بقلم: لطيف شاكر
المسيحية لا تؤمن بكتابٍ هبط علينا من السماء بكلماته وحروفه، بل نحن نؤمن بالوحي. ولقد أعطى الله الوحي بالنسبة لأسفار العهد القديم باللغة العبرانية، وأجزاء قليلة منه بالآرامية، أما العهد الجديد، فأعطاه الرب بـ"اللغة اليونانية".
لكن ترجمة أقوال الله الحية إلى لغات الناس المتعددة هي على جانب عظيم من الأهمية، وبدونها يصبح «المتكلم أعجميًا عندي». فليست المفردات العبرية أو الأرامية أو اليونانية هي نهاية المطاف حتى يكون لزامًا على الإنسان أن يتقنها ليكون بوسعه فهم رسالة الله إليه. إن الله لا يتقيد باللغات التي هي أساسًا وصمة للتمرد على الله (تك11)، وهو طبعًا لا يُلزم الإنسان أن يتعلمها ليكون بوسعه الاستماع إلى كلامه.
لقد كان طابع المسيحية من بدايتها متميزًا عن اليهودية في أنه كان على المسيحيين أن يذهبوا إلى العالم أجمع حاملين بشارة الإنجيل السارة للبشر كما أوصى المسيح المقام من الأموات تلاميذه. ولقد اقترن حضور الروح القدس في أول المسيحية بعلامة الألسنة المنقسمة التي دلت علي رغبة الله في توصيل الكرازة إلي كل شعب بلسانه. ولهذا فإنه بعد العصر الرسولي مباشرة، عند اكتمال العهد الجديد، قام عدد كبير من المؤمنين بترجمة الكتاب المقدس. وفي هذا العمل الجليل أنفق الآلاف طاقاتهم ومواهبهم، بل ومنهم من فاضت روحه وهو يقوم بهذه الخدمة العظيمة, حيث يحفظ التاريخ لواحـد من أولئك المباركين يدعي "بيدي" اشتهر بلقب الوقور، وعاش في إنجلترا من عام 674 حتى 735، أنه أتم ترجمة الأصحاح الأخير من إنجيل يوحنا في نفس يوم رقاده. وإذ أملى على خادمه ترجمة آخر عبارة من الإنجيل، طلب أن يرقد في سريره حيث قال "مجدًا للآب مجدًا للابن مجدًا للروح القدس". ثم فاضت روحه وانطلق ليكون مع الكلمة الحي الأزلي، المسيح يسوع، الذي أحبه وقصد أن ينشر كلمته بين إخوته السكسونيين. ويا لعظمة ما كان يعمل عندما أتته ساعة الموت؛ إنه كان يترجم كلمة الله للناس.
ويهمنا في هذه الدراسة تاريخ الترجمة الي اللغة القبطية لغة مصر الاصلية والي العربية التي نقرأ بها الكتاب المقدسحاليا مع ايضاح تاريخ الترجمات والذي يتبين منها انها قبل وجود القرآن حتي ندحض مزاعم الجهلاء عما ذكر عن تحريف الكتاب المقدس .
وأول وأهم ترجمة للكتاب المقدس تمت قبل الميلاد، عندما استقدم حاكم مصر بطليموس فيلادلفوس عام 282 ق.م. إلي الإسكندرية 72 عالمًا من علماء اليهود ليترجموا العهد القديم إلي اليونانية. وهذه هي الترجمة التي عُرِفت فيما بعد بالترجمة السبعينية (نسبة لعدد مترجميها). وإليها، لا إلى الأصل العبري، ترجع تسمية أسفار العهد القديم كما نعرفها الآن. وقد صادق الرب يسوع عليها إذ أخذ اقتباساته العديدة من العهد القديم منها، وعلى ذات النهج سـار الرسل أيضًا فاقتبسوا منها. ولقد جاءت هذه الترجمة بترتيب العناية الإلهيـة لتمهد الطريق للعهد الجديد، حيث كان الله مزمعًا أن يقدم بشارة نعمته الغنية، لا إلى اليهود وحدهم، بل إلى العالم أجمع مستخدمًا اللغة الأكثر شيوعـًا في ذلك الوقت وهى اللغة اليونانية
ترجمت أسفار العهد القديم إلى القبطية نقلًا عن الترجمة السبعينية اليونانية , أما ترجمات العهد الجديد القبطية فإنها منقولة من الأصول اليونانية. وكثير من المجلدات القبطية للأسفار من كلا العهدين يرجع تاريخها إلى القرن الرابع، وأجزاء قليلة ترجع إلى القرن الثالث الميلادي.
وعند ترجمة الكتاب المقدس من اللغة اليونانية إلى اللغة القبطية، رؤى أنه من المستحسن المحافظة على كل الكلمات اليونانية التي لها دخل بالعقيدة الحديثة أو التي تعبر عن أفكار مسيحية محضة. وقد حصل ذلك أيضًا في ترجمة الكتب المقدسة إلى سائر اللغات. وقد تسرب في آن واحد مع هذه الكلمات عدة ألفاظ يونانية أخرى إلى اللغة القبطية التي -ولو أنه كان يوجد ما يماثلها في المعنى في اللغة القبطية- إلا أن استعمالها كان على سبيل الظهور بالعِلم ولإعطاء طلاء مخصوص للتعبير، حيث كانت العادة أن كل شيء يشتم منه رائحة اليونانية معناه التقدم والتمدين.
والمسيحية عندما دخلت إلى مصر بدأت أولًا في الإسكندرية حيث لم تكن هناك حاجة إلى ترجمة قبطية، لأن الغالبية العظمى من سكان الإسكندرية سواء كانوا مصريين أو يونانيين أو يهودًا أو من جنسيات أخرى، كانوا جميعًا يفهمون اللغة اليونانية ويتقنون الحديث بها. ولذلك فإن الكنيسة المسيحية الناشئة في الإسكندرية قد اكتفت بالعهد الجديد الذي تسلمته مكتوبًا باليونانية، وبالعهد القديم الذي تسلمته مترجمًا إلى اليونانية في الترجمة السبعينية اليونانية الموجودة قبل ظهور المسيحية.
ولكن سرعان ما انتشرت المسيحية خارج حدود الإسكندرية، فاعتنقها من لا يعرفون اليونانية من أهالي بلدان وقرى الديار المصرية. وهكذا أصبحت الحاجة ماسة إلى وجود ترجمة قبطية للأسفار الإلهية، والتي بدأت على أقصى تقدير خلال القرن الثاني الميلادي, علي يد العلامة بنتينيوس مدير مدرسة الاسكندرية.
أما في التاريخ مابعد الميلاد فتوالت ترجمات الكتاب المقـدس بعهديه. فنحو عام 150م تُرجم الكتاب المقدس إلى اللغة السريانية لخدمة المؤمنين في أنطاكية ونواحيها، وكانت أنطاكية كما نعرف من الكتاب المقدس مركزًا قويًا للمسيحية (أع11،13،..)، كما أنها كانت ثالث مدن الإمبراطورية الرومانية بعد روما والإسكندرية. وتوجد حاليًا خمس ترجمات سريانية مختلفة متوفرة بين أيدي الباحثين، (أشهرها الترجمة البشيتا) أي البسيطـة، وسميت كذلك لبساطتها ووضوحها. وهناك اليوم نحو 350 مخطوطة من هذه الترجمة.
وكذلك ظهر نحو ذلك الزمان أيضا ترجمة الكتاب إلى اللاتينية. وفى بدء المسيحية لم تكن هناك حاجة ماسة إلى تلك الترجمة، إذ كانت اللغة اليونانية سائدة بين متعلمي القسم الشمالي من حوض البحـر الأبيض، لكن إذ انتشرت المسيحية بين الشعوب الفقيرة، لا سيما شمال أفريقيا، أصبحت الحاجة ملحة إلى ترجمة الكتاب بلغة التخاطب اليومي، أي اللغة اللاتينية. ولقد سميت تلك الترجمة بالترجمة القديمة، تلتها عدة ترجمات متوفـرة لدى الباحثين أيضاً، إلى أن عهد للعالم الكتابي الفذ القديس إيرونيموس (أو جيروم) أن يقوم بمراجعة وتنقيح الترجمـة القديمـة، فظهرت ترجمته هذه عام 383 م. ولقد عُرِفت هذه الترجمة باسم الفولجاتا، وهي كلمـة لاتينية تعنى "الدارجة"، ولقد ظلت هذه الترجمة* معمولًا بها في كل أوربا الغربية لمدة تزيد عن ألف عـام، أي حتى وقت الإصلاح. ولازالت هي الترجمة المعتمدة في الكنيسة الرومانيـة إلى الآن، كما أنها ترجمة محترمة من النقاد المعتبرين.
وبعد ذلك الزمان بفترة وجيزة قام آخرون بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الحبشية وإلى اللغة الأرمينية وكذلك اللغة الفارسية .
والقرون الثاني والثالثة التي شهدتا الترجمات المتعددة قريبة جدًا من أيام آبائنا الرسل، أي عصر الآباء الرسوليين، وهؤلاء الآباء هم الذين تسلموا الإيمان من الآباء الرسل مباشرة، وكانوا فاهمين للكتاب المقدس جيدًا، ولذلك ترجموه بطريقة كانوا معايشين لها ومدركين الترجمة المضبوطة لها. وبذلك أصبح النص القبطي الذي بين أيدينا ليس مجرد ترجمة، وإنما هو في حكم النص.
وربما كانت الأسفار الإلهية تقرأ في البداية باللغة اليونانية ثم تترجم ترجمة شفوية فورية إلى اللغة القبطية. وتعتبر بردية شستر بيتى السابعة (رقم 965) المحفوظة في دبلن أقدم ما نملكه من وثائق، ويرجع تاريخها إلى أوائل القرن الثالث الميلادي، وهي مكتوبة بلهجة فيومية قديمة بالحروف اليونانية وحدها، أي بدون استخدام الحروف السبعة الإضافية من الديموطيقية.
وأقدم شهادة غير مباشرة لوجود الترجمة القبطية للكتاب المقدس أو بعض أسفاره، هي سيرة الأنبا أنطونيوس (251-356م.) والتي كتبها البابا أثناسيوس الرسولي، حيث تقول السيرة أن الأنبا أنطونيوسسمع الآية المكتوبة في (مت 19: 21) وتأثر بها وترك كل شيء وذهب إلى البرية. ومن المعروف أن الأنبا أنطونيوس كان لا يتكلم إلا اللغة القبطية ولم يكن يعرف اليونانية . وعلى ذلك فلابد أن الأناجيل كانت مترجمة إلى القبطية ومتوفرة للقراءة منها في كنائس القرى قبل سنة 270م. وليس هناك ما يوحى بأن ما سمعه أنطونيوس في ذلك الوقت كان مجرد ترجمة شفوية لفصل الإنجيل.
وتوجد بردية تسمى بردية بودمر (رقم 6) وهي أقدم مجلد كبير محفوظ لدينا لنصوص كتابية باللغة القبطية، ويرجع تاريخ هذه البردية إلى أواخر القرن الثالث الميلادي، وهي عبارة عن مجموعة رقوق في هيئة مجلد، وهذه البردية ضمن مخطوطات بودمر المحفوظة في جنيف بسويسرا.
وقد شهدت الترجمات القبطية للكتاب المقدس ازدهارًا في القرن الرابع باللهجة الصعيدية، ويمكننا القول أن الكتاب المقدس قد ترجم بعهديه كاملا إلى القبطية الصعيدية في القرن الرابع الميلادي.
والذي يدل على انتشار أسفار الكتاب المقدس بعهديه باللغة القبطية، الاقتباسات الكتابية الكثيرة الموجودة في الأدب المكتوب أصلًا بالقبطية، وبخاصة كتابات القديس باخوميوس وتلميذه، والقديس الأنباشنودة رئيس المتوحدين .
ويذكر المؤرخ العلامة بلاديوس أن الرهبان الباخوميين في دير طبانيسى كانوا يحفظون الأسفار المقدسة عن ظهر القلب. وبالتالي فإن الوثائق الخاصة بطبانيسى تستلزم بالتأكيد وجود نسخة كاملة منالكتاب المقدس مترجمًا إلى القبطية الصعيدية مع بداية القرن الرابع الميلادي.
أشهر ترجمة عربية للإنجيل يذكرها التاريخى السرياني فهي الترجمة التي تمت على أيدي علماء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية العرب من بني طي وتنوخ وعاقولا (الكوفة) وقد قاموا بذلك بأمر البطريرك يوحنا الثالث أبي السذرات (+648) استجابة لرغبة عمرو بن سعد بن أبي وقاص أمير الجزيرة. قال فيها البطريرك مار ميخائيل الكبير في تاريخه الشهير ما يأتي: ــ «في هذا الزمان استقدم عمرو بن سعد بن أبي وقاص الأنصاري أمير الجزيرة، البطريرك يوحنا الثالث أبي السذرات (631ــ649) فلما مثل بين يديه ابتدأ يناقشه ويجادله بقضايا لا تتفق والكتاب المقدس، ويوجه إليه أسئلة ملتوية، ففند البطريرك اعتراضاته بحجج دامغة اقتبسها من أسفار العهدين القديم والجديد، ومن بينات طبيعية، فأعجب الأمير بشجاعته وغزارة علمه، وطلب إليه قائلاً: «ترجم لي إنجيلكم إلى اللغة العربية على أن لا تدخل فيه اسم المسيح اللّه أو المعمودية أو الصليب، فأجابه البطريرك المغبوط بجرأة قائلاً: «حاشا لي أن أنقص حرفًا واحدًا أو سطرًا واحدًا من الإنجيل مهما سامني جندك من صنوف العذاب بالسيوف والرماح. فلما رأى شجاعته وصموده قال له: اذهب واكتب بحسب إرادتك. فجمع البطريرك العلماء العرب والأساقفة من بني تنوخ وعاقولا (الكوفة) وطي، المتبحرين في اللغتين العربية والسريانية، وأوعز إليهم لينقلوا الإنجيل إلى اللغة العربية، وأوصاهم بأن تتلى عبارة عبارة من الترجمة على مسامع شارحي (الكتاب المقدس) كافةً. وبعد أن ترجموه ونقّحوا عباراته أخذوه إلى الملك.
هوامش ومراجع:
(1) التاريخ اللوزياكى:تاريخ آباء البرية المصرية
(2) قوانين باخوميوس
(3)لغتنا القبطية المصرية بولين تودري
(4) من كتاب (بحوث و دراسات ) لقداسة البطريرك مار إغناطيوالأول عيوص زكا