بقلم : أشرف ونيس 🥀
✍️ لم يعلن إنه الأخير حين تعالت رناته على غير المعتاد ، لكنه نجح بامتياز حين أيقظ وعينا من غفلته ، انفتحت أعيننا و مازال يتعالى جرس المنبه بصوته إلى أن وصلت أصابعنا إلى شاشة هاتفنا الجوال ، و وسط قليل من الضباب الناتج عن صعوبة الرؤيا بعد الاستيقاظ ، استطعنا بعون من الله و قليل من الإرادة أن نخرس صوت الهاتف الذى نبهنا بالنهاية القادمة و ما كنا ندرى إنها النهاية !!!
قضينا حاجتنا ، و بينما كنا فى طريقنا لارتداء ملابسنا ، كانت أختنا الصغيرة تلهو بدميتها غير عابئة بشيء مما يجرى حولها ، استمسكت بدميتها بشدة وقت أن أرادت أمى سحبها من بين يديها ، لكنها أبت ! و بين مزيد من الصرخات تعلن أنها تبغى الجلوس فى البيت مع لعبتها على الذهاب الى الكنيسة ، و لكن كانت الأم أشد بأسا حين خلعتها من بين أصابعها الصغيرة ، و بعد قليل من الوقت نجد انفسنا جميعا داخل حافلة صغيرة هى فى طريقها الى حيث نحن ذاهبون ؛ إلى كنيسة أبى سيفين بإمبابة لقضاء القداس و الدعاء إلى رب الكل بما نرجوه و بما نبغيه .
وصلنا على التو الى حيث مقصدنا ، و إذ بأمى تفتح أهداب محفظتها لتخرج منها بعض النقود ، و بمزيد من الشكر يأخذ السائق النقود مودعا إيانا على أمل أن نلتقى مرة أخرى و لكن على غير موعد باللقاء !!!
تركت أمى إخوتى الصغار فى فصل مدارس الأحد بينما صعدنا نحن لحضور القداس فى الطابق العلوي ، تعالت الصلوات ، و صدحت الحناجر بالدعاء ، و ارتفعت الأيادي مع العينين الى النظر إلى فوق حيث السماء و ربها !!!
بعد قليل من الوقت إذ ببعض الأصوات تحتج على قليل من الدخان الصاعد من أسفل ليغطي بعضا من اجزاء المكان ، فكيف يسمحون باللهو من أطفال دون السيطرة عليهم ؟ فهكذا اعتقدوا و هكذا قالوا من كانوا بالطوابق العليا من المبنى ! و بمرور الوقت اليسير إذ بالدخان يشتد قتاما و حلوكة و كثرة لتزلزل صرخات الجميع أرجاء ساحتنا بل و محيطنا أيضا ؛ الكنيسة تحترق ! الكنيسة تحترق !
هرعنا و أمى الى الخارج لنجد أنفسنا بين الكثيرين و الكثيرات ، يترنحون هنا و هناك ، يصطدمون ببعضهم البعض وسط مزيد من الصراخات التائهة بين كثير من السواد و انعدام الرؤيا ، فلقط انطفأت الانوار ، و احتجبت الطرقات ، و اختفت درجات السلم خلف لجج من الدخان و كأنه الأتون المحمى سبعة أضعاف ! أين نذهب ؟ كيف نذهب ؟ فالكل لا يرى ، لا يبصر شيئًا ، فلقد تاهت العقول و فتحت الأفواه على أقصاها التى لم تكن تفعل شيئا سوى الصراخ و العويل ، فهاهى جهنم قد أتت الى بشر قبل ان يذهبوا هم إليها !!!
فتح أحدهم نور الكشاف المنبثق من هاتفه ليتذكر الجميع بأنهم يحملون هواتفهم ، فتسلطت الأنوار إلى حيث يهرعون ، الكل يصيح يرتعب يرتجف ، بدأت الأرجل تتراخى و تسقط على الأرض ، فالكل بين المرعوب و المنهمك ، بين المذعور و المرتجف جدا ، فلقد بدأت تتساقط الأبدان حين انقطعت عنها أنفاسها ، فهاهو الموت يبدو مستعليا ناشبا أخلابه معلنا تساقط المزيد بين براثنه ، إنها الشدة الضيقة و الضيق الشديد ، فالكل يصارع الموت و يتمسك بقبس من الرجاء إيلاذا فالفرار و ملاحقة الحياة !!
و ها أنا الناشئة بين أسرة صغيرة اخذت أبحث عن أسرتى بين الأصوات الصاخبة ، فقد تناسيت ما كنت فيه و ثوبى الذى بلى فى غير وقت ، مهرولة الى أبواب الكنيسة التى وصدت بكل بإحكام ، و بعد جهد جهيد من البعض لفتحها ، فاذ بأمى تنتصر على الموت لتحتضن اخوتى ، صغارها ، بالخارج من أمام الكنيسة جثثا هامدة ، مولولة صارخة بأعلى صوت لها ؛ ولادى ... ولادى .... ولادى !!!