بقلم: د. حسن السعدي |
تعلمنا منذ نعومة أظفارنا الفكرية أن مثل الباحث عن الحقيقة المطلقة كمثل الأعمي الذي يبحث في حجرة مظلمة عن قطة سوداء ليس لها وجود, ولقد ألحت علي هذه المقولة وأنا أتابع ذلك التصريح الذي أعلنته محافظة الجيزة باعتبار23 أغسطس عيدا قوميا للمحافظة لارتباطه بتاريخ بناء الهرم الأكبر, بعدما تنازلت طواعية لمحافظة6 أكتوبر عن عيدها القديم, ونظرا لما اعتري الأمر برمته من أخذ ورد فقد رأيت أن أدلي بدلوي في القضية انطلاقا من الإهتمام بالشأن العام أولا وبحكم التخصص ثانيا, وذلك علي النحو التالي: ثانيا: إن الزج بالقضايا العلمية الخلافية علي مستوي العموم من الأمور وخيمة العواقب لاسيما إذا تعدي مستوي الحوار الطرح العلمي الي التراشق اللفظي أو التمسك برأي دون آخر, وليست الفتاوي الدينية الفضائية عنا ببعيد, إذ إن هذه المواجهات تجعل قضايا الاختصاص علي المشاع في ضوء تجنب الحكمة المنهجية بأن العالم يرجح ومادونه يؤكد, وفي هذا الصدد فإن ماجاء بخصوص التاريخ المقترح قد يكون صحيحا ولكنه ليس هو الصواب الوحيد, فالدارس للتاريخ القديم يعلم مدي مايعانيه الباحثون في تحديد التواريخ نظرا لأن الأقدمين لم يحسبوا زمنهم بمئوية أو ألفية بل أحصوه عددا بسنوات حكم أو حدث جلل إشارة ليوم بعينه في شهر من الفصول الثلاثة الرئيسية عندهم والتي كانت عدة شهورها اثنا عشر شهرا قمريا, تساوي360 يوما بالاضافة الي الأيام الخمسة الفارقة بين التقويمين الشمسي والقمري فضلا عن الزيادة التي تحسب بربع يوم لكل دورة أرضية كاملة ليكتمل عقد السنة الكبيسة بعد سنوات أربع لتصبح366 يوما. ثالثا: تأسيسا علي ماسبق وتحديدا فيما يتعلق بالملك خوفو فإننا نجد أنفسنا في حيرة من الأمر, فإن عدم الاتفاق علي عام بعينه كمنطلق لحساب بداية التاريخ المصري القديم فضلا عن تباين الآراء حيال المدد الفعلية لحكم عدد من الملوك وبدايات عهودهم ومن بينهم خوفو ذاته( من ذلك أعوام2470 أو2551 أو2609, ومدة الحكم تمتد لاثنين وعشرين أو زد عليها أعواما ثلاثة؟؟!!). الي جانب ان المعنيين بالحسابات الفلكية يشيرون الي ان الربع يوم المشار اليه سلفا ليس يعني ست ساعات بالتمام والكمال بل يضاف الي الربع يوم لتكتمل الدورة كسرا مقداره636, وهذا الكسر بمفرده كي نعلم مدي خطورة تجاهله يكون ـ حسب رأي المختصين ـ وعلي مدار3200 سنة ما يساوي عشرين يوما كاملة, فضلا عن ذلك فإن الاحتجاج برصد نجم الشعري اليمانية في الفترة مناط الخلاف ينفيه شبه اجماع من الباحثين في هذا المجال علي ان المصري القديم بتمكنه من أدوات علم الفلك كانت لديه في أحايين كثيرة حساباته الفلكية التي لم تخضع للرؤية الراصدة, تماما مثلما يحدث الآن في الحديث عن مطالع الشهور القمرية فلكيا أو بالرؤية. خامسا: بعيدا عن الجدل الحسابي والتباين في الرأي العلمي الذي يماثل البحث عن تلك الهرة السوداء..!! ألم يكن من الأجدي بدلا من الزج بتراثنا الأثري في خضم الجدل العلمي ان تبحث محافظة الجيزة عن حدث متميز عبر تاريخها الطويل تتخذه عيدا لأولهم وآخرهم, أو تستبقي عيدها, ولتبحث المحافظة الوليدة عن عيد لها كيوم قرار إنشائها حتي لو شاركتها فيه محافظة حلوان, إن لم يكفها فخرا ارتباط اسمها بتاريخ سيظل محفورا في وجداننا جميعا وسيضمن لها دوما احتفال الأمة كلها به ومعها في آن واحد. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |