بدأ اليورو رحلة الهبوط أمام الدولار بعد أن وصل إلى ذروته عند 1.6 دولار في يوليو 2008 أي قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية.

 
تخللت هذه السنوات الطويلة مجموعة من الأحداث المهمة التي بدأت من الأزمة المالية العالمية مرورا بأزمة الديون السيادية الأوروبية ثم أزمة وباء كورونا وأخيرا الأزمة الأوكرانية.
 
في حين أن موجة الهبوط الأخيرة لليورو ترجع لثلاثة عوامل رئيسية:
 
العامل الأول: أزمة الطاقة في أوروبا التي بدأت قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
 
فأسعار الغاز الأوروبية قفزت إلى مستويات قياسية العام الماضي بعد سلسلة من الأحداث فإمدادات الغاز الطبيعي لم تكن كافية لتلبية الطلب العالمي مع عودة فتح الاقتصادات الكبرى بعد الموجة الأولى من وباء كورونا.
 
فيما أدى الجفاف في البرازيل إلى تقويض قدرة محطات الطاقة الكهرومائية مما دفعها إلى استيراد الغاز بأعلى وتيرة على الإطلاق الأمر الذي دعم الطلب وساهم في زيادة الأسعار.
 
أضف إلى ذلك الشتاء الطويل الذي استهلك المخزونات في أوروبا والذي وصل إلى مستويات تاريخية متدنية، بالتزامن مع نقص إمدادات الغاز الروسي لتلبية الطلب المحلي.
 
ثم جاءت الحرب الأوكرانية لتفاقم أزمة الطاقة المترسخة أساسا في أوروبا، وتحدث تحولا جذريا في استراتجيات الدول الأوروبية نحو التخلي عن إمدادات الطاقة الروسية.
 
ومع اضطراب إمدادات الغاز من روسيا التي تسهم بـ40% من احتياجات أوروبا من الغاز.. فإن المخاطر تتزايد بأن هذا الاضطراب قد يزج باقتصاد أوروبا في براثن الركود.. وهذا ما يضغط على قيمة اليورو.
 
 والدليل على ذلك كما هو واضح في الرسم البياني المرفق هو علاقة الارتباط العكسية القوية – وصلت ذروتها عند 92% في مارس الماضي- بين هبوط اليورو والارتفاع المستمر لعقود الغاز الأوروبية {TTF}.
 
العامل الثاني: ديناميكات النمو وتحركات البنك المركزي الأوروبي
 
بنية منطقة اليورو الاقتصادية – 19 دولة بـ19 وزير مالية وبنك مركزي واحد- تعاني تباينا في الأداء سواء على المستوى الاقتصادي والنمو أو على مستوى السياسات المالية التي تختلف من دولة لأخرى رغم وضع قواعد منظمة للمالية العامة.
 
وهذا يتسبب في معضلة أخرى، وهو بطء البنك المركزي الأوروبي في اتخاذ قرارات السياسة النقدية المناسبة التي تدعم تحقيق مستهدف البنك لاستقرار التضخم عند مستوى 2% على المدى المتوسط.
 
هذه المعضلة لاتزال قائمة وتجلت إبان الأزمة المالية وأزمة الديون السيادية قبل عشرة أعوام.
 
أما في الوقت الراهن فإن التقدير الخاطئ للبنك المركزي الأوروبي لتوقعات التضخم والتقليل أو عدم توقع بعض التطورات مثل الحرب أو أزمة الطاقة ساهم في تسارع التضخم ليصل إلى مستويات قياسية جديدة..
 
فالتضخم ارتفع بأربعة أمثال المستوى المستهدف لاستقرار الأسعار بعد أن سجل مستوى قياسيا جديدا عند 8.6% في يونيو الماضي.
 
وهذا الارتفاع القياسي للتضخم يضع البنك المركزي الأوروبي في مأزق.. فمن ناحية يجب عليه كبح مستويات التضخم ومن ناحية أخرى دعم الاقتصاد الذي يواجه شبح الركود بسبب أزمة الطاقة..
 
البنك الأوروبي يعتزم رفع الفائدة للمرة الأولى منذ 2011 خلال اجتماع يوليو الحالي بنسبة 0.25% ثم رفع آخر في سبتمبر وتبني مسار تدريجي لزيادة الفائدة بعد ذلك.
 
ومع ذلك فإن النمو الاقتصادي الضعيف قد يجبر البنك على زيادة الفائدة بوتيرة بطيئة مما يوسع الهوة مع البنوك المركزية الرئيسية الأخرى لاسيما البنك الاحتياطي الفيدرالي ويجعل اليورو أقل جاذبية للمستثمرين.
 
وهذا يأخذنا إلى العامل الثالث..
 
العامل الثالث: قوة الدولار الأميركي
الدولار الأميركي لايزال العملة الأقوى أمام العملات الرئيسية الأخرى وعلى رأسها اليورو.. فالعملة الخضراء استفادت من تسريع الفيدرالي لرفع الفائدة بـأعلى وتيرة منذ ثلاثة عقود.
 
في حين أدت الأزمة الأوكرانية ومخاوف ضعف الاقتصاد العالمي إلى الإقبال على الدولار كملاذ آمن للاستثمار في أوقات الأزمات.
 
ولتبسيط ذلك، تخيل أن لديك أموالا فائضة وتفاضل بين فتح وديعة بالدولار تمنحك عائدا بـ1.75% على أموالك وبين وديعة باليورو تخصم منك 0.5% على أموالك. فأيهما تختار؟
 
اليورو إلى أين؟
بالنظر إلى الرسم البياني الشهري لزوج اليورو أمام الدولار الأميركي نجد الآتي:
 
يتداول زوج اليورو/دولار حاليا في نطاق قناة هابطة بدأها من أعلى قمة له عند 1.60 في يوليو 2008، فيما شهدت حركة الزوج داخل القناة العديد من الارتدادات والتراجعات بين حديها والتي شهدت احتراما كبيرا لإشارات التشبع بالبيع والشراء الظاهرة على مؤشر القوة النسبية RSI
 
حاليا يزايد العديد من المتداولين على استمرار هبوط الزوج داخل القناة الهابطة المشار إليها على الرسم البياني، ولكن لتحقق ذلك يتطلب الأمر الآتي:
 
1- كسر المستوى النفسي القوي عند واحد دولار لكل يورو بمستويات سيولة عالية.
2- كسر المستوى التصحيحي 78.6% على مقياس فيبوناتشي.
 
هذا بالإضافة إلى مراقبة مؤشر القوة النسبية {RSI 14} الذي يتحرك حاليا داخل مناطق التشبع بالبيع التي شهدت إشاراته احتراما أكثر من رائع لتحركات الزوج خلال الفترات الماضية.
 
في حال تحقق الشروط المشار إليها فإن الطريق يصبح مفتوحا أمام استمرار هبوط الزوج داخل القناة الهابطة وبالتالي قد يختبر القاع التاريخي عند مناطق 0.82 دولار لكل يورو ويكمل دورة تصحيحية كاملة على مقياس فيوناتشي على المدى المتوسط والبعيد.
 
ولكن قد يتخلل حركة الزوج داخل القناة عدد من الارتدادات الصاعدة لإعادة اختبار خط الاتجاه الهابط لذا تجدر مراقبة الإغلاق فوق المستوى النفسي واحد دولار ومراقبة حركة مؤشر القوة النسبية RSI.