( 330 أو 340 تقريبا – 408 م )
وقصة ديره الأثري بالبراموس
بقلم/ماجد كامل
يعتبر القديس القوي الانبا موسي الأسود من أشهر قديسي التوبة في كل العصور ؛ فهويعتبر رمز قوي للتحول الكامل من حياة الشر والجريمة إلي حياة الطهارة والنقاوة . تاريخ ميلاده غير معروف علي وجه الدقة ؛فهو يقع ما بين أعوام 330 ؛340 م ..... من أصل أثيوبي "وقيل أيضا نوبي " ولعل هذا هو السبب في لقب "الأسود " الذي أشتهر به ... ويبدو أنه كان عبدا لشيخ قبيلة تعبد الشمس .لكن سيده من فرط شروره طرده من خدمته ؛فأشتغل بأعمال النهب والقتل .وساعده علي ذلك أنه كان يتمتع بقوة بدنية كبيرة ؛ وبسبب هذه المؤهلات صار رئيس عصابة قطاع طرق . ولكنه وسط كل هذه الشرور التي كان يفعلها كان يشعر في قرارة نفسه بالعار والخجل ؛وكان يناجي الشمس قائلا (أيتها الشمس ؛إن كنت أنت الإله فكلميني ؛وإلا أخبريني من هو الإله الحقيقي ) وذات يوم سمعه إنسان مسيحي وهو يناجي الشمس فقال له "أذهب إلي برية شيهيت بوادي النطرون وهناك تجد قوما يعبدون الإله الحقيقي ". فتوجه إلي برية شيهيت حاملا سيفه معه ؛و هناك تقابل مع القديس ايسذوروس قس القلالي . وعندما شاهده القديس سأله (ماذا تريد ياأخي ؟ ) أجابه موسي (قد سمعت أنك عبد الله الصالح ؛ومن أجل هذا هربت وأتيت إليك لكي ما يخلصني الإله الذي خلصك ) فسأله القديس ( ومن الذي أتي بك إلي هذا الموضع ؟ ) أجابه (أحد المزارعين أخبرني عنك ؛وقال لي أمض إلي أنبا ايسذوروس فهو يساعدك علي خلاص نفسك ) .. . فأخذ القديس يسأله عن حياته ؛فأعترف له تفصيليا بكل ما فعله من شرور وآثام . فقام القديس ووعظه وكلمه عن العذاب الأبدي المنتظر للأشرار ؛فأرتعب موسي من كلامه . وأخذ يبكي بمرارة أمامه وطلب منه الصلاة لأجله لكي يغفر الله له كل ما فعله من جرائم ؛فأصطحبه القديس |إلي القديس العظيم مكاريوس الكبير أب برية شيهيت كلها ؛وأمامه أعترف موسي تفصيليا بكل جرائمه بصوت عال في توبة ودموع ؛ فأحتضنه القديس مكاريوس وتولاه برعايته وأخذ يعظه ويعلمه برفق ؛ثم سلمه إلي القديس الانبا ايسيذوروس لكي يتبناه ويرعاه . وبعد فترة طلب موسي من القديس ايسيذوروس أن يصير راهبا مثلهم ؛ فشرح له القديس صعوبة حياة الرهبنة ونصحه أنه من الأفضل له أن يذهب إلي المدينة ليعيش فيها ؛ فبكي موسي أمامه وتوسل إليه بدموع أن يقبله في حياة الرهبنة ؛وهنا أرسله القديس مرة أخري إلي القديس مكاريوس الكبير وأخبره برغبة موسي الأسود في الرهبنة ؛فوقف موسي في الكنيسة أمام الرهبان كلهم وأعترف بجميع جرائمه علنا ؛وكان القديس مكاريوس أثناء الاعتراف يري لوحا عليه كتابة سوداء .وكلما أعترف موسي بخطية مسحها الملاك حتي إذا أنتهي الاعتراف وجد اللوح قد صار أبيض كله . وبعدها ألبسه القديس زي الرهبنة ؛وبعدها واظب موسي علي الصلاة والصوم والجهاد ضد الأفكار الشريرة .وذات ليلة قام أربعة لصوص بالسطو علي قلايته " صومعته الخاصة للصلاة ؛والقلاية كلمة يونانية معناه الصومعة ومنها جاءت كلمة Cell باللغة الانجليزية بمعني خلية " فتصارع معهم موسي الأسود حتي أنتصر عليهم جميعا ؛وربطهم في ربطة واحدة وحملهم إلي الكنيسة – وهذه القصة تدلنا علي مدي صخامته وقوة جسده- وداخل الكنيسة عرفهم بنفسه ؛وأنه هو نفسه موسي رئيس العصابة التائب ؛ وعندها بكي اللصوص الأربعة وطلبوا التوبة هم أيضا . وبعد ذلك طلب الرهبان أن يرسموه قسا ؛فتوجهوا إلي البابا ثيؤفيلس البطريرك ال23 من بطاركة الكنيسة القبطية بمدينة الإسكندرية ؛ وطلبوا منه رسامة الراهب موسي قسيسا ؛فوافق البطريرك عندما سمع عن جهاده ؛ولكنه قبل الرسامة أراد أن يختبره اختبارا معينا ؛ فعندما توجه للرسامة قال له البابا ( أخرج من هنا يا أسود اللون ) فخرج موسي حزينا ؛ولكن البابا أرسل وراءة شماسا لكي يري ما هو رد فعله ؛ فسمعه يخاطب نفسه قائلا ( لقد فعلوا بك ما تستحقه لأنك لست إنسانا ؛ وقد تجرأت علي مخالطة الناس .وحيث أنك أسود اللون فلماذا تجلس معهم ) فأستدعاه البطريرك مرة أخري ؛وقام برسامته قسا . وبعد أن ألبسوه الثوب الأبيض الخاص بالقساوسة ؛داعبه أحد الرهبان قائلا (ها قد صرت كلك أبيض يا موسي ) فرد عليه موسي من خلف دموعه ( ليت هذا يكون من الداخل أيضا كما هو من الخارج أيضا ).
وذات يوم هجم البربر علي الدير فطلب الرهبان من القديس موسي الأسود الهروب والنجاة بحياته ؛ فرد عليهم ( منذ زمن طويل وأن أنتظر هذا اليوم لكي يتم في قول السيد المسيح من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخذ ) ورفض الهروب ؛فهجم البربر علي الدير وقتلوه هو ومن كان معه من الرهبان ؛ وكان استشهاده في يوم الرابع والعشرين من شهر بؤونة الموافق 1 يولية عام 408 م وكان يبلغ من العمر ما بين الثامنة والسبعين أو الثامنة والثمانين تقريبا . وهو يعتبر أول شهيد في الأسقيط "الأسقيط كلمة يونانية معناها حياة النسك ؛ومنها جاءت كلمة ascetic باللغة الإنجليزية ومعناها النسك أو الزهد أو التقشف " . وجسده محفوظ حاليا في أنبوبة بدير البراموس العامر بجانب مرشده ومعلمه القديس الانبا ايسيذوروس في أنبوبة أخري . أما عن سبب تسمية دير البراموس فلقد تعددت الأراء وتنوعت نذكر منها :-
1- هناك رأي يقول أن أصل التسمية ترجع إلي "البار موسي " ولكن هذا الرأي ضعيف لأن معظم الأديرة أخذت أسمها من اللغة القبطية وليست العربية
2- هناك رأي آخر يرجع أصل التسمية إلي مقطعين ؛ المقطع الأول هو "بارا" باللغة اليونانية ومعناه "قبل " والمقطع الثاني هو "موسي " مع إضافة أداة التعريف "ال" العربية فيكون معني التسمية هو "ما قبل موسي " أي الدير الذي يقع قبل دير الأنبا موسي
3- الرأي الثالث يرجع أصل التسمية إلي "بارميؤس " " pa- Romeos " ومعناه "الخاص بالروم " نسبة إلي القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس الذين ترهبا في ذلك الدير وهذا الرأي هو أرجح الأراء .
ولقد أقام الانبا موسي الأسود ديرا سمي علي أسمه وكان رئيسا لما يزيد عن 500 راهبا ؛وأشار إلي هذا الدير العلامة المقريزي في كتاب الخطط حيث قال ( دير موسي ] =برموس [ ويقال "أبو موسي الأسود " ويقال "برمئوس " وهذ الدير لسيدة برمئوس "فبرموس " أسم الدير . وأبو موسي الأسود :كان لصا فاتكا قتل مائة نفس ؛ثم أنه تنصر وترهب ؛وصنف عدة كتب ؛وكان ممن يطوي الأربعين في صومه ؛وهو بربري ( تاريخ الأقباط المعروف بالقول الأبريزي للعلامة المقريزي دراسة وتحقيق عبد المجيد دياب ؛دار الفضيلة ؛ص 179 ؛180 ) كما ذكر أندريوسي Andreeossy وهو من علماء الحملة الفرنسية الذين شاركوا في وضع موسوعة "وصف مصر " في مذكراته ( أنه علي بعد ثلاث أو أربع رصاصات من طلقات البندقية ؛يري طلل موحش وهو بقايا عشر أو أثني عشر عمارة للعبادة مهدومة . كل واحد منها علي مساحة قليلة من جارتها ؛ومن بينها الدير الذي يقال له دير موسي الأسود ) .
كما ذكر القس عبد المسيح صليب المسعودي البراموس في كتابه "تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين " أنه عثر علي مخطوط آثري في دير البراموس وبه وردت هذه العبارة (السلام لك يا قديس الله أنبا موسي الذي أعطاك الله الكهنوت واجتمع عندك خمس مئة راهب بدير البراموس ) ( الكتاب المذكور – دير البراموس – الطبعة الثانية أغسطس 1999 ؛ص 59 ) . وفي كتاب تاريخ البطاركة نقرأ في سيرة البابا بنيامين الثاني البطريرك ال 82 من بطاركة الكنيسة القبطية (1327- 1339 ) أنه زار أديرة وادي النطرون خلال أسبوع الصوم المقدس عام 1330 حيث ورد في السيرة (وفي يوم الأربعاء ذهب إلي دير ابائنا الروم المعروف ببرموس ودخل إلي البيعة المقدسة وسجد أمام الهيكل وتبارك من الآثار الشريفة والجسد الطاهر الذي لأبينا القديس الأنبا موسي الأسود . ولما كان باكر النهار قصد دير السيدة ) كما جاء في سيرة البابا غبريال الرابع البطريرك ال 68 من بطاركة الكنيسة القبطية ( 1370- 1378 ) انه في يوم الثلاثاء بعد عيد القيامة المجيد عام 1374 م وبعد نهاية عمل الميرون المقدس توجه إلي دير برموس فتلقاه رهبان الدير المذكور ورهبان سيدة برموس كالعادة ؛ودخل دير برموس وصلي فيه صلاة التاسعة . وخرج من دير برموس وتوجه إلي دير سيدة برموس وصلي صلاة الغروب .
ويذكر أيضا الأمير عمر طوسون في كتابه "وادي النطرون ورهبانه وأديرته ومختصر تاريخ البطاركة " وقد صدرت له طبعة حديثة عن مكتبة الأسرة عام 2009 ( المجموعة الرابعة تتألف من ديرين أحداهما واقع علي مسافة 8 كيلو مترات من الشمال الغربي ؛وهو دير منعزل معروف في زماننا هذا بدير البراموس . وهو في الحقيقة دير السيدة براموس . أما الدير المسمي بالأسم الأول فهو دير الروم الذي كان يسمي أيضا باسم رئيسه الأنبا موسي .وهذا الدير الأخير متخرب وأطلاله لا تزال باقية إلي الآن علي مسافة قصيرة من الجهة الشمالية الشرقية لدير السيدة براموس .وقد وضعنا علي أطلاله لوحا مكتوبا عليه أسمه ) ( ص 58؛59 من الكتاب المذكور ) ولقد قدم الأمير عمر طوسون أيضا تقريرا عن أديرة وادي النطرون رفعه لمرقس باشا سميكة مؤسس المتحف القبطي في 27 سبتمبر 1931 ؛ونشر في مجلة الكرمة عدد شهر نوفمبر وديسمبر 1931 قال فيه ( الأديرة المتهدمة التي استكشفناها إلي الآن هي سبعة وعشرين ديرا يضاف اليها أربع خرابات لا نظن إلا أنها آثار قديمة .فتكون واحد وثلاثين ديرا يضم اليها أربعة الأديرة العامرة الآن فتكون جملتها خمسا وثلاثين ديرا . وهذا العدد يقرب من العدد الذي ذكره الأب شينو في كتابه الفرنسي "قديسو مصر ج2 ص215 " حيث يقول أن عدد الأديرة بوادي النطرون في وسط القرن العاشر الميلادي كان سبعة وثلاثين دير ) . وعلي كل حال فلقد أدمج الديرين فيما بعد في الدير المعروف حاليا ب"دير السيدة العذراء – براموس " .