د. ســامح فــوزى
فى مناسبات عديدة يظهر احتجاج نسائى ضد أعمال درامية، تختزل المرأة فى جسدها، وتُظهرها أداة للمتعة. وعادة تغضب الشخصيات النسائية اللاتى يتبنين أجندة حقوقية تجاه كل ما يخل بحقوق المرأة، أو مساواتها بالرجل. ويدرك الباحثون فى علم الاجتماع أن المجتمع الاستهلاكى يقدم المرأة بوصفها عارضة للوجاهة وأداة تسويق لكل السلع التى يحتاج اقتناؤها إلى اقناع بل إغراء المستهلك من سيارات إلى ديكور الشقق إلى الملابس إلى مستلزمات الحمامات، إلخ. فى كل الإعلانات التى تُقدم لترويج هذه السلع تظهر المرأة أداة تسويق أساسية، فى محاولة غير مباشرة لإيهام المتلقى بأن استهلاك سلعة بعينها، يجلب فى المخيلة سعادة الظهور بجانب المرأة الحسناء التى تظهر فى الإعلان.
لاحظت فى الفترة الأخيرة أن هناك إقبالا على الفيديوهات على قناة يوتيوب التى تقدم نصائح للفتيات المقبلات على الزواج، وكذلك السيدات حديثة الزواج، بهدف رفع منسوب السعادة فى علاقاتهن بأزواجهن، وكذلك تحقيق الاستدامة فى الحياة الزوجية، خاصة فى ظل ارتفاع حالات الطلاق فى المجتمع. الأمر فى ظاهره إيجابى، طالما أنه يرتقى بنوعية حياة الناس، ويخلو من الابتذال والمناقشات الجنسية الفجة التى تغلب على العديد من النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعى. ولكن يبدو أن المسألة أكثر تعقيدا من ظاهرها التوعوى إن صح التعبير.
إحدى السيدات الشابات، صاحبة الفيديوهات التى تحقق مشاهدات عالية، واقبالا واسعًا على تغريداتها، وتدويناتها على مواقع التواصل الاجتماعى تقدم خلطة إعلامية تجمع بين تقديم نصائح للفتيات الشابات من أجل حياة زوجية سعيدة، وبين الترويج لسلع استهلاكية من ملابس نسائية، واكسسوارات، ومستلزمات الليالى الرومانسية، إلخ. كل ذلك يقدم فى غلالة دينية تشمل استدعاء لأحاديث دينية، وحضا على اتباع طريق العلاقات الحلال فى مواجهة واقع مشين. صاحبة هذه الفيديوهات شابة فى منتصف العمر، محجبة ترتدى ملابس آنيقة، وتجيد الحديث والتواصل مع فتيات الطبقة الوسطى المتدينات، اللاتى قد يرين فى هذه المنتجات الإعلامية أداة مهمة فى بناء الثقافة الزوجية لديهن.
وتتناول الفيديوهات العديد من مظاهر الزواج فى أيامه الأولى، وطبيعة الحياة الجديدة التى تقبل عليها الفتاة، وعلاقتها بزوجها، وملابسها، وعطورها، الخ، وهى جميعها تتعامل مع العلاقة الزوجية فى جانبها الجنسى، أكثر ما تنظر إليها فى مسارها النفسى والاجتماعى. وتربط هذه الفيديوهات بين سعادة الزوجة وإمتاع زوجها من ناحية وبين استهلاك الملابس، ومستلزمات الزينة من ناحية أخرى. يعنى ذلك باختصار أن العلاقة بين الزوجين لا تنتج بهجة للطرفين دون تهيئة الأجواء بالاستهلاك، والإغراق فيه، واللهاث وراء الموديلات، وأحدث موضات ملابس النوم، وغيرها. بالطبع لست ضد ان يستمتع الناس بحياتهم، ولكن الإشكالية تكمن فى خلق ارتباط مباشر بين السعادة الزوجية وملابس النوم المثيرة، أو بين الاشباع النفسى فى العلاقة بين الزوجين وبين تعدد أطقم الملابس. يشعل هذا الخطاب – بالتأكيد- التطلعات الاستهلاكية لقطاعات عريضة من أبناء الطبقة الوسطى الذين يعانون الآن ضغوطا معيشية متصاعدة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الزواج على نحو غير مسبوق. هذا عن الجانب المادى فى هذه النوعية من الخطابات الإعلامية الالكترونية، ولكن هناك جوانب أخرى تتصل بالنوع الاجتماعى، وعلاقات الرجل والمرأة، خاصة الزوجين، مثل التفاهم، وبناء الحياة المشتركة، وأسس التربية، والسعادة الأسرية، والصحة النفسية، هذه الجوانب لا تناقشها هذه الفيديوهات، ربما انطلاقا من تخصصها فى أحد جوانب العلاقة بين الزوجين، ولكن يظل تركيزها على الجانب الانثوى فى حياة المرأة اختزالا لكيانها الإنسانى، وتشويها لصورتها فى المجتمع، وتهميشا حقوقيًا وسياسيًا وثقافيًا لها، مما يعيد بوصلة تفكير المرأة فى اتجاه الجسد، ويؤكد النظرات الذكورية السلبية التى نعانى منها ثقافيًا وقانونيًا ومجتمعيًا. وبالطبع، تصمت هذه الفيديوهات عن مخاطبة الفقراء، الذين يبحثون أيضا عن السعادة فى حياتهم الزوجية، لكن دون قدرة على الاستهلاك البذخى.
هذا الحديث ليس فلسفيا أو تنديدا أيديولوجيا بالمجتمع الاستهلاكى، لكنه يتصل بمحاولة الفهم الصحيح للعلاقة الزوجية، التى تختزلها هذه الفيديوهات على الفضاء الإلكترونى فى المرأة الأنثى المستهلكة، والزوج الذى يجب إغراؤه، بينما تعج الحياة بنماذج فشل الزيجات، وتفكك الأسر، وضياع الأبناء، لأن الإرشاد النفسى والاجتماعى قليل، بينما الإرشاد الجنسى فى ازدياد!.
نقلا عن الاهرام