى، ثم جاءت نجومية عادل إمام الطاغية- كل ذلك لعب دورا سلبيا فى الفرص المتاحة للبطولة أمام الثلاثة.
صحيح أسندت لهم بعضها، ولكن ليس بالقدر الكافى.. وعندما مر الزمن ودخلنا الألفية الثالثة كان الزمن أيضا ليس لصالحهم، حيث صارت فى المقدمة أسماء نجوم الكوميديا، بداية بمحمد هنيدى، مرورا بعلاء ولى الدين وهانى رمزى ومحمد سعد حتى أحمد حلمى، يحصلون على قضمة معتبرة من التورتة السينمائية، وفى نفس الوقت تغير جيل مشاهدى السينما، وبالتالى تغيرت ملامح (الجان) الذى يبحثون عنه، وصارت أسماء مثل أحمد السقا وكريم عبدالعزيز وأحمد عز لها حظ أوفر.
هشام اعتز بكرامته ولم يقبل أى تهميش فى الدور الذى يؤديه ولا فى مكانته على التترات، وفى أحد البرامج فى عز نجومية محمد سعد عام 2003 سألوه: هل تقبل أن يسبقك على التترات؟، أجابهم قطعا أرفض، أنا تاريخى أسبق، ومثل هذه التفاصيل فى قانون السينما تؤدى لمشاكل فى مكاتب الإنتاج والتوزيع، لا تتعامل السينما بقانون التاريخ الذى يعنى الانصياع للماضى، لكنها تتعامل فقط بقانون الجغرافيا التى تعنى: أين أنت؟ وما توجُّه شباك التذاكر فى اللحظة الراهنة؟.
هشام كثيرًا ما أصر على التاريخ، إلا أنه بين الحين والآخر إذا أعجبه الدور والعمل الفنى والنجم الذى يتصدر الأفيش يوافق على أن يعمل بقانون الجغرافيا بدور رئيسى، مثلًا فى التليفزيون (هجمة مرتدة) أمام أحمد عز الذى كان هو البطل، وفى السينما (موسى) أمام كريم محمود عبدالعزيز.
هشام صريح جدا فى آرائه، كانت له تجربة فى كرة القدم، والرهان وقتها أن يصبح خلفية لوالده اللاعب الأسطورى صالح سليم، إلا أنه غادر الملاعب مبكرا، وعندما سألوه، قال: «أين أنا من صالح سليم؟!.. وما حققه لن يصل إليه أحد».. وواصل صراحته: لكنى تفوقت عليه فى التمثيل!.
واجه هشام أكبر مأزق يتعرض له أب، عندما صارحته ابنته نورا أنها تعيش فى جسد غير جسدها وهى تحمل مشاعر رجل، وكان ينبغى إجراء جراحة لتعديل الهوية الجنسية.. المجتمع العربى من المستحيل أن يتقبل ذلك، ولكن هشام امتلك الشجاعة لكى يعلن مع إيناس الدغيدى فى برنامجها (شيخ الحارة والجريئة) أنه يجب أن يقف مع ابنته نورا التى قررت أن تصبح نور، ويدافع عنها بضراوة، واشتعل الجدل على (السوشيال ميديا)، لم يتوقف إلا قبل 48 ساعة، عندما تحول (النت) إلى سرادق عزاء ينعى فيه الجميع الفنان ابن الأصول الموهوب هشام سليم.
نقلا عن المصرى اليوم