بقلم: عماد توماس
فى مثل هذا اليوم من العام الماضى الموافق 9 اكتوبر، كان الأقباط على موعد مع الغدر والخيانة، يومًا لن يمحو من ذاكرة المصريين بسهولة، لم يكن أشر الرجال يعتقد وهم متجه الى دوران شبرا مع زوجته او ابنائهم الصغار ان الغدر مهما كان يمكن ان ينال من شباب صغير السن كل جريمته انه خرج ليعبر عن احتجاجه السلمى لهدم كنيسة المريناب بأسوان.
ذكرى هذا اليوم المشئوم بدأت فى الرابعة عصرا عندما توجهنا الى دوران شبرا للانضمام الى المسيرة السلمية المتجة الى ماسبيرو ، كان الاختيار لمبنى ماسبيرو رمزا للتضليل الاعلامى والاكاذيب الحصرية من التلفزيون لارسمى للدولة الراعى للكذب واخفاء الحقائق. وتاكد هذا المعنى بعد تورط وتواطئ التلفزيون فى المساهمة فى المذبحة
كانت اللافتات والشعارات المرفوعة تعبر عما فى قلوب الأقباط من مرارة وهم يعيشون فى بلادهم وكأنهم ليسو مواطنين اصلاء بل مثل الاجير الذى يعمل فى بيت سيده ولا يحظى بحقوق الابناء. فهذه لافتة تقول ""لا لهدم الكنائس"، ولافتة ثانية تقول "أبواب الجحيم لن تقوى عليها"، واخرى "أصرخ أصرخ على الصوت..الكنيسة مش هتموت"، ولا فتة تتساءل "أين حق المواطنة"، ومواطن صعيدى يرفع لافتة تقول " رسالة الى المجلس العسكرى: لم ولن نرضى بتسليم مصر للمتعصبين ودعاة التخلف" ويبدو انه كا يتنبأ بما حدث الآن.
فى حوالى الرابعة والنصف بدأت المسيرة تتحرك ، فى شارع شبرا وسط هتافات غاضبة ومناهضة للمشير "طنطاوى" والمجلس العسكرى وهتافات مدوية "يسقط يسقط حكم العسكر"، الشباب يحملون أعلام مصر وصورا دينية للسيد المسيح والسيدة العذراء وصور القديسين. تعرضت لبعض الحجارة من مواطنين "شرفاء" فى نفق شبرا. واستكلمت المسيرة طريقها الى ماسبيرو.
الأجواء فى "ماسبيرو" قبل وصول المسيرة كانت مثالية ، الاعداد فى حدود 2000 فرد، بدأ بعض الشباب فى الهتافات، أعداد كبيرة من احزاب المصريين الاحرار والمصرى الديمقراطى والتحالف الشعبى وحركات "الاشتراكيين الثوريين" وحركة "شباب من أجل الحرية والعدالة". لم الحظ اى وجود لحركة 6 أبريل!!
قبل وصول المسيرة الى "ماسبيرو"، شاهدت تعزيزات عسكرية غير معتادة، أتوبيسات تصل للمكان مكتوب عليها "هيئة نقل القوات المسلحة" تنقل جنودًا، بالاضافة إلى وجود المدرعات على جانب كورنيش النيل يعتلى كل مدرعة جندى فى وضع الاستعداد. عدد من الجنود يقفون جانب المتظاهرين لمنع قطع الطريق، حوارات ودية تدور بين المتظاهرين والشرطة العسكرية، توجهت لاحد القادة العسكرين وسألته عن تعليقه على فيديو "سحل" الشاب "رائف" من قبل قواته العسكرية يوم الثلاثاء 4 أكتوبر فأجابنى انه لم يرى الفيديو !! وسألت احد الجنود "كيف تعتدوا على أخا لكم بهذه الوحشية- الشاب رأئف كان قد تعرض للسحل قبل الجزرة بأربعة أيام- فابتسم الجندى ولم ينطق ببنت شفة !!
مجموعة من الشباب، بدأو فى توزيع "كأس صغير" استعدادا لوقفة الشموع، احد الشباب الذى كان يقود الهتافات قال ان مسيرة شبرا قاربت على الوصول وبدأو يهتفون "مليونية ..مليونية"
لحظات فارقة
لحظة وصول المسيرة الحاشدة الى ماسبيرو من ناحية كورنيش النيل، حدث نوعًا من التدافع العفوى نتيجة للحشد الكبير، وتراجعت الشرطة العسكرية مرغمة الى الجزيرة الوسطى فى الطريق أمام ماسبيرو، نتيجة للاعداد الكبيرة وعدم اتاحة مكان واسع للمتظاهرين للوقوف فيه ولمفاجأة الشرطة العسكرية من هذه الاعداد الكبيرة، وفجأة وبدون أى مبرر بدأ اطلاق النيران فى الهواء أولا من المدرعات التى تقف جانب الكورنيش، وعندها انطفئت بعض الأنوار وحدث نوعا من الهرج والمرج والكر والفر ، الجميع يجرى وأصوات صراخ، خاصة أن المسيرة كان بها عدد كبير من السيدات والاطفال، جحافل من الجنود بدأو التحرك والمدرعات بدأت فى ترك أماكنها فى اتجاه المتظاهرين ، بدأت الجرى ناحية فندق هيلتون رمسيس . شاهدت أعداد كبيرة من المصابين تهرول ناحية ميدان عبد المنعم رياض، هذا مصاب فى عينية وآخر فى رجليه والدماء تنزف بغزارة وشاهت "فيفان مجدى"-ولم اكن اعرفها وقتها- تصرخ خطيبى مات!!
اتصلت بعدد من النشطاء والمحامين فى حقوق الانسان لاعلامهم بالموقف.
توجهت الى ميدان عبد المنعم رياض، المتظاهرون الغاضبون حطموا زجاج اتوبيس نقل عام كان يمر بالميدان، ومنعو وصول سيارتين للاطفاء، المصابين والقتلى يتم نقلهم فى حالة مزرية عن طريق "الموتوسيكلات" ، أو سيارات الاجرة ، إلى المستشفى القبطى برمسيس.
سيارات الاسعاف تواجدت سريعا لكنها كانت قليلة العدد ولم تكفى لحمل المصابين والقتلى.
على كوبرى 6 اكتوبر ، بدأ ظهور البلطجية فى حماية قوات الشرطة والجيش ، عندما يتأكدون من اى شخص كونه مسيحى يبدأون فى ضربه وسحله، حضرت الاعلامية "بثينة كامل" واتصلت بى وقالت لى انها فى مدخل احد العمارات وأمامها أربع جثث غير المصابين، والبلطجية فى حماية الجيش يعتدون على الاقباط.
فى المستشفى القبطى
فى المستشفى القبطى، الجثث تتراكم فى مدخل طوارئ المستشفى والمصابين يجلسون على الأرض فى ممر المستشفى لعدم كفاية الأطباء او عدم وجود آسرة فارغة او غرف عمليات بسبب كثرة اعداد المصابين، صراخ وعويل لأصدقاء المصابين والقتلى والأهالى بداو يتوافدون على المستشفى للإطمئنان على ذويهم، عدد من الناشطين بدأ يوجه دعوات على الانترنت للتبرع بالدماء، وتجمهر بلطجية من منطقة "غمرة" و"الشرابية" المجاورين للمستشفى القبطى وبدأو فى رشق أهالى المصابين بالحجارة وحرقوا ثلاث سيارات واتوبيس.
اتصلت بأحد الاطباء فى المستشفى الانجيلى لكى نرسل له بعض الحالات المصابة والتى لا يوجد بها مكان فى المستشفى القبطى ، ابدى ترحيبه وعاد ليتصل بى بعد دقائق يخبرنى ان الاطباء فى "مصر الجديدة" لن يستطيعو الوصول الى المستشفى بالاذبكية بسبب حظر التجوال وخطورة المرور كما انه لا يوجد طبيب تخدير فى المستشفى فى ذلك التوقيت!!
مرت الدقائق والساعات عصيبة، وفى اليوم التالى اصطفت صناديق الشهداء فى موقف مبكى وحزين، كل صندوق يلتف حوله اصدقاء واهالى الشهيد ومكتوبا عليه اسمه، علمنا ان موعد صلاة الجنازة فى الكاتدرائية الساعة الثانية ظهرا، حدثت مشكلة كبيرة قبل موعد تحرك الجثامين فى ظهور تقارير طبية غير حقيقية للموتى، مجموعة من المحامين من مركز "هشام مبارك" و"النديم" والمركز "المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية " حاولوا كثيرا مع اهالى الشهداء لاقناعهم باهمية تشريح الجثث لضمان حق ابناءهم، الاهالى لا حول ولا قوة لهم، حاولت مساعدتهم باقناعهم بقبول التشريح والطب الشرعى ، وافق والد أحد الشهداء وعندما علم ان التشريح سيكون فى مشرحة زينهم" تراجع، ثم تتدخل المحامى "خالد على"-الذى ترشح لرئاسة الجمهورية فيما بعد- بذل جهدا كبيرا واجرى عدة اتصالات كللت بالموافقة على التشريح فى المستشفى القبطى، وحضر اطباء الطب الشرعى وانتهت عملية التشريح واصدار التقارير نحو الساعة الثانية عشر فى منتصف الليل .
تصفيق للشهداء فى الكاتدرائية المرقسية
انتقلت من المستشفى القبطى الساعة الثانية ظهرا مع الاعلامية "بثينة كامل"، والناشطة السياسية "كريمة الحفناوى"، إلى الكاتدرائية لحضور صلاة جناز أربعة من الشهداء، المشهد فى الكاتدرائية فوق الاحتمال، لا يوجد موضع لقدم حوالى (10) الاف فرد غير الاعداد التى لم تستطع الدخول، هتافات وصراخ ضد المجلس العسكرى، ومطالبات بمحاكمة القتلة، عندما يذكر اسم احد الشهداء يصفق له الحضور وزغردت احدى السيدات، شاب غاضب يحمل "ملابس احد الشهداء ملطخة بالدماء وسط صراخ وبكاء الحضور. وردد الحاضرون هتافات ضد المشير طنطاوى أثناء الصلاة. وقال الانبا موسى أن الشهداء رتبتهم فى السماء أعلى من القديسين.
اثناء عودتنا من صلاة الجنازة، استقبلنا المواطنين الشرفاء بسيل من الحجارة من فوق كوبرى غمره !! فى مشهد لا يوصف ولا يمكن لكافر ان يفعل مثله !!
صلاة جناز منتصف الليل
بعد انتهاء عملية التشريح للجثامين الـ (17) تحركت الجثامين الساعة الثانية عشر مساءً فى موكب مهيب من المستشفى القبطى للصلاة فى الكاتدرائية وانتهت الصلاة فى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وتوجهت الجثامين الى منطقة "6 اكتوبر" لدفنهم فى كنيسة "مارجرجس" هناك. وأصر أصدقاء "مينا دانيال" ومعظمهم من المسلمين، على تشييع جثمان صديقهم "مينا" -الذين اطلقوا عليه لقب "جيفارا المصرى"- من التحرير بحسب وصيته لهم قبل موته، وخرج موكب فى حدود (200 فرد) فى مسيرة سيرا على الأقدام من الكاتدرائية الى التحرير، ورغم حظر التجوال فى هذا الوقت اصر النشطاء على الاستمرار ونجحوا فى تحقيق وصية "مينا" وزفوه فى التحرير بالدوران مرتين حول "الصينية" فى منتصف ميدان التحرير ثم التحقوا بموكب الجثامين فى (6 اكتوبر).
آخر الكلام
بعد مرور عام، مازلت العدالة غائبة، والمتهمين يجلسون على كراسى الحكم، المحاكمات التى تمت هزلية، اللواء حمدي بدين تم تعينة كملحق عسكرى فى الصين والمشير طنطاوي واللواء عنان تم تكريمهم بحصولهم على احد الاوسمة واللواء حسن الرويني حرا طليقا واسامه هيكل وزير الاعلام مازال يكذب على الفضائيات
ويبقى أن نقول أن من خرج مرة وشاهد الموت بعينية وكسر حاجز الخوف لن يخشى الخروج مرات اخرى..ابدا لن تسكتوا اصواتنا وسنقدم حياتنا فداءاً لتحرير الوطن من الخونه والكاذبين ..فقط نذكركم احذروا غضب المظلومين وانتظرو عدالة السماء!!
