Oliver كتبها
-هذه رواية للتأمل.عن صبى لم يكن مدهشاً مثلما كان أنبا شنودة رئيس المتوحدين فى صباه.لم يكن نارياً فى صلاته مثلما الأخوين الروميين مكسيوس و دوماديوس.كان يتأرجح بين القوة و الضعف.ذهب كأى شاب إلى الكنيسة.خدم كأى شاب فى الكنيسة.يجتهد حيناً و يتعثر حيناً.لم يكن ذا صوت رخيم و لا ملامح خاصة.لا تعرف له موهبة .هو كأى إنسان تراه فى الشارع لا يميزه ملمح .لا يجيد شيئاً يعرفه.وهبه الله بعضاً من الحكمة فإنتبه إليه الآخرون و هو ما كان يدرى .كل ما كان يعرفه أن الله ظاهر فى الإنجيل.يصدق فيه كل حرف.يشتاق أن يحمله فى القلب مع أنه لا يملك نسخة من الإنجيل فى بيته.كلما سمع بعضاً من الإنجيل فى عظة راحت منه العظة و بقي الإنجيل.
-كانت ستينات القرن الماضى.حين كان من الصعب أن يذهب الناس إلى الأديرة إلا بمعاناة.فكان يذهب إلى كنيسة بها راهب يجلس معه و كأنه زار كل الأديرة.كأنه تقابل مع كل الرهبان.كأنه ترهب و هو فقط يجلس يتسامر مع الراهب الذى يجاريه مراعياً حداثة سنه.ليس لهذا الشاب ذاكرة قوية لكنه يتذكر القليل عن تلك الفترة .حين سأله الراهب الناسك كيف ترى الخدمة؟فأجابه بسرعة المراهقين :إنهم يحشون أدمغتنا بالمعلومات لكى يعدوننا للخدمة لكننا سنتحول إلى راديو أو مسجل يكرر ما يسمعه دون تأثر أو معايشة.فدمعت عينا الراهب و ربت على ظهر الشاب و قال له أنت تفهم قليلا الآن لكنك ستفهم فيما بعد.أيضاَ تذكر الشاب حين جلس مع رئيسة دير مارجرجس للراهبات فكلمته عن حياة التقوى عند مارجرجس و هو الذى إعتاد فقط أن يعرف الآلامات المريعة التى عاناها أمير الشهداء.هذه أول مرة يسمع عن روحيات مارجرجس.
-كان يعود بيته محتفلاً فى داخله بما ناله من سر الشركة.أخواته لا يعرفن ما بداخله.لكنه متخم بكل الأسئلة.لا يتلقي إجابة ففى زمنه لم يكن إرشاداً أو مرشدين.دائرة أصدقاءه منحصرة للغاية ليس لأنه زاهد فى الصداقة لكنه كان يخجل من الفروقات الإجتماعية.
-كان كلما إستخدمه الله بقوة فى خدمة ما يأخذه أب إعترافه بعيداً عنها.يصدر ضده إيقافات عن الخدمة بلا مبرر.كانت حينها أقصى عقوبة أن تمنع شاباً متحمساً عن خدمة الرب .كان فى قلبه حب لا يقدر أن يقاومه.فكان بعدها يختار أماكن مهجورة يتمشى فيها صارخاً بأعلى صوته لله كى يفتح له بابا للخدمة و دموعه تسبق خطواته.كم تعرض إلى شتائم السائقين الذين يتفادونه فى الطريق و هو لا يدرى أين هو لكن السباب الذى يسمعه يوقظه فيتسائل أين أنا؟
-فى وسط السنوات كانت تقابله غرائب الأحداث المؤلمة.فكلما إرتاح لأحد الأصدقاء ينقله الله إلى سماءه.كلهم رحلوا عنه و هم شباب و هو لم يتخط الثلاثون من العمر. كلما غاب عنه صديق أو شريك فى الخدمة كان يخشى السؤال عنه لئلا يسمع أنه إنتقل و هو ما كان يحدث بالفعل.من حينها توقف عن مصادقة الناس.عاش يخاطب أصدقاءه المنتقلين كأنهم يعايشونه .لم يعد يخجل من شيء.
-كانت تلازمه الأمراض فى زمن أمراضها بلا علاج.أخذته أخواته إلى المستشفيات العامة حيث قضى شهوراً كانت له إعتكافاً و خلوة مجانية.زادت أمراضه و زادت حياته عمقاً و صلاته فهماً .قل الكلام مع الناس.راودته أحلاماً مقدسة لم يفصح عنها لأحد.لكنه بدا لمن حوله كمن يعرف أحداثاً قبل وقوعها.ربما أحلامه تخبره أو لا مبالاته لم يكن أحد يدرى.
-زوجوه كى ترتاح أخواته من خدمته.فكانت له زوجة لا يعرفها و كان لها زوج لا تفهمه.لكنه أحبها من أجل الإنجيل. ظلا معاً سنينا طوال حتى رحلت زوجته و عاد يناجى السماء و تستوطنه أفكار الإنجيل المدهشة.فصار مع الإنجيليين بصداقة و سار مع الرسل فى كرازتهم.زاره الآبا ء من السماء و أرسل له الله آنا سيمون السائحة مع قديس حبشي كلماه كثيراً عن أمور نسيها ما أن غادروا.لكنه تذكر أنهم قادمون ثانية فانتظرهم.
-كان فى وحدته مثقلاً بأشواق سمائية.الكل فارقوه فلماذا ينتظر وحده.صلى لأجل إنتقاله فتعطل رحيله لأمر لم يدركه.حتى جاءه كاهن يعرض عليه أن يأخذه لدير السريان لأخذ بركة القديسين هناك فاستجاب بلا مبالاة.إندهش له الكاهن.قاد الطريق يتكلم الكاهن كثيرا و الرجل لا يسمع .عقله مرتحل عنه.ما أن وصل الدير حتى وقف تحت ظلال شجرة مار يوحنا القصير.صلى قليلا ثم صعد إلى كنيسة الحصن دخل إليها و هناك منحه الله أفكاراً جديدة.عاش التاريخ.صار كأنه يرى ما حدث فى غارات البرابرة على ذاك الحصن و سمع أصوات الشهداء الرهبان يتبارون فى إعلان إيمانهم.ثم نزل حاملاً فى قلبه شهادة غير موصوفة.فى أذنيه أصوات تأتى من بعيد تناديه بإسم لا يعرفه.
-طلب من الكاهن أن يتركه فى الدير أياماً.فذهب الكاهن يستأذن له ربيتة الدير ليسمح له بعدة أيام للخلوة حاملاً هم عودته لكي يعيده لمنزله.غادر الكاهن و جاء المساء.معروف أنه ممنوع الخروج للصحراء إذا حل الظلام.اما الرجل فخرج دون أن يراه أحد قبلما يحل الظلام.بعد أيام عاد الكاهن متبرماً ليعيد الرجل لبيته فتفاجئ بهم يسألونه عنه و أخبروه أنهم ظنوا أنه عاد برفقه حيث لم يشاهده أحد فى الدير.حزن رئيس الدير خوفا على سلامة الرجل.لكن أحدا لم يشاهده فى الدير مطلقاً.خرج بعض العمال و الرهبان يبحثون عنه و بقي البعض يصلى.
-أرسل رئيس الدير لأحد المتوحدين فى مغارة قرب الدير لكي يصلي لأجل سلامة هذا الرجل الذى لا يعرفون ماذا حدث معه.فطمئنهم أنه سيعود.فبقوا يصلون و القلق يوجعهم عليه.حتى جاء راهب كان غائبا عن الدير لسنوات فإحتفوا به جداً لأنهم يعرفون أنه صديق السواح.جلسوا حوله لينالوا بركته و يسمعون منه ثم فى النهاية طلبوا أن يصلي لأجل ذاك الرجل الذى إختفي فقال لهم هو هناك.عند أحدى الجزر الصغرى قرب شاطئ برقة فى ليبيا .إنه يعيش هناك بسلام فى كنيسة قديمة للأباء السواح.
-عاد الكاهن نادماً يحكى عن الرجل الذى لم يكن يعلم عن نفسه أنه سائح .بعد سنوات عاد الرجل فجأة إلى الكنيسة.كان الكاهن قد شاخ جداً .كانه فى إنتظاره و ما أن رآه حتى إستنارت عيناه .قبل الرجل يدي الكاهن و صعد درج الهيكل و تمدد سائلاً الكاهن أن يصلى عليه.لم يكن هناك كفن فغطاه بالإبروسفارين و تركه ينام و الكاهن يصلى عليه أوشية الراقدين.ثم نام الكاهن بجواره و رقد.