بقلم /ماجد كامل
تعتبر "اليوتوبيا " أو المدينة الفاضلة لتوماس مور( 1473-1535 ) واحدة من أهم روائع الفكر العالمي ؛ فهي تعبر عن حلم البشرية الطويل بمجتمع مثالي طوباوي يعيش فيه الجميع في محبة وأمن وسلام ؛أما عن معني كلمة يوتوبيا نفسها ؛ فهي كلمة لاتينية Utopia مكونة من مقطعين ؛المقطع الأول هو OU بمعني لا ؛ المقطع الثاني Topia بالمونث بالمذكر تصبح Topos ومعناها مكان ؛فيكون المعني الاجمالي هو "اللا مكان " وهي رمز وإشارة إلي عدم وجود هذا المكان المثالي علي الأرض وفي عالمنا الحالي . والمصادر التي أعتمد عليها توماس مور في كتابة عمله هذا هي :-
1- الكتاب المقدس
2- أعمال فكرية كلاسيكية ومعاصرة
3- الآثار الاجتماعية والاقتصادية لعصره
فعن الكتاب المقدس ؛فلقد كان مور ذو معتقد مسيحي عميق ؛ وبيدو هذا واضحا في رفضه لإنشقاق العالم المسيحي إلي كنائس متعارضة متحاربة فيما بينها ؛أما عن الأعمال الفكرية التي تأثر بها في كتابته ؛فلقد تأثر كثيرا بالفيلسوف اليوناني أفلاطون ؛كذلك أعمال بلوتارك وسيشرون ؛ كذلك أيضا تأثر بالقديس أغسطينوس في كتابه "مدينة الله " ومن المعاصرين تأثر جدا بصديقه الحميم ارازموس ؛خاصة في كتابيه "في مدح الحماقة " و"تعليم الأمير المسيحي " اما عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لعصره ؛فلقد تأثر جدا بحركة الكشوف الجغرافية ؛كما تأثر جدا بالحركة الإنسانية Humanism . وهي حركة فلسفية ظهرت في أوربا في القرن السادس عشر ؛ومن أهم ملامحها حب الإنسانية والسعي في سبيل تحقيق العدل والسلام والوحدة بين الشعوب ؛ والعمل علي نشر العلوم والآداب الكلاسيكية ؛ ويتطلعون إلي عصر يسوده العقل والعدل والرحمة ويكونون حلقة تمتد في معظم أنحاء أوربا وتوحد بين أفرادها المباديء المسيحية من ناحية وإحياء الدرسات اليونانية – الرومانية من ناحية أخري .
أما عن أسلوب يوتوبيا ؛فلقد أستخدم مور أسلوب الحوار ؛ وهي تعتمد علي مناقشة خيالية دارت في أحدي الحدائق بين مور وبين واحد من سكان هذه اليوتوبيا ؛ ومن أهم ملامح سكان اليوتوبيا هي تحديدهم لساعات العمل بست ساعات يوميا ؛كما قامت علي مبدأ احترام العائلة جدا ؛فأقرت مبدأ الزوجة الواحدة ؛وتحديد الحد الأدني للزواج بالثامنة عشر للفتاة ؛ والثانية واالعشرين للرجل ؛كذلك حرمت الزني وفرضت عليه أشد العقوبات ؛ وأخيرا فأن مواطني يوتوبيا يتمتعون بحرية العبادة المطلقة ؛وبذلك لا توجد في الجزيرة الصراعات الدينية التي تعرفها الدول الأخري .وتتيح هذه الحرية للمواطنين حرية مناقشة عقائدهم المختلفة بهدوء وموضوعية .والأغلبية المطلقة من أهل يوتوبيا يؤمنون بوجود إله قوي قادر .
والجدير بالذكر أن يوتوبيا مور قد صدرت لها ترجمة عربية كاملة مع مقدمة تاريخية مفصلة ؛ وقامت بالترجمة وكتابة المقدمة والتعليقات المرحومة الدكتورة أنجيل بطرس سمعان ( 1923 – 2012 ) أستاذة الأدب الأنجليزي بجامعة القاهرة .ولقد صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ( انظر صورة غلاف الترجمة ضمن مجموعة الصور الملحقة بالمقالة ) .
اما عن توماس مور نفسه ؛فلقد ولد في 6 فبراير 1478 ؛ولقد تدرج في مراحل التعليم المختلفة وعمل في العديد من المتاصب السياسية الهامة في الدولة ؛وعندما أراد الملك هنري الثامن الطلاق من زوجته الملكة كاترين ليتزوج من آن بولين ؛أعترض توماس مور علي هذا الطلاق علي اعتبار أنه غير شرعي و غير قانوني ؛فما كان من الملك هنري الثامن ألا أن أمر بأعدامه بالمقصلة ؛كما أعلن أنفصاله عن الكنيسة الكاثولوكية ؛وفعلا تم تنفيذ حكم الأعدام في توماس مور في يوم 6 يولية 1535 ؛وكانت آخر كلمة نطق بها توماس مور قبل إعدامه هي "سأظل خادما للملك ؛لكنني قبله خادما للرب " وعندما صعد إلي منصة الأعدام ؛قال للحرس المحيطين به "أرجو أن تساعدوني في الصعود إلي المقصلة ؛ثم أضاف ساخرا "أما النزول فأنا كفيل به لوحدي " والجدير بالذكر أن الكنيسة الكاثولوكية قد أعترفت به قديسا رسميا في 6 يوليو 1935 بمناسبة مرور 400 سنة علي وفاته ؛وأعتبرته شفيعا للسياسين والدبلوماسيين ورجال الدولة .