تصارع الواحات في المغرب من أجل الصمود في وجه عدد من التحديات، لا سيما في ظل التغير المتسارع للمناخ، سواء في المملكة، أو في دول كثيرة حول العالم، بينما يدعو خبراء إلى إيلاء مزيد من العناية لهذه المناطق التي تتراجع مساحاتها المزروعة، فيما يهاجر السكان المحليون إلى المدن الكبرى.

 
وتعاني الواحات في المغرب عدة أزمات، في مقدمتها توالي سنوات الجفاف وندرة المياه والتصحر وزحف الرمال، فيما يعد الضغط السكاني والزحف العمراني والتلوث والحرائق المتتالية أبرز العوامل البشرية.
 
وتلعب الواحات دورا مهما في المنظومة الاجتماعية والبيئة في المغرب، وتقف بمثابة حزام أخضر يمنع زحف الصحراء ويحمي المحيط البيئي.
 
وتضم الواحات المغربية التي تقع  بالمناطق الشرقية والجنوبية الشرقية للبلاد حوالي 15 في المئة من ساكنة المملكة حسب بيانات رسمية، وتقدر مساحتها بحوالي 226 ألف كيلومتر مربع.
 
كيف تحافظ المدن والزراعة الخضراء على البيئة؟
ثروة طبيعية مهددة بالزال
يطالب المهتمون بالشأن البيئي بحماية النظام البيئي للواحات، سواء من تأثيرات التغيرات المناخية أو من العوامل المرتبطة بالتدخل البشري، والبحث عن حلول تحفظ المكانة المحورية التي طالما لعبتها في حياة السكان المحليين.
 
يقول الناشط في مجال البيئة بمنطقة طاطا (جنوب) وعضو حركة مغرب البيئة 2050 مبارك أوتشارفت، إن الواحات إرث إنساني وبيئي ينبغي حمايته، ولهذا الغرض تثير الجمعيات هذا الموضوع بشكل دائم، وتتشبث بمطلب إدراج مناطق الواحات ضمن التراث العالمي الإنساني إسوة بمناطق شجر الأركان.
 
ويعتبر أوتشارفت في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن مجال الواحات في المغرب يدفع اليوم ضريبة التغيرات المناخية، إلى جانب تأثيرات بشرية كالحرائق والضغط السكاني، وإهمال تجديد أشجار النخيل، والأشجار المثمرة، واستنزاف الفرشة المائية.
 
ويتابع الناشط البيئي، أن وضعية الواحات تزداد سوء بسبب ارتفاع درجة الحرارة بهذه المناطق، مع قلة هطول المطر وزيادة التصحر وتأكل التربة في هذا النظام البيئي الهش، إلى جانب انقراض الكائنات الحية بسبب الصيد والرعي الجائر.
 
ويؤكد أوتشارفت، أن التكيف والملاءمة خاصيتان مهمتان لضمان الاستدامة والتأقلم في الواحات، مع الحرص على التوعية بالدور الذي تلعبه في حياة الانسان، والسعي للحفاظ على مكوناتها، وتربية الجيل الجديد على ذلك.
 
ويلفت المتحدث، إلى أن مساحة الواحات تتناقص سنة تلو الاخرى، ويشدد على أن من شأن إهمالها والاستمرار على الوضعية الراهنة أن يؤدي إلى تدمير المزيد من مكوناتها وتعريضها لخطر الزوال.
 
التحديات والتوصيات
وتسبب التغير المناخي والوضع الصعب الذي تعيشه مناطق الواحات في المغرب في هجرة عدد من السكان إلى المدن الكبرى، فيما يحاول آخرون التأقلم وتغيير أنماط معيشتهم.
 
يقول محمد الدرويش، رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، إن السكان المحلين يؤدون ثمن ضعف الفعل السياسي خلال السنوات الماضية في هذه المناطق الى جانب قساوة الطبيعة وصعوبة التأقلم مع التحولات المناخية.
 
ويسجل الدرويش الذي أشرف مؤخرا على تنظيم ندوة وطنية حول الواحة والتحولات المجتمعية، غياب بنيات اقتصادية في تلك المناطق التي تعرف بإمكانياتها الواعدة في مختلف القطاعات والتي يمكن أن تجلب استثمارات مهمة وتوفر فرص عمل للشباب.
 
ويدعو الدرويش في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، إلى تظافر جهود جميع المعنيين من أجل فك العزلة عن مناطق الواحات في المغرب ومنحها المكانة التي تستحقها وحمايتها وتثمينها.
 
ويضيف الفاعل المدني ان المشاركين في ندوة الواحات والتحولات المجتمعية قد أصدروا عدة توصيات من بينها دعوة الحكومة إلى الاسراع بتوفير الظروف اللازمة من أجل الإعلان عن الواحة تراث وطني، والدفاع لدى الهيئات الأممية من أجل تسجيل الواحات المغربية ضمن التراث العالمي.
 
ويتابع الدرويش، أن من بين التوصيات أيضا "ترميم كافة قصور الواحات والسواقي والخطارات (تقنية تقليدية لسقي الواحات) الواقعة في أسفل الواحات لما لها من أهمية واضحة في الحفاظ على المياه السطحية، إلى جانب خلق وحدات صناعية مرتبطة بمنتجات الواحة كالتمور، وتشجيع سياحة الواحات والصناعة السينمائية، إلى جانب تطوير الفلاحة وعصريتها بالواحات مع العمل على استدامة التنوع البيولوجي فيها".
 
كما شدد المتحدث على "ضرورة البحث عن بدائل حقيقية لضمان الاستقرار البشري في الواحات، ولمساعدة ساكنتها على مواجهة التحديات التي يطرحها العيش فيها، وعلى التكيف مع التغيرات الحاصلة لها مؤخرا".
 
حماية وإنقاذ الواحات
وأطلق المغرب عدد من الخطط والمبادرة الرامية إلى تثمين الواحات وضمان حمايتها من خطر الزوال من بينها خلق وكالة خاصة تعنى بتقديم خدمة التنمية الملائمة والمستدامة لمناطق الواحات وشجر الأركان.
 
وفي حصيلة للفترة الممتدة ما بين 2012 و2021، وقعت الوكالة على ثمان اتفاقيات مع منظمة اليونسكو ومنظمة الفاو والتعاون الألماني، كما أطلقت سبعة كمشاريع كبرى في إطار التعاون الدولي بهدف الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، وتعزيز قدرة تكيف المجال والسكان مع تغيرات المناخ وكذا التمكين الاقتصادي للمرأة.
 
وتوجد عدد من المشاريع في طور الإنجاز، من بينها مشروع التأقلم مع التغيرات المناخية في مناطق الواحات الممول عن طريق هبة لصندوق التكيف تقدر بـ 90 مليون درهم، ومشروع آخر خاص بإعادة تأهيل المنظومات الزراعية البيئية في الواحات عبر مقاربة تقدر بـ 96 مليون درهم من الصندوق العالمي للبيئة.
 
من جانبها، تعمل وزارة الزراعة عبر وكالة التنمية الفلاحية على بلورة عدة مشاريع تخص جميع سلاسل الإنتاج وتعمل على تنويع مصادر الدخل وتحسين ظروف عيش الساكنة.
 
وبحسب ما كشفه فؤاد جعينط، مدير تدبير المشاريع بوكالة التنمية الفلاحية، خلال ندوة "الواحة والتحولات الاجتماعية"، فقد تم إنجاز 94 مشروعا للفلاحة التضامنية في مناطق الواحات بتكلفة استثمارية تفوق ثلاثة ملايير درهم لفائدة 179 ألف مستفيد، وذلك بهدف الحفاظ على الواحات.
 
وكشف جعينط، أن الوزارة تقوم بتنفيذ مشروع التأقلم مع التغيرات المناخية في مناطق الواحات والذي تم إطلاقه سنة 2015، بغلاف مالي أولي يفوق 9 ملايين دولار، ممنوحة من طرف صندوق التكيف مع التغيرات المناخية لفائدة 40 ألف مستفيد.