استطاع مفهوم "إعادة التدوير" الذي يلقى رواجاً عالمياً متنامياً أن يحجز مكاناً له في عالم الجمال بعد أن غزا عالم الموضة
هل تخيّلتم يوماً أنه يمكن لبقايا الفراولة، ,قشور الكلمنتين، وبذور الجزر.. وغيرها أن تتحوّل من نفايات إلى مكوّنات تدخل في تركيبة العطور؟
فقد استطاع مفهوم "إعادة التدوير" الذي يلقى رواجاً عالمياً متنامياً أن يحجز مكاناً له في عالم الجمال بعد أن غزا عالم الموضة.
تقوم آليّة "إعادة التدوير" على الاستفادة من المواد والأشياء المّعدّة أصلاً للتلف، بهدف الحدّ من إنتاج النفايات. وهي لاقت رواجاً في مجال صناعة الأزياء من خلال استخدام بقايا الخامات المتنوّعة لتنفيذ قطع جديدة من الملابس والأكسسوارات. دخل هذا المفهوم أيضاً إلى عالم صناعة مستحضرات التجميل، التي بدأت باستعمال البذور، والحبوب، والبقايا المُشتقّة من الأغذية الزراعيّة في تركيبات مستحضرات العناية بالبشرة والشعر. وقد استطاعت مؤخراً أن تقتحم مجال صناعة العطور لتعمل على توسيع مجال الاقتصاد الدائري.
وداعاً للهدر
ويشهد عالم صناعة العطور توجّه العديد من المصنّعين نحو استعمال البقايا الغذائيّة كمكوّنات تدخل في تركيبة العطور، ومنها قشور الكلمنتين وبقايا الفراولة.. وسواها من الفاكهة والحبوب التي أثبتت فعالية استخدامها في التركيبات العطريّة. وإذا كان مفهوم "إعادة التدوير" يبدو بعيداً جداً عن الصورة الجميلة والفاخرة المرافقة عادةً للعطور، إلا أنه يُجسّد في الواقع مُستقبل هذا القطاع الذي يُعيد ابتكار نفسه ليُصبح أكثر فائدة ومسؤوليّة.
التجربة الجديدة في هذا المجال قامت بها شركة TechnicoFlor الفرنسيّة المتخصّصة في ابتكار وتصنيع التركيبات العطريّة المُستعملة في صناعة العطور ومُستحضرات التجميل. وهي كشفت مؤخراً عن مجموعتها العطريّة الأولى التي تعتمد بشكل أساسي على إعادة التدوير. تضمّنت هذه المجموعة 8 عطور يدخل في تركيبة كل منها واحد أو أكثر من المواد العضويّة المُعاد تدويرها. ومن بينها مكوّنات غير متوقّعة كالخميرة التي تتكوّن لدى تحضير عصير الفاكهة، قشور شجر السرو والكلمنتين وثمار الكاكاو.. وقد كان لافتاً تحوّل هذه المنتجات المُعدّة للتلف إلى مكوّنات تُشارك في تطوير عطور مسؤولة تجاه البيئة.
مستقبل واعد
ويتجه قطاع العطور تدريجياً نحو اعتماد مبدأ إعادة التدوير، رغم بطء هذه الأليّة إذا ما تمّت مقارنتها مع تطورها في مجال العناية التجميليّة والموضة. يُعتبر عطر Angel Nova، الذي يحمل توقيع دار Thierry Mugler، من أول المبادرات في هذا المجال، وقد دخلت في تركيبته بالإضافة إلى خلاصة التوت البري، والليتشي نفحات الورد الدمشقي المُستخرجة بطريقة تجمع بين إعادة التدوير والتكنولوجيا الحيويّة من خلال آليّة تمّ تطويرها خصيصاً للدار. من جهتها قامت علامة Etat Libre d’Orange منذ العام 2018 بإطلاق عطر I Am Trash- Les Fleurs du Dechet الذي تمّ تطويره انطلاقاً من بقايا الصناعات العطريّة الناتجة عن التفاح، الفراولة، البرتقال المر، والورد. وقد تمّ استخراج جميع المكونات الرئيسيّة في هذا العطر من مصادر مُعاد تدويرها. وهو شكّل إنجازاً يُظهر اهتمام صناعة العطور بآليّة إعادة التدوير التي تسعى للحدّ من البقايا والنفايات الناتجة عن صناعة العطور.
ويُشكّل استخدام المواد الخام المُعاد تدويرها تحدّياً حقيقياً في مجال صناعة العطور. وهو يُطلق نهجاً من المنتظر أن يتوسّع في المستقبل، كونه يتمتع ببعد بيئي وآخر يعتمد على استكشاف مكوّنات جديدة ومُثيرة لم يسبق استعمالها في الصناعات العطريّة.