فاروق عطية
إذا عدنا إلى الوراء قليلاً نجد أن عبدالناصر والسادات التقيا لأول مرة فى منقباد بأسيوط، ومن خلال الانطباعات الأولى للسادات عن عبدالناصر أدرك السادات بفطنته وذكائه الفطري طباع عبدالناصر المزاجية التى تميل للكبرياء، فإذا كان الأمر كذلك وهو لم يكن قد ملك أى سلطة بعد، فما هو الموقف إذا أصبح فى مركز القوة والسلطة، كما أن السادات قد علمته تجارب الحياة القاسية التى مر بها، ان يكون أكثر مكرا وأن يحطاط لنفسه، كما أدرك عبد الناصر أن السادات شخص هش يميل للتمثيل والخطابة والتظاهر بالقوة ولكن لا يعتمد عليه في المواقف الصعبة والحاسمة.
يقول معارضي تولي السادات لمنصب تائب الرئبس: عند نجاح الانقلاب وتولي عبد الناصر مقاليد السلطة "بعد ازاحة محمد نجيب" لم يكلف السادات بالقيام بأي عمل تنفيذي مثلما حدث بالنسبة لكافة أعضاء مجلس الثورة، وقد أبعده عبد الناصر كما يقول محمود رياض من المشاركة فى أى مفاوضات سياسية، ولم تكن لدى السادات الفراغ السياسي الذى كان يعيش فيه، وأخيراً يقول رياض، لقد سألت الكثيرين وقرأت المعرفة الكاملة بما كان يجرى. كما يؤكد أنه لا يعتقد ان عبدالناصر كان يرى ان أصلح من يخلفه هو السادات، وإلا ما تركه فى هذا للبعض تفسيرات مختلفة إلا أننى لم أجد تفسيراً منطقياً، وقد توصلت إلى أن هذا الموضوع بالذات سوف يبقى غامضاً للأبد.
ويقول مؤيديه: كان للسادات نشاطه البرلمان وهو احد أهم أضلاع النشاط السياسي الداخلي بوجه عام، كما لوحظ أن السادات لم يدخل معترك حياة السلطة التنفيذية كوزير من وزرائها، وإن كان قد شغل منصب وزير دولة عام 1954م، و يذكر أن مكتبه كوزير دولة فى هذه الفترة كان فى مجلس الأمه و ليس فى مجلس الوزراء كما جرت العادة، ثم أصبح السادات وكيلً لأول مجلس نيابي بعد الثورة عام 1957م، وفى يناير 1955م تم إعلان قيام المؤتمر الإسلامي، وتولى السادات منصب السكرتير العام له، و قد أتاح هذا العمل للسادات زيارة بلاد المنطقة لجمع شمل الدول العربية و الإسلامية، وكذلك العمل من أجل تحقيق أهداف سياسية وقومية تخدم قضايا الوطن، ثم رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوة الشعبية عام 1961م، كما كان رئيساً لمجلس الأمه أثناء الوحدة مع سوريا، ثم رئيساً لمجلس الأمه فى الفترة بين عامي 1964-1968م، ويبدو أنه وفى إطار لعبة التوازن بين القوى داخل حلبة السياسة الداخلية، فإن عبدالناصر قام بتوزيع هذه القوى ورموزها داخل العمل السياسي دعماً لنظامه ولإبعاد الصراع على السلطة بعيداً عنه، وتم توزيع أعضاء مجلس الثورة توزيعاً يفرق بينهم ولا يجمع، حتى لا يتحدوا ضده يوماً ما.
يقول صلاح الشاهد الأمين الأول لمصطفى النحاس وكبير الأمناء فى عهد عبدالناصر، أن عبدالناصر كان يعرف قدر السادات جيداً، وان عبدالناصر لم يكن يريد تمكين السادات من المسائل السياسية حتى لا يتفوق عليه فيها، بالإضافة إلى أن السادات كان متفوقاً على كل أعضاء مجلس الثورة باعتباره خطيباً بارعا.
يقول السادات عن نفسه: لقد تساءل البعض فى حيره، كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع عبدالناصر من غير أن يقع بيننا ما وقع بينه و بين بقية زملاءه، و مثلما تساءل صحفي فى لندن قائلاً: إما إنني كنت لا أساوى شيئاً على الإطلاق، و إما إني كنت خبيثاً غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه وبقيت أنا الرجل الوحيد من رجال الثورة الذى لم يمسسه سوء، بل على العكس عندما توفى عبدالناصر إلى رحمة الله كنت أنا نائب رئيس الجمهورية الوحيد، وهذه التساؤلات تدل على جهل هؤلاء جميعاً بطبيعة السادات، فلا السادات كان عديم الصفة أثناء حياة عبدالناصر، ولا كان السادات خبيثاً او لئيماً، وكل ما فى الأمر أن السادات و عبدالناصر تصادقا، وكانا يختلفان أحيانًا وقد تحدث بينهما جفوه قد تطول شهرين مثلاُ او أكثر او أقل، وربما كان السبب فى ذلك يرجع إلى اختلاف الآراء ووجهات النظر، او قيام البعض ممن لهم تأثيراً على عبدالناصر بالدس عنده ضد السادات، فلقد كان عبدالناصر يؤمن بالتقارير ويميل بطبعه إلى الإصغاء إلى القيل والقال. ويؤكد السادات أنه لم يحدث لو مرة واحدة أن وضع نفسه موضع الدفاع، فليس من طبع السادات أن يفعل هذا سواء مع عبدالناصر او مع غيره.
ويذكر السادات، أنه استطاع أن يقوم بدور فعال فى إحباط حلف بغداد، حين أراد ملك الأردن أن يحصل على معدات وأسلحه لجيشه أثناء محادثاته مع الجنرال جيراليد تمبلر الذى وصل إلى عمان فى محاولة لضم الأردن إلى حلف بغداد، ذكر تمبلر للمسئولين فى الأردن، أن الأردن ما لم تنصاع لنصائح أصدقائها فى الغرب، فإنها تجازف و تعرض نظام الحكم الحالي للسقوط وبالتالي ضياع استقلال البلاد، باءت مهمة تمبلر بالفشل بسبب معارضة وزراء الحكومة الأردنية، وسبب اخر هو وجود مبعوث للرئيس عبدالناصر هو أنور السادات الذى كان يقيم داخل السفارة المصرية فى عمان، الذي كان على اتصال دائم بالقائمين بالتفاوض من الجانب الأردني وكان يبلغهم موقف القاهرة ورأيها من سير المفاوضات أولا بأول. تقول مصادر أخرى أن السادات عمل من داخل السفارة المصرية واستطاع بتمويل من السعودية أن يساعد الساسة الفلسطينيين والأردنيين على رفض المحاولات البريطانية لإدخال الأردن إلى حلف بغداد، و قد أعتبر رفض الأردن الدخول فى الحلف صفعه مصرية موجهه إلى بريطانيا.
بعد نجاح مهمة السادات فى الأردن، اتجه بعدها إلى لبنان لمقابلة كميل شمعون، واستطاع أن يستخدم عداء عائلة كميل شمعون التاريخي للأتراك فى إبعاد لبنان عن حلف بغداد، أما فى بغداد فقد حدث أن نور السعيد أبلغ الصحفيين أن السادات جاء ليبحث انضمام مصر إلى حلف بغداد وفوجئ السادات بعد انتهاء الاجتماع بالصحفيين يرددون أمامه هذا الكلام، فأخبرهم أن هذا الكلام لم يحدث على الإطلاق وأنها حيله من حيل والاعيب نور السعديد.
عندما أعلنت الولايات المتحدة رفضها تمويل مشروع السد العالي الذي دفع عبدالناصر إلى البحث عن بديل اخر وهو تأميم قناة السويس و ذلك لتأمين التمويل اللازم لبناء المشروع و تنفيذه. عقب تأميم القناة قال سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني، رغم وجود أخطاء فى قرار عبدالناصر إلا أن هذا القرار وحده لا يعطينا الحق فى استخدام القوة ضد مصر، أما أنتوني ايدن رئيس الوزراء فقد أرسل إلى ايزنهاور يقول، إننا يجب أن نستعد لإعادة عبدالناصر إلى رشده.
عندما أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس كان السادات رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية، وفى اليوم التالي ذهب إليه السادات وقال له إنك لو كنت شاورتني فى الأمر لقلت لك تريث وكن حذراً، هذه الخطوة تعنى الحرب ونحن غير مستعدين لها، والأسلحة التى لدينا تسلمناها حديثا و لم نتدرب عليها بعد بشكل جيد، و خبرتنا مع الأسلحة الإنجليزية فقط و ليس لدينا الوقت لتغيير العقلية العسكرية من غربية إلى شرقيه، و لكن ما دمت قد اتخذت قرار التأميم فنحن جميعاً معك وأنا أولهم.
من بين المهام التى أسندها عبدالناصر إلى السادات، أنه بعد مؤتمر باندونج عام 1955م، كلف عبدالناصر السادات بتحذير الشيوعيين المصرين بأنهم إذا لم يلتزموا الحذر فسوف تكون نهايتهم مثل نهاية الإخوان المسلمين، وقد ظل السادات يناقشهم حوالى سبع ساعات متصلة دون جدوى، وعندها أعلن عبدالناصر عداوته لهم أمر بالقبض على المئات منهم و سجن معظمهم دون أى تهمة.
كان عبدالحكيم عامر هو الرئيس رقم 2 فى مصر بعد عبدالناصر، و بعد هزيمة 1967م دب الخلاف بينهما، وحاول كل من عبدالناصر وعامر استقطاب السادات لصفه دون جدوى، فلم يقع السادات أبداً بعد ثورة 1952م فى فخ الانتماء او الانحياز لفرد او جماعة او فئة، او الدخول فى صراعات مع الاخرين و بذلك حافظ السادات على مكانته عند عامر وعبدالناصر على السواء.
ويقول السادات ان ما جعله ان يعيش بجوار عبدالناصر دون الصراع حوالى 18 سنة، هو أنه لم يكن يريد شيء، ولم تكن للسادات مطالب من أى نوع فى أى وقت، كما ان شعوره نحو عبدالناصر لم يتغير سواء كان عبدالناصر منتصراً او مهزوماً، كل هذا جعل عبدالناصر يلتفت حوله بعد 17 سنة و يتنبه إلى أن هناك إنسان لم تقم بينهما معركة او صراع فى أى يوم، ويختاره نائبا أول لرئيس الحمهورية.