إعداد/ ماجد كامل
يمثل الفيلسوف الفرنسي العظيم "جان جاك روسو " ( 1712- 1778 ) قيمة كبيرة في تاريخ الفكر السياسي والاجتماعي ؛فهو صاحب الكتاب الخالد " العقد الاجتماعي " والذي لقب ب"انجيل الثورة الفرنسية " ويعتبر هو المدخل للدولة الرئيس لدستور المدنية العصرية الحديثة . أما عن روسو نفسه ؛فلقد ولد في 28 يونية 1712 في مدينة جنيف . ولقد عاني كثيرا في طفولته إذ عمل في العديد من المهن الشاقة ؛وكان أصحاب الأعمال يعاملونه بطريقة سيئة . ولكنه وسط كل تلك الظروف الصعبة تميز بالعشق الشديد للقراءة والثقافة ؛فكان يعكف علي القرءة والمعرفة باستمرار .ولقد كانت النقلة الكبري في حياته عندما قرا عن مسابقة طرحتها أحدي المؤسسات العلمية حول "هل ساعدت العلوم والآداب علي إفساد الأخلاق أم علي تنقيتها ؟! " وبالفعل قدم بحثا في هذا الموضوع ونال عنه جائزة خاصة ؛إذ اكد في بحثه علي التأثير السييء للعلوم والآداب (من وجهة نظره طبعا ) . ولقد دخل بعدها عالم الفكر والأدب بكل قوة ؛ وأثري المكتبة الفلسفية والتربوية بالعديد والعديد من الكتب ؛لعل أشهرها "العقد الإجتماعي " The Social Contract . وكتاب أميل Emile . وكتاب "الاعترفات " Confessions . ولقد توفي في 2 يوليو 1778 عن عمر يناهز 66 عاما تقريبا . وفي المساحة المتبقية من المقالة سوف نعرض لأهم كتابين له وهما :-
1- كتاب العقد الاجتماعي .
2- كتاب أميل
وسوف نبدأ أولا بكتاب
أولا :- العقد الاجتماعي
هو واحد من أهم الكتب التي أثرت في تاريخ البشرية ؛ كتبه الفيلسوف الفرنسي الشهبر جان جاك روسو (1721- 1778 ) خلال عام 1762 ؛ وكان هذا الكتاب هو الشرارة الأولي التي ألهمت قادة الثورة الفرنسية شعارها المعروف "الحرية ؛الإخاء ؛المساواة " وفكرة العقد الإجتماعي ليست جديدة علي الفكر البشري ؛فهي لها جذور قديمة ترجع إلي كونفشيوس (551-449 ق.م ) حكيم الصين العظيم ؛ فلقد ذهب إلي أن الحاكم مفوض من الله علي الأرض ليحكم وفق عقد يحدد نصوص هذا التفويض ؛ والطاعة واجبة للحاكم طالما احترم نصوص هذا العقد وإلا فالأفراد لهم حق الثورة ضده ؛ وتعمقت الفكرة أكثر عبر العصور علي يد كل من توماس هوبز ( 1588- 1679 ) وجون لوك ( 1632- 1704 ) إلي ان تبلورت في شكلها النهائي علي يد روسو ؛ومحتويات كتاب العقد الاجتماعي تنقسم إلي أربعة أجزاء رئيسية تحمل العناوين الآتية علي النحو التالي :-
1- في الميثاق الاجتماعي
2- في السلطان
3- في الحكومة
4- في كيف تسير الأمور في المدينة الفاضلة
ففي الميثاق الاجتماعي يؤكد روسو أن طبيعة البشر تجعله لا يتنازل عن حريته الا في مقابل أن ينال ميزة أكبر منها تعود عليه ؛وهذه الميزة هي البحث عن شكل للوحدة من شأنه أن يحمي كل شخص وأمواله ؛وهو لذلك يتنازل عن جزء من حريته لمصلحة الجماعة ؛ الجزء الثاني في السلطان فالمواطن خاضع للقوانين التي يقسمها بدوره إلي ثلاثة نوعيات هي :-
1- قوانين سياسية تحدد علاقة الحاكم بالشعب ؛وهو ما يعرف اليوم بالقانون الدستوري
2- قوانين تحدد علاقة الأفراد بعضهم البعض ؛وعلاقة كل منهم بالدولة وهي ما تعرف بالقوانين المدنية
3- قوانين تحدد علاقة الفرد بالقانون بحيث يعاقب كل من يخرج عن هذا القانون ؛وهو ما يعرف اليوم بالقانون الجنائي .
وذكر روسو في هذا الأطار نوع رابع هي القوانين غير المكتوبة ؛وهي منقوشة علي صدور الأفراد ؛وهو ما يعرف اليوم بالعادات والتقاليد .
أما الجزء الثالث من الكتاب فهو خاص بالحكومة ؛وهي الوسيط بين الشعب والسلطة ؛ وهي علي أنواع ؛فهناك السلطان الذي يفوض الشعب كله أو الجزء الأكبر منه في القيام بمهمة الحكم وهي ما نقول عليه الديمقراطية . وهناك الحاكم الذي يفوض مجموعة صغيرة متميزة ؛وهو ما يعرف بالحكومة الارستقراطية ؛وهناك من يركز الحكم في يد شخص واحد ؛وتلك هي الحكومة الملكية ؛ولا شك أن أفضل أنواع الحكومات هي الحكومة الديمقراطية . والوسيلة الوحيدة التي تدلنا علي نوع الحكم إن كان ملائما أم لا هي تحقيق ما أسماه روسو بالرخاء العام La Prosperite
الجزء الرابع والأخير من الكتاب فهو خاص بإدارة شئون المدينة ؛فهو يتم في الدول المختلفة علي صورتين :-
1- القرعة
2- الانتخاب
ونستطيع من وجهة نظر روسو أن نجمع بين الطريقتين ؛وذلك باللجوء إلي الانتخاب في الوظائف التي تحتاج إلي مهارة خاصة كالوظائف العسكرية ؛وإلي طريق القرعة في الوظائف التي لا تحتاج إلي ذوق سليم نزاهة وعدل
ثانيا :- كتاب أميل
أما الكتاب الثاني فهو أميل أو كما وصف بـ"دستور التربية الإستقلالية " وفكرة الكتاب جاءت الي روسو عندما طلبت منه أحد الأمهات وضع الأسس التي يجب عليها ان تتبعها في تربية طفلها ؛ وقد تصور نفسه مربيا خاصا لطفل من صنع خياله أطلق عليه أسم "اميل" وكتب هذا الكتاب لوضع الأسس التي يجب ان يتبعها المربي في تربية أطفاله ؛ "وكان ذلك عام 1762 "؛ ولقد أستفاد من هذه الأفكار كل علماء النفس والتربية في القرن التاسع عشر والعشرين . وسوف نورد بعض من هذه الأفكار بقدر ما تتسع المساحة المتاحة للمقال :-
+ ينبغي ان يكون هدف التربية الأول للطفل هو بناء الإنسان ؛ فهذه هي الغاية الأولي إلتي أرادها الله له قبل أن يكون طبيبا أو مهندسا أو محاميا .... ألخ
+ الدرس الأول الذي ألقنه لتلميذي هو "حب الحياة " والحياة ليست أنفاسا بل حركة ؛وحسن إستخدام لحواسنا وعقولنا و مواهبنا
+ لا تحتفظ بطفلك مجبوسا في حجرة خانقة ؛بل خذه إلي الخلاء كل يوم ... دعه يجري هنا وهناك؛ يسقط وينهض ؛ويسقط مرة أخري ... فكلما كثرت سقطاته كلما اقترب اليوم الذي يتعلم فيه كيف ينهض من سقطته ؛ ثم كيف يتجنبها .
+ علم طفلك ان لا يعتمد علي أحد من البشر ؛ دع رغباته تصطدم بالعقبات المادية أو الجسمية وحدها ؛ ولا يجب ان يحصل طفلك علي كل ما يطلبه ؛بل علي ما يحتاج اليه فقط .
+ من حق كل إنسان ان يعيش ؛ ولكن دون المساس بحقوق الآخرين ؛ فالذي يعيش في مجتمع يكون ملزما ان لا بعيش علي حساب الآخرين ؛
+يجب علي كل أنسان ان يؤدي للمجتمع عملا يساوي قيمة الرعاية التي يلقاها منه ؛ فالإنسان في المجتمع يجب عليه ان يعمل ؛ وكل من يمتنع عن العمل هو بمثابة طفل يعيش عالة علي المجتمع
+ الهدف الأكبر من تعليم طفلي ليس حشو ذهنه بمعلومات كثيرة ؛ بل تعليمه كيفية الإهتداء اليها ؛ في الوقت الذي يحتاج فيه اليها ؛ الهدف الثاني أن أعلمه كيف يزن تلك المعارف بقيمتها الحيقية ؛ الهدف الأخير أن يحب الحق فوق كل شيء .
+ التلميذ المثالي لا يحب الضجيج أو الشجار ؛ وهذه النزعة السلمية هي احدي نتائج تربيته الممتازة ؛ التي لم تثير فيه يوما غريزة حب الذات ؛ أو الغرور ؛ ... ومن ثم لم تشجعه علي ان يجد لذته في السيطرة علي الآخرين ؛ والإستمتاع برؤيتهم يتألمون ويتعذبون .. بل علي العكس من ذلك ؛ينبغي عليه أن يتألم حين يري آلام الغير ؛ وهذا شعور طبيعي فيه كإنسان !.