فاروق عطية
روّج الرئيس أنور السادات في كتابه "البحث عن الذات" أنه المؤسس الحقيقي لتنظيم الضباط الأحرار، حيث قال إن أول تنظيم سري للضباط أسس سنة 1939م، وأنه كان هو نفسه قائداً لهذا التنظيم الذي شارك فيه عبد المنعم عبد الرءوف وعبد اللطيف البغدادي ووجيه أباظة وحسن إبراهيم وأحمد سعودي وحسن عزت واحمد اسماعيل بالإضافة إلى خالد محيي الدين. ثم يقول: "عندما دخلت المعتقل في صيف 1942م كان عبد الناصر ما زال في السودان. ولكن بمجرد نزوله بكتيبته ووصوله إلى مصر في ديسمبر 1942م اتصل به عبد المنعم عبد الرؤوف لضمه إلى التنظيم. واستجاب عبد الناصر على الفور". وفي أوائل سنة 1943م تسلم عبد الناصر التنظيم، بعدما تمكّن من إزاحة عبد المنعم عبد الرؤوف. ويكتب أنور السادات أيضاً: صحيح أنني كنت بدأت تنظيم الضباط الأحرار، ولكنني بقيت بعيداً عن التنظيم ثماني سنوات، وهي الفترة ما بين فصلي من الجيش سنة 1942 وعودتي إليه سنة 1950م.
تحدث عبد اللطيف البغدادي عن نفس هذه الأسماء التي وردت قي ادعاء السادات، مدعيا أنها اللجنة التنفيذية للتنظيم الذي قام في 1940م بمعرفته، وأن حسن عزت اقترح عليه ضم الملازم أنور السادات للتنظيم. ولكن البغدادي أوضح هدف تنظيمه كان إعاقة انسحاب الإنجليز بالاتصال بالألمان وإرسال خرائط الحاميات العسكرية الإنجليزية إليهم، ثم يردف "ربما يكون هذا التفكير منا فيه سذاجة، ولكن لا ينسى القارئ قلة خبرتنا بالسياسة في ذلك الحين، ولم يكن عمر أحد منا تعدى 22 عاما، وكان الحماس الوطني مع اندفاع الشباب هو الدافع لهذا التحرك، كما أن صورة ألمانيا الهتلرية لم تكن واضحة لدينا". ويعترف البغدادي أن هذا التنظيم ليس هو تنظيم الضباط الأحرار، وأن تنظيم الضباط الأحرار سمُي بهذا الاسم في نهاية عام 1949م.
بقرر خالد محيي الدين أن إنشاء تنظيم الضباط الأحرار كان في نهاية عام 1948م، وأن نسبة كبيرة من أعضائه أصلا من الإخوان المسلمين بالإضافة إلى جماعة عزيز المصري والشيوعيين والوفد بجانب عناصر جديدة، ونكونت لجنته التأسيسيةعام 1949م. كما يتحدث محمد حسنين هيكل عن تنظيم الضباط الأحرار، معتبرا بدايته منذ عام 1949م، مغفلا أي فترة سابقة لهذا التاريخ.
يذكر البوزباشي عبد المنعم عبدالرؤوف (الذي ضم كل من جمال عبد الناصر، خالد مجيي الدين، حسين حمودة وغيرهم إلى التنظيم) في مذكراته أن إسم الضباط الأحرار كان من افتراح الصاغ محمود لبيب ويطلق علي ضباط الإخوان بالجيش، ووقعت به المنشورات التي كانت تصدر عن التنظيم.
تنظيم الضباط الأحرارهو في الحقيقة تنظيم الأخوان المسلمين الضباظ بالجيش، وأن مؤسسه والمسئول الأول عنه هو الصاغ محمود لبيب وهو صاجب تسمية التنظيم بالضباط الأحرار. قي عام 1949م. كانت الأسرة الأولى مكونة من سبعة ضباط هم: الصاغ محمود لبيب، يوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف، يوزباشي جمال عبد الناصر حسين، ملازم أول سعد حسن توفيق، ملازم أول خالد محيي الدين، ملازم أول حسين محمد احمد حمودة، ملازم أول صلاح الدبن خليفة. ومن ذلك لا نرى اسم أنور الساداتي في بداية انشاء التنظيم رغم أنه يزعم أنه المنشئ الأساسي له !.
من الوضح أن السادات ينسب إلى نفسه مجداً لم يبلغه، ولم يثبت قط هذا الادعاء. ويفند محمد حسنين هيكل، كلام السادات في كتابه (خريف الغضب) قائلا: "في النصف الثاني من سنة 1951م أصبح أنور الساداتي عضواً في تنظيم الضباط الأحرار، وكان جميع أعضاء اللجنة التأسيسية للتنظيم يعارضون انضمامه. ومنذ انضمامه إلى التنظيم في سنة 1951م وحتى نهاية العام نفسه، حضر اجتماعين. فقط، وطوال النصف الأول من سنة 1952م حضر اجتماعين آخرين".
يتضح من ذلك أن أنور الساداتي جاء في آخر طابور اللجنة القيادية لتنظيم الضباط الأحرار. لكنه على أي حال لم يكن جديداً وطارئاً على العمل السياسي في صفوف الجيش، فقبل نشوء تنظيم الضباط الأحرار، كانت هناك مجموعاتٌ عديدة في الجيش، منها مجموعة أنور السادات التي ضمت حسين توفيق وإبراهيم كامل، وكانت هذه المجموعة على صلة بالقصر الملكي من خلال أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي والدكنور يوسف رشاد الطبيب الخاص للملك (صديق حسن عزت) في التنظيم السري"الحرس الحديدي".
يدّعي أنور الساداتي لنفسه مسؤولية تاريخية مباشرة في قرار قيام حركة 23 يوليو 1952م، فيقول:"جمعنا الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار في فبراير 1952م وقرّرنا قيام الثورة في نوفمبر 1952م بدلاً من نوفمبر 1955م. وبالطبع تغير الموعد، لاحقاً، إلى 23 يوليو 1952م. لكن خالد محيي الدين يكشف أن آخر اجتماع للجنة القيادة قبل الثورة جرى في منزله عصر يوم 22 يوليو 1952م وحضره: جمال عبد الناصر، حسن إبراهيم، عبد الحكيم عامر، كمال الدين حسين، عبد اللطيف البغدادي وخالد محيي الدين. وتغييب كل من: جمال سالم وصلاح سالم وأنور السادات. بينما شارك في الاجتماع، من خارج القيادة، زكريا محيي الدين وحسين الشافعي وعبد المنعم أمين وإبراهيم الطحاوي. وهؤلاء هم الذين عرفوا ساعة الصفر. وهذا يعني أنه لا علاقة لأنور الساداتي بالخطة النهائية للحركة، ولا بتوقيتها.
يقول خالد محيي الدين إن أنور الساداتي كان في رفح، وجاء إلى القاهرة متأخراً ليلة الثورة، ثم ذهب إلى السينما، وهناك تشاجر مع أحد الأشخاص، وذهب إلى قسم البوليس وسجل محضراً بالمشاجرة، ثم عاد إلى بيته في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، ليجد ورقة من جمال عبد الناصر، يبلغه فيها بضرورة الحضور إليه لأن الحركة بدأت، فذهب وشارك في العملية. ويعترف أنور السادات نفسه بأنه جاء من العريش في 22 يوليو 1952م، وتوجه إلى منزله، واصطحب زوجته إلى السينما. وعندما عاد إلى منزله في منتصف الليل، وجد بطاقة عبد الناصر، يطلب منه فيها أن يقابله في منزل عبد الحكيم عامر الساعة الحادية عشرة. فغيّر ملابسه وتناول مسدسه، وتوجه إلى منزل عامر فلم يجده، فذهب إلى ثكنات العباسية، ولم يكن يعرف كلمة السر، فلم يستطيع الدخول إلا بعد أن شاهده عبد الحكيم عامر، فأدخله إلى المقر. وهنا لا يذكر الساداتي قط حادثة المشاجرة وتسجيل المحضر في قسم البوليس. أما في ثكنات العباسية، فلم يكن للساداتي أي مهمة، وحاول أن يقدّم المساعدة في غرفة الإشارة، فكانت مجرد مساعدة هامشية.
يروي محمد حسنين هيكل في "خريف الغضب" أن الساداتي عندما تمكّن من الوصول إلى مبنى رئاسة الأركان في الثالثة فجراً، كان كل شيء قد تم تنفيذه وانتهى، وأن عبد الناصر قال له: "أنور، إن لديك صوتاً قوياً، وأنت تجيد الإلقاء، فاذهب إلى استديو الإذاعة واقرأ هذا البيان". لكن خالد محيي الدين ينفرد برواية أخرى، فيقول: إن أحد الضباط فشل في تلاوة البيان الأول للثورة في الإذاعة، فتقدّم السادات لإذاعته، وليكسب بذلك مزية أنه هو الذي أعلن، بصوته، قيام الثورة.
أكد محمد حسنين هيكل، إن ملف الرئيس محمد أنور السادات في الكلية الحربية كان يحمل اسمه "الساداتي"، وهو الاسم الذي كان يرفض السادات أن يناديه أي شخص به، فقد كان والده محمد محمد الساداتي من أتباع ومحاسيب السادات. والسادات جمع سادة، وهم في العادة من الأشراف أو من مشايخ الطرق الصوفية. فال هبكل أن أنور الساداتي فور نجاح الثورة قام بمحو الياء من الساداتي في بطاقة تخرجه من الكلية الحربية ليصيح لقب أسرته "السادات".