القس رفعت فكري سعيد
"روح يابنى غير اسمك وبعد كده تعالى العب", "شايفين باب النادي، اطلعوا بره", هاتان العباتان العنصريتان وجههما كابتن إكرامي المدرب الفني لحراس المرمى بقطاع الناشئين بالنادي الأهلي للطفلين مينا وبيير زهير شفيق، الذين تم رفضهما في اختبارات ناشئي النادي الأهلي بسبب اسميهما، فقد تم قبولهما بأربع اختبارات، وكان هناك اختبار آخر وهو النهائي، فتم تصفية 300 لاعب إلى 15 لاعب كانا من بينهم، إلا أن الكابتن إكرامي قام بطردهما بسبب اسميهما بدون أن يقوم باختبارهما الاختبار النهائي.
ومنذ أسبوعين, بعد هزيمته, رفض لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي, مصافحة اللاعب الإسرائيلي أوري ساسون, في أولمبياد ريو دي جانيرو، يوم الجمعة الماضي، في البرازيل، والتي انتهت بفوز اللاعب الإسرائيلي.
ورفض الشهابي مصافحة ساسون يشكل انتهاكاً صارخًا للأعراف الأولمبية وللروح الرياضية, والسبب الحقيقي لرفض المصافحة هو بالدرجة الأولى لأن ساسون يهودي, واليهود مكروهين من المتعصبين, وكذلك لرفض ثقافة السلام على الصعيد الشعبي، على الرغم من وجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل, فلا يوجد إسرائيلي واحد يرفض معاهدة السلام مع مصر أو يرفض مصافحة مصري أو عربي أياً كان, ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالرياضة, ففي الرياضة لا مكان للتسييس وللتطرف وللكراهية, ولكن يبدو أن ثقافة السلام أضحت غريبة على مجتمعاتنا العربية, وماحدث من كابتن إكرامي تجاه الطفلين مينا وبيير, وماحدث من إسلام الشهابي ورفضه لمصافحة اللاعب الإسرائيلي ساسون, هو شكل من أشكال التعصب ورفض الآخر, وهو هزيمة أخلاقية أمام العالم بكل المقاييس, وهاتان القصتان المأساويتان تجسدان لنا إلى أي مدى تغلغل التعصب لدى البعض, وإلى أي مدى تغولت الرياح الوهابية بدلاً من الروح الرياضية داخل نفوس وقلوب بعض الرياضيين, وماحدث من إكرامي والشهابي يؤكد أنهما دوجماطيقيان, و"الدوجماطيقية" هي الأساس في تأسيس "الأصولية" بكل أنماطها في أي دين أو في أي مذهب يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة, وصراع الأديان هو دلالة وقوع الإنسان في وهم الاعتقاد بأنه مالك للحقيقة المطلقة, ومن يتوهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة هو متعصب بطبعه, والتعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معيناً إدراكاً إيجابياً محباً, أو سلبياً كارهاً, دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية, لذا فإن مناقشة موضوع التعصب أو التطرف بكل أشكاله السياسية أو الأدبية أو العنصرية أو الدينية، إنما هو سبر أغوار النفس الإنسانية بنشأتها وتكوينها، وهي محاولة لا يألوا الإنسان فيها جهداً لمصارعة ذاته بذاته، فإما أن ينتصر عليها ويخضعها لسلطان العقل, أو أن تفلت من عقال العقل وتنحدر نحو الحيوانية بعد أن خلقها الله بأحسن تقويم.
إن التعصب يبدأ بالكلام وينتهي بالإرهاب مروراً بالتجنب والاضطهاد, والتعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، فكل ما تقوله "الأنا" يدخل في حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل في حكم الخطأ المبين, ويقود هذا الى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار, تنطق الحراب والبنادق, وتُحفر الخنادق, وتًستباح الدماء.
إن التعصب انغلاق وانكفاء نحو الداخل وتقوقع في زاوية ضيقة، ورؤية قاصرة للكون، ولكم نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التآلف والتآخي بدلاً من هدم جسور التواصل, وعندما نقبل الاختلاف, ونؤمن بالتعددية الفكرية والدينية, ستحل الروح الرياضية بدلاً من الرياح الوهابية!!