(1822- 1884 )
إعداد/ماجد كامل
عندما تلاحظ أنه يوجد تشابه كبير بين البنت وأمها في أمور كثيرة سواء في لون العينين والشعر بل حتي الطبائع والصفات ؛فأنك حتما لا بد أن تتعجب ولكن في حقيقة الأمر أن هذا التشابه ليس صدفة ؛وأنما هو خاضع لما يعرف بقوانين الوراثة . وكان صاحب الفضل الأول في اكتشاف هذه القوانين هو العالم النمساوي "جريجور مندل " أما عن مندل نفسه فلقد ولد في 20 يولية 1822 في هيستندروف أحدي المدن النمساوية (وإن كانت تقع حاليا علي الحدود التشيكية ) ؛ وسمي بأسم يوحنا . ولقد تدرج في مراحل التعليم المختلفة ؛ثم حاول أن يكون مدرسا في مادتي الأحياء والجيولوجي ؛غير أنه رسب في الأمتحان ؛وفي عام 1843 ذهب ليترهب في أحد الأديرة التشيكية ؛ وتم تغيير أسمه إلي "جريجور" ؛ ثم عمل مدرسا في المدرسة الملحقة بالدير ؛ وفي حديقة الدير أخذ يجري تجاربه العلمية علي نبات البذلاء المزروع فيها .ويذكر المؤرخون في تاريخ العلوم أنه عكف علي دراسة حوالي 21 ألف نوع من النباتات أخضع منها 12835 نوعا لدراسة معملية دقيقة وشاقة ؛فأكتشف أنه يوجد صفات مثل لون الورقة وشكلها وحجمها وكذلك البذور تنتقل صفاتها من جيل إلي جيل . وأن هناك عاملان من عوامل الوراثة هما : أن هناك بعض الصفات تتغلب علي الصفات الأخري؛ وأن هذه الصفات المغلوبة لا تختفي إنما تظهر فيما بعد بصورة أخري . ولقد درس مندل سبعة خصائص في النباتات وقام بعمل مقارنات بينها ؛وهذه السبع خصائص هي :-
1-شكل البذور (ملساء أم مجعدة ).
2-لون البذور (صفراء أم خضراء ).
3-لون غلاف البذرة (أبيض أم رمادي).
4-شكل الغلاف عند مرحلة النضج (منتفخة أم متقلصة).
5-لون الغلاف غير الناضج (صفراء أم خضراء).
6-وضع الزهور (موزع ومتناثر أم متجمع حزم ).
7-طول جذع النبات (طويل أم قصير ).
ولم يتوصل مندل إلي هذه القوانين المدهشة في يوم وليلة ؛إنما هي حصيلة عمل وجهد ومقارنات أستمرت خلال الفترة من (1856- 1865 ) أي حوالي 9 سنوات متواصلة من العرق والجهد المتواصل . ولقد عرض مندل نتيجة أبحاثه علي نبات البذلاء علي جمعية العلم الطبيعي في بلاده ؛ وكان ذلك عام 1865 ؛وكان مندل يبلغ من العمر وقتها حوالي 42 عاما ؛ولكنها للأسف الشديد لم تستوعب أبحاث مندل جيدا ؛فرفعت نتيجة أبحاثه إلي جمعية علمية أخري ؛ولكن للأسف لم تستوعبها هي أيضا ؛ فقوبل جميعها بالرفض التام . فما كان من مندل إلا أن جمع أبحاثه كلها ونشرها في كتاب بعنوان "تجارب علي تهجين النبات" ؛وكان ذلك عام 1866 . وأخيرا توفي مندل ربما غما وكمدا في 6 يناير 1884 م .
ولكن إنصاف وتقدير العلماء لأبحاث مندل جاء بعد وفاته بحوالي 16 عاما ؛ إذ قام ثلاثة من علماء النبات هم :- الهولندي دفريس( 1848- 1935 ) والألماني كورنس( 1864- 1933 ) والنمساوي فون تشرماك(1871- 1962 ) ؛ورغم أن الثلاثة علماء أجروا أبحاثهم منفصلين بعضهم عن بعض ؛إلا أنهم أتفقوا في النهاية علي صحة أبحاث مندل وصحة النتائج التي توصل إليها . ومن بعدها بدأت مباديء علم الوراثة في الظهور والتطور حتي وصلت إلي ثورة علمية كبري تعيشها الإنسانية حاليا تعرف بالهندسة الوراثية Genetic Engineering قلبت موازين الكون رأسا علي عقب . وكان الأب الروحي لهذه الثورة الجينية هو العالم النمساوي جريجور مندل . والذي عاش ومات مجهولا ؛ولم يقدر العلم نتيجة أبحاثه في حياته ولا حتي بعد مماته إلا بعد حوالي 16 عاما من وفاته بدأ العالم ينتبه إلي أهمية أبحاث وتجارب مندل والذي يعتبر وبحق مؤسس "علم الوراثة".