الاربعاء ٣ اكتوبر ٢٠١٢ -
٠٠:
١١ ص +02:00 EET
بقلم: سمير حبشي
فى سكون الليل والكل ينشد راحة البدن من يوم شاق ، وخاصة أيام الشقاء فى حياة البشر فى مصر .. وفى حى المرج الذى هو خليط من مستويات ثقافة الإنسان .. تستيقظ أم على هتافات وصرخات هستيرية " الموت لألبير صابر .. الموت للكافر " وتتململ فى رقدتها لتطرد هذا الكابوس المخيف .. ولكن هيهات فقد توالت الصرخات والهتافات .. ومات النوم خلف الأجفان ، وقفزت من رقدتها وقلبها يقفز أمامها .. وأصبح زمانها بلا زمان ، والسكون بلا سكون .. تتخبط يمينا ويسارا وهى تتلقى الواقع الدامى ، أمواج جامحة هادرة من الصرخات تصفع أذنيها بزبد الغضب ، وتطرق على جدار قلب الأم " الموت لألبير صابر .. الله أكبر .. الموت للكافر " ..
ألبير فلذة كبدها ،وأحلام عمرها ،وطاقة النور التى ترى من خلالها ماضيها وحاضرها وأيام مستقبلها .. فهو الباقى لها من بعد الأب الذى رحل إلى خالقه .. فوجئت بعد منتصف ليل الخميس 13 سبتمبر الجاري باحتشاد المئات من أهالي حي المرج أمام المنزل ، مدعين أن ابنها أهان الرسول وقام بازدراء الدين الإسلامي. وأطلق المتجمهرون وابلا من الإهانات الموجهة لمقدسات الديانة المسيحية ،
وهددوا بإهدار دم ابنها وحرق منزلهم والاعتداء على الكنيسة المجاورة ، وحاول العشرات منهم تحطيم باب المنزل وسط الصرخات البربرية والمطالبة بدم إبنها .. لم يكن أمامها غير إستغاثة الغريق من أمواج الشر المحيطة بالمنزل ، وهى تستغيث وتستجدي تعاطف المطالبين بإهدار دم ابنها ، التقطت أذناها صوت عربة الشرطة ، فبدأت تلتقط أنفاسها المحبوسة من الرعب ، فقد ظنت المسكينة أنهم جاءوا لحمايتهم .. ولكن كشفت الحقيقة المرة أن حضورهم المسرع كان للقبض على ابنها ألبير ..
وسيق الشاب مكبلا مقبوضا عليه كأحد القتلة ، أو الفارين من العدالة .. وهنا تحولت الهتافات إلى زغاريد وطبل ورقص فقد تخلصوا من الكافر الذى دنس الحى كله .. ولكن يا إخوتى فأفراح الشيطان قصيرة .. وحدائق الشيطان لا تنبت غير الشوك والحسك .. فقد عاد الحال كما كان عليه .. هتافات وصرخات هستيرية تطالب بدماء النصارى الكفرة و " بالروح والدم نفديك يا رسول الله ..
وأنا لا أتعجب من هذه الأفعال فكما أن إلههم مختلف تماما عما نؤمن ، فأيضا نبيه لابد أن يكون مختلفا وعلى شاكلته .. وعدالة إلههم تختلف تماما عن عدالة إلهنا .. فإلهنا هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ . إِلهُ أَمَانَةٍ لاَ جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ " تثنية 32: 4 " إلهنا الذى يقول : إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا " الجامعة 5: 8. " .. حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ . حَاشَا لَكَ ! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً ؟ " تكوين 18: 25 " وأيضا يوصينا إلهنا قائلا : مبرئ المذنب و مذنب البريء كلاهما مكرهة الرب " ام 17 : 15 " .. أما إلههم فيقول : أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما .. ( وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ..
وعلى هذا فأيضا نبيهم يختلف ومبادءه تختلف .. فعنده لا تَـسـألْ عن العدل في الأقوال ولا في الأفعال .. وبسبب تعاليمه إختلت الموازين ، و انقلبت القيم ، وتنكست رايات الشرف والأمانة ، وتغيّرت المفاهيم وأغتيل العدل وانعدم القسطاس ، فاكتست نفوسهم بثوب الجَـور ، وتغطت بثياب الظُّـلم ، وارتدت رداء السلب والنهب ، ذلك هى ثمار دعوة إلههم الذى حملها لهم نبيه ونشرها بحدود السيوف وأنهار الدماء .. فأصبحوا يكيلون بمكيالين ، ويَزِنُون بميزانين. ويجاهرون ويفتخرون بأنهم عون للشيطان على إخوتهم فى الإنسانية .. وأصبح واضحا عـور موازينهم ، وخلل مفاهيمهم ، بل واختلال عقولهم ..
وغاب عنهم مفهوم الحرية التى هى ليست مطلب لكنها حياة يعيشها الإنسان ، والتى هى ليست حرية الجسد ، لكنها حرية العقل والإعتقاد والتعبير والفكر ، وهذه هى الحرية الحقيقية .. ففى الوقت الذى وقف فيه أبو إسلام يمزق الكتاب المقدس ، ويطالب بحرقه ، وأمثاله وجدى غنيم وخالد عبد الله وتحقيرهم للمسيحية بشتى الطرق ، لا نراهم يحاكمون ، أو يقبض عليهم كما حدث لألبير صابر العاشق لتراب الوطن ، وصديق شخصي لجميع رموز القوى السياسية، وشريك للثوار، فقد اخترق الرصاص المطاطي جسده، وأُصيب ظهره من كسر الرخام التى كانت تلقى على الثوار في أحداث مجلس الوزراء. بتهمة ازدراء الاديان .. فهو كافر ويستحق إهدار دمه ..
ولكم أيها الظلمة أقول : لن يستمرّ الوضع هكذا، لابُدّ أن يأتي الوقت الذي فيه ستدفع ثمن ظُلمك وقساوتك. لن يستمرّ الوضع هكذا لأنّ الله لم ولن يترك الإنسان الذي أحبّه تحت سُلطة إنسان آخر، مهما بلغت قوّة هذه السُّلطة ، أو السّطوة أو النُّفوذ. لن يستمرّ الوضع هكذا لأنّ الله موجود.. ختاماً أكرر للظَّالِم والمظلوم معاً. للظَّالِم كي يرتعد ويتّعظ ، وللمظلوم كي يتشدّد ويتشجّع . يقول الحكيم سُليمان : إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر . أان فوق العالي عاليا يلاحظ والأعلى فوقهما " الجامعة 5: 8 ".. فعندما يلبس الظالم وكل من كسر ميزان العدل جلباب المظلوم أقول له فى يوم الدين عندما يقف رب المجد يسوع المسيح ديانا للعالمين كما تقول كتبكم لا تنسى أن أمام وجهه سيجتمع الخصوم.