زهير دعيم
مَنْ لم يُجرّب مهنة التعليم المُقدّسة والشّاقّة والتي " تأكلُ" الأعصاب وتحرقها ، وتجعل الضّمير أبدًا مُتوثّبًا عند كلّ فتور أو تراخٍ أو تهاون .....
... من لم يُجرّب مهنة التعليم والتدريس لن يعرف تمامًا قيمة المُعلّم \ ة ، ولذا قد لا تجده يقف الى صفّ المعلّمين في كفاحهم ونضالهم المشروع والمُحقّ من أجل رفع اجورهم ، فهو يعتقد – وهنا لا أريد أن أُعمّم – أن المُعلّمين يُعلّمون نصف أيام السنة أو أكثر قليلًا ، ناسيًّا أن المُعلّم يعمل في البيت : يُحضّر ، يُصلّح ، يُخطّط ويدرس ويتابع الطرق والأساليب الحديثة والمُستحدثة.
صادفني قبل مدة انسان جميل قائلًا : زوجتي المعلّمة يا أستاذ تعبت وأكثر وتريد أن تخرج الى التقاعد المبكّر وهي ما زالت في ميعة الصّبا ، فهذه المهنة قد أرهقتها واتعبتها ، فما عاد القول المأثور :
" لكَ اللحمات ولنا العظمات " نهجًا ومنهجًا ، بل أضحى كلّ شيء مُتعبًا ، مُراقبًا ، فهناك من الأهل من ينتظر نصف هفوة أو ظلّ خطأ من معلّم ما حتى يجرّه الى بيت خالته.
نعم جرّبتُ هذه المهنة المُقدّسة ، وقلتها وأقولها بالصّوت الجهوري : لو عُدْتُ شابًّا من جديد لاخترتُ أن أكون معلّمًا ومربيًّا ، فإنّ هذه المهنة أقرب الى القداسة من أية مهنة أخرى ، كيف لا وهي تزرع النفوس والارواح علمًا وخلقًا وفضائل.
وأنت لو سألتَ يا صاحبي كم يتقاضى أو تتقاضى معلّمة مبتدئة فقد لا تُصدّق ... إنّها تتقاضى خمسة آلاف من الشّواقل شهريًّا وربّما أكثر بقليل ؛ مبلغ يتقاضاه بل واكثر منه العاطل عن العمل وربّما الهارب من العمل .
هل هذا الرّاتب يليق ويتماشى مع هذا العصر الذي لا يعرف الّا الغلاء ؟!!
هل هذا الرّاتب المتواضع جدًّا يجذب الشباب والصّبايا الى الانخراط في هذا المضمار ؟
لا أظنّ ، لولا الحاجة وضيق اليد وقلّة المجالات المفتوحة في مجتمعنا العربيّ ، لذلك لا تستغرب إن أخبرتك أن المجتمع اليهوديّ يعاني من نقص في المعلّمين والمُعلّمات لانّ أبواب العمل الأخرى هناك مفتوحة على مصراعيها .
حان الوقت أن نُضاعف أجرة المُعلّم المبتدئ ونرفع ايضًا من اجرة المعلّم " القديم " بل ونضيف للراتب التقاعدي للمعلّمين الذين أفنوا حياتهم في خدمة الأجيال.
تحية إكبار وإجلال أزفّها لوزيرة التربية والتعليم د. يفعات شاشا بيطون ؛ هذه الوزيرة التي جرّبت المهنة المُقدّسة وذاقت حلاوة صعوبتها ، تقف بشموخ وعناد مع مطالب نقابة المُعلّمين ولا تحسب حسابًا لا للبيرمان ولا لوزارته .
كفاح المعلمين من خلال نقابتهم مُقدّس وتحدّيهم مشروع ، ولا بدّ من أنه سيحمل ثمرًا اليوم أو غدًا ، هذا الثمر الذي سيعود بالفائدة ايضًا علينا وعلى أولادنا واحفادنا .
إنّ غدًا لناظره قريب .