فاروق عطية
إسمه الكامل محمد أنور محمد محمد الساداتي، ولد في قرية ميت ابو الكوم منوفية في ديسمبر 1918م، لأب مصري هو "محمد محمد الساداتي" وأم أفريقية الأب مصرية الأم تدعي "ست البرّين"، وهي ابنة "خيرالله" أحد الذين وقعوا في أسر العبودية وساقه أحد تجار العبيد من أواسط إفريقيا إلى حيث باعه في أحد أسواق العبيد بدلتا النيل، وعندما ألغى نظام العبودية في مصر أعتقه مالكه وتزوج من مصرية."ورثت "ست البرين" كل التقاطيع الزنجية، التي أورثتها بالتالي لإبنها وكان هذا الإرث (لون البشرة والتقاطيع الزنجية) إضافة إلي إسم العائلة (الساداتي) مسببة للكثير من التعقيدات الدفينة في أعماق وجدان "أنور السادات". أنجبت "ست البرين" والدة السادات 4 أبناء (طلعت - أنور - عصمت - نفيسة). تزوج والده من أمه حين كان يعمل مع الفريق الطبي البريطاني . بعد سنوات قليلة من العمل مع الوحدة الطبية في الجيش البريطاني، أمرت هذه الوحدة بالتوجه إلى السودان عام 1914م.
كان أبوه قد شب وترعرع في قرية ميت أبو الكوم. هذه القرية التي طالما أشار السادات أنها لم تضع غشاوة على عقله، لكن جدته وأمه هما اللتان كانتا لهما السيطرة عليه في طفولته، وهما كانتا السبب الرئيسي في تكوين شخصيته التي عرفناها. فقد كان السادات يفخر بأن يكون بصحبة جدته الموقرة، تلك الجدة التي كان الرجال يقفون لتحيتها حينما تكون مارة رغم أميتها، إلا أنها كانت تملك حكمة غير عادية، حتى أن الأسر التي كانت لديها مشاكل كانت تذهب إليها لتأخذ بنصيحتها علاوة على مهارتها في تقديم الوصفات الدوائية للمرضى، في الحقيفة كانت جدنه ريفية طيبة عادية تبيع اللبن والزيد في الفرية.
وكثيرا ما ذكر السادات بإلحاح أن والدته وحدته كانتا تحكيان له قصصًا غير عادية قبل النوم، لم تكن قصصًا تقليدية عن مآثر الحروب القديمة والمغامرات أو حواديت الحن والسحر أو الأساطير المألوفة التي تحكيها الأمهات بل كانت قصصا وافعية عن الأبطال المعاصرين ونضالهم من أجل الاستقلال الوطني، مثل قصة دس السم للزعيم مصطفي كامل بواسطة البريطانيين الذين ارادوا وضع نهابة لنضاله ضد الاستعمار في مصر وخارجها. يفول أنه لم يكن يعرف شيئا في طفولته عن مصطغي كامل لكنه تعلم من خلال التكرار والحكي بوميا أن الاستعمار سيئ والبريطانيين أشرار يقتلون المناضلين بالسم. أيضا قصة زهران الملقب ببطل دنشواي من القصص الشعبية التي أثرت بعمق في وجدانه، خاصة وأن دنشواي لا تبعد عن ميت ابو الكوم إلا بثلاثة أميال. تلقى تعليمه الأولي في كتاب القرية على يد الشيخ عيد الحميد عيسى، ثم انتقل ألى مدرسة الأقياط الابندائية يطوخ دلكا وحصل منها علي الشهادة الابتدائية. والغريب أنه مولود في يوم الكريسماس وتلقي تعليمه الابندائي بمدرسة مسيحية ولكنه لم يُكِّن أي ود للمسيحيين شركاء الوطن بل أمعن في إذلالهم عندما آلت إليه السلطة !!
عاد والده من السودان بعد أن فقد وظيفته هناك علي إثر اغتيال السير لي ستاك (20 نوفمبر 1924م) وما ترتب عليه من سحب القوات المصرية من السودان. زوجته أمه فتاة تناسب الحياة القاهرية وإسمها "فطوم". إنتقل "محمد محمد الساداتي" وزوجته الثانية "فطوم" الي شقته الجديدة بكوبري الفبة سنة 1925م، وبعد سنة استدعي عائلته (والدته أم محمد وزوجته ست البرّين وأولادها) كي يعيشوا معه، كان عمر "أنور" حينذاك ست سنوات. كانت الشقة ذات أربعة حجرات واحدة لرب البيت وزوجنه الجديدة "فطوم" والثانية للجدة "أم محمد" والثالثة "لست البرّين وأولادها الأربع" والحجرة الرابعة تركت للضيوف كعادة القرويين حين انتقالهم للبندر. في ذات يوم زارهم بعض الضيوف ومعهم إبنة بيضاء البشرة في الربيع الثامن عشر من عمرها اسمها "أمينة الوروري"، سرعان ما افتتن بها رب الأسرة وتزوجها، واحتلّت الحجرة الأولي مع رب الأسرة وانتقلت فطوم إلي حجرة الضيوف. أنجبت أمينة لزوجها 9 من الأطفال.
لم تكن حياة "أنور" في هذا المنزل الصغير مريحة حيث أن دخل الأب كان صغيرًا للغاية، وكان طوال هذا الوقت يفتقد حياته في القرية ويشعر بالحنين لحريته فيها، وكان أكثر ما يقض مضحيعه أن يرى أمه في مهانة لا تقل عن مهانة أبيها في زمن العبودية. لقد أصبحت هي خادمة هذا البيت كله بما فيه من أعداد، وعندما كانت تقصّر في الخدمة أحياناً كان زوجها (محمد محمد الساداتي) لا يتردد في ضربها أمام أولادها وأمه غيرها من الزوجات. كانت حياة قاسية التي بعيشها "أنور" مفارنة بحياته في الفرية حيث كان الإبن الثاتي لزوجة واحدة فأصبح منيوذا لا يهتم أحد بأمره وسط هذا الزحام وقلّة الموارد المتاحة.
كان "أنور" يتبع خطوات أخيه "طلعت" التعليمية، واثناء دراسته الثانوية يمدرسة فؤاد الأول الثانوية وقع له حادث (لم يذكر كنهه وتفاصيله) أثر في حياته وفُصِل بسببه من مدرسة فؤاد الأول، فالتحق بمدرسة أهلية. وظل أنور يعاني من الفقر والحياة الصعبة إلى أن استطاع إنهاء دراسته الثانوية سنة 1936م في نفس السنة التي أبرم فيها مصطفي النحاس باشا معاهدة 1936م مع بريطانيا، وبمقتضى هذه المعاهدة حصلت مصر على استفلالها وسمح للجيش المصريالاتساع، وبذلك أصبح في الإمكان أن يلتحق "انور" بالكلية الحربية حيث كان الالتحاق بها فاصرا على أبناء الطبقة العليا،
استعان والده "محمد محمد الساداتي" بعلاقته القديمة بالدكتور الإنجليزي "فنز باتريك"الذي كان يخدم معه بالوحدة الصحية بالجيش البريطاني وفد أصبح الآن رئيسا للفسم الطبي بمستشفي الجيش البريطاني بالقاهرة، وحصل منه علي بطافة تزكية لدخول ابنه الكلية الحربية، وفي صباح أحد الأيام انتظرا بالفرب من باب وزارة الحربية الفديمة حيث اعترضا وكيل الوزارة قبل دخولة وفدما له بطاقة التزكية وبذلك تمكن من الالتحاق بالكلية الحربية عام 1937م وتخرج بعد تسعة شهور من الدراسة وذلك بسبب الحاجة الملحة لأعداد كبيرة من الضباط لتوسع الجيش بعد المعاهدة وتخرج برتبة ملازم ثان وألحق يسلاح المشاة 1938م. تم تعيينه بمعسكر منقباد جنوب مصر.
حبه للتمثيل ورغبته الملحة أن يكون ممثلا وانبهاره بالجيش الألماني وانتصاراته المتوالية جعلته يتفمص دور الضابط الألماني. حلق شعره كاملا على طريقة الضباط الألمان واشترى "مونوكول" راح يضعه على إحدى عينية كما اشترى عصا صغيرة كان يضعها تحت إبطه حين يمشى، ورأى والده أن إبنه في حاجة إلى زوجة مناسبة أكثر من حاجنه لحلق الشعر والمونوكول والعصا، واختار له إبنة عمدة قرية ميت ابو الكوم واسمها "اقبال ماضي"، التي أنجبت له بناته الثلاث رُقية وراوية وكاميليا.
في معسكر الجيش الرئيسي لصعيد مصر بقرية منقباد (أسيوط) إلتقي أنور بجمال عيد الناصر لأول مرة. يذكر السادات في كتابه "البحث عن الذات" أنه كان في تلك الفترة الأكثر نضجا وتحمسا لقضايا الوطن عن زملائه الذين كان ينقصهم الوعي السياسي، وأنه كان يبزل الجهد في توعيتهم خلال مناقشات طويلة معهم كي يفتح عيونهم على حقا\ق الوضع السياسي في مصر بصغة عامة ووضع الاحتلال البريطاني بصفة خاصة، ولكن الذين عرفوه في تلك الحقبة يؤكدون أنه كان بارعا في الغناء والتمثيل وتقليد الرؤساء من الضياط، وكانت هذه المواهب لضفي عليه بعضا من الشعبية والشهرة بينهم.
في أوائل 1939م اختارته القيادة للحصول على فرقة إشارة بمدرسة الإشارة بالمعادي، في عام 1940م نقل أنور إلي سلاح الإشارة، مع بدايات الحرب العالمية الثانية، لم تكن مصر مشاركة في هذا الصدام العالمي الكبير ولكن وجود جيش بريطاني كبير على التراب المصري جعلها في يؤرة الصراع وواحدة من أهم ميادين هذه الحرب. في بلك الفترة نقل أنور السادات كضابط إشارة إلى مرسى مطروح. أراد الجيش البريطاني الاستعانة بالجيش المصري في الحرب ضد الألمان. أعلن علي ماهر رئيس الوزراء إعلان تجنيب مصر ويلات الحرب وأقره البرلمان المصري بالإجماع، وبناء عليه صدرت الأوامر للجبش المصري بالانسحاب من مرسى مطروح الأمر الذي أغضب الجيش البريطاني، وطلبوا من الضباط المصريين تسليم أسلحنهم قبل الانسحاب من مواقعهم. ثارث ثورة الضباط ورفضوا تسليم أسلحتهم حتى لو أدى هذا الأمر لمحاربة اإنجليز، مما اضطر القادة ا‘نجليز للرضوخ.