الاربعاء ٣ اكتوبر ٢٠١٢ -
٤٤:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم: منير بشاى
تناولت فى مقالى السابق اشكالية الاحتقان الطائفى وصلتها بالنصوص الدينية. وذكرت ان هناك نصوصا دينية فى القرآن والحديث تبدو للقارىء العادى أنها تدعوا الى تكفير المسيحيين وتطالب المسلم بقتالهم واذلالهم وتحرضه على عدم توجيه تحية السلام لهم أو تهنئتهم بالاعياد. وذكرت ان هذه النصوص تستخدم بواسطة بعض الدعاة المتشددين لشحن بسطاء المسلمين ضد أخوتهم فى الوطن. وذكرت ان الاحتقان الطائفى سوف يستمر معنا مالم يجد علماء الاسلام تفسيرا مريحا لهذه النصوص يشرح حقيقة معناها فى ضوء الظروف التاريخية التى نزلت فيها.
وقد جاءت تعليقات القراء على المقال متباينة تعكس نظرة المجتمع المصرى لهذا الموضوع وتتراوح ما بين التشاؤم والتفاؤل والمساحة الرمادية بينهما..
من الآراء المتشائمة جاء هذا التعليق "بكل صراحه مفيش فايدة. هناك خلافات جوهريه بين الأديان لا يمكن إنكارها أو محاولة تجميلها. التعصب حيولد تعصب والتطرف حيولد تطرف دي شريعه الحياة." ويبدو ان كاتب التعليق يعكس مشاعر كثير من الأقباط الذين يرون ان المناخ العام فى مصر أصبح لا يوحى بالتفاؤل خاصة بعد صعود تيار الاسلام السياسى للحكم. فقد طغى التطرف وتزايدت الاعتداءات على الاقباط وخاصة فى القرى النائية حيث تزداد ظاهرة الانفلات الأمنى وينتشر دعاة التطرف ويجدوا استجابة بين البسطاء. وقد رأينا نتيجة ذلك فى الاعتداءات الجماعية على الاقباط وتهجيرهم من مساكنهم وأعمالهم فى العديد من القرى منها حديثا قرية دهشور وأخيرا رفح. والدولة تأخذ من هذا موقف المتفرج العاجز أو من ينكر وجود المشكلة من أساسها.
وهناك تعليق حاول تبرير النصوص الدينية بتقديم تفسير خاص لها. كتب المعلق يقول “الايات والاحاديث التى تنص على المودة والرحمة والاحترام بين المسلمين واهل الكتاب من اليهود والمسيحيين هى الايات التى يجب ان تطبق فى العلاقات بين الطرفين على مدى الزمن والحياة - اما ايات الايذاء والتضييق فتطبق فقط حينما تكون هناك حربا بين المسلمين والمسيحيين فطبعا الظروف تتغير” هذا التفسير يفترض تقسيم المجتمع المصرى الى مسلم ومسيحى. وان كل أتباع دين يمكن أن يعلنوا الحرب ضد كل أتباع دين آخر ويعاملوهم طبقا لمعايير الحرب والسلام. المصريون الآن شعب واحد تحكمهم دولة مدنية تستمد شرعيتها من الشعب. الدين علاقة شخصية بين الانسان وربه والمواطنون جميعا سواسية تربطهم معايير المواطنة والجيرة والزمالة والصداقة كما تربطهم زمالة السلاح على أرض المعركة حيث اختلط دم المسيحى بالمسلم وهم يدافعون معا عن وطن واحد يمتلكه الجميع بالتساوى.
ثم جاء هذا التعليق الذى يربط بين الاحتقان الطائفى والمستوى المالى للناس فيقول صاحبه “لولا الفقر ما وجد احتقان طائفى - السعوديه مهبط رسالة الاسلام يوجد بها جنسيات متنوعه ولم نجد السعوديين مثلا يضيقون الطريق على أحد أفراد الجنسيات الاخرى من ديانات أخرى ( بحجه بروتوكول الديانة)" واعتقادى ان السبب الرئيسى فى عدم وجود احتقان طائفى فى السعودية هو حزم النظام القائم ضد من يرتكب جريمة. ثم ان السعودية لا يوجد بها أقلية سعودية مسيحية حتى يوجد بها احتقان. هناك الخبراء الأجانب وهم تحت حراسة مشددة من الدولة ومع ذلك ترتكب ضدهم الجرائم من وقت لآخر. كما يوجد بالسعودية أقلية مسيحية تمثل المرتدين عن الاسلام وهى مجموعة لا تعلن عن نفسها علانية وبالتالى لا وجود رسمى لها. ولكن الثروة لم تكن يوما عاملا فى ابتعاد السعوديين عن التطرف. فمثلا مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان من السعوديين الأثرياء وايضا المتعلمين اذ كان حاصلا على بكالريوس فى الهندسة.
وأخيرا جاء هذا التعليق من معلق يعترف بوجود مشكلة ويقدم بعض الحلول فيقول "التأثير السلبى ينتج عن المفتيين والدعاة الغير المتخصصين، وكم هم مؤثرون فى الحياة الاجتماعية، واغلب الناس البسطاء يلجأون اليهم. علوم القرآن والحديث تتعدى 500 علم ولكل علم تفرعه. الافضل اللجوء الى دار الافتاء او الازهر لتفسير ما نرغب من نصوص دينية، فهم يعلمون اسباب نزول الايات و تواريخها واحوالها وامور شتى كثيرة ليس من السهل على غير المختصصين الالمام بها. اعتقد انه لوقف الدعاة المتشددين وتفادى تأثيرهم السلبى على المجتمع المصرى يجب سن تشريع يمنع اى شخص من الظهور الاعلامى والمخاطبة فى دور العبادة. ومن يمتهن هذه العمل يجب ان يكون حاصلا على تراخيص لمزاولتها من الازهر او الكنيسة.” ورأيى ان هذا الاقتراح بتأهيل الدعاة والوعاظ هو اقتراح صائب وفى غاية الأهمية. وهو جزء من مجموعة حلول يجب ان تبدأ الدولة بتنفيذها فورا.
ولتفادى التأثير السلبى للنصوص الدينية على المجتمع لابد من الفصل بين الدين والدولة فى الحكم. وقد فطنت أوروبا الى هذا منذ قرون فكان العامل الأكبر الذى فجر طاقات التقدم الذى نراه الآن واضحا فى مجتمعاتهم. ولكن فى مصر مانزال نخدع الغير ونغش انفسنا فنضع فى الدستور مادة تنص على أن "مبادىء" الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع. بينما نعرف ان الكلمة ستؤخذ على أنها "أحكام" بواسطة قضاة متطرفون ينصرون أخاهم المسلم ظالما أو مظلوما. ونفس الكلمة ستأخذها الدولة لتحرم المسيحى من الوظائف القيادية تطبيقا لمبدأ لا ولاية لغير المسلم على المسلم. ونفس الكلمة ستأخذها السلطات كمبرر لتعرقل تراخيص بناء وترميم الكنائس، وغيره، وغيره.
نعود فنؤكد ان مشكلة الاحتقان الطائفى ليست مستحيلة الحل. الصعوبة الكبرى هى فى وجود الارادة لدى الدولة لعلاجها، وفى صميم عملية العلاج تقع اشكالية التعامل مع النصوص الدينية.
Mounir.bishay@sbcglobal.net