المفكر العربى علي محمد الشرفاء الحمادي
إذا كان الله سبحانه وتعالى قد منح الناس حق اختيارهم الكفر أو الايمان بمنتهى الحرية، وإذا كان الحق سبحانه وتعالي قد حذر من عدم إكراه الناس على الإيمان بالله تأكيدًا لقوله مخاطباً رسوله الأمين:
(وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ) (يونس: ٩٩)، ولقول الله سبحانه وتعالي: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر) (الكهف: ٢٩)، فهل من المنطق بعد أن منح الله للإنسان الحرية المطلقة في اختيار دينه وعقيدته بأن يؤمن إن شاء أو أن يكفر، هل من المنطق والحال هذه، أن يكره المرأة على لبس الحجاب؟
وكيف يعطي الله سبحانه، للإنسان الحق ومطلق الحرية في الإيمان به، ثم يكرهه على لبس الحجاب؟؛ وهل الحجاب أعظم عند الله من الايمان به؟.. وحينما أمر الله رسوله عليه السلام في قوله سبحانه وتعالي: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (الاحزاب: ٥٩).
فذلك وعظ وتذكير من الله للرسول، هدفه حماية الأنثى من الاعتداء عليها والتحرش بها وما سيصيبها من أذى حفاظاً على أمنها وإبعاد شر الذكور عنها رأفة بها: فالله يعلم غريزة الإنسان، وتمكن الشيطان من نفسه، وما تدفعه له غريزته المنفلتة التي لم ترب في الذكور قيم الأخلاق وحرمة الاعتداء على الناس وتربيتهم على ثقافة القرآن وما يدعو اليه من تقديس حق الانسان في الحياة وتحريم الاعتداء عليه بكل السبل.
وذلك أمر متروك للمرأة ولديها كل الحق في حرية الملبس ولا يعطي عدم ارتداء الحجاب مبرراً لأي إنسان ليتجاوز شريعة الله وليقتل بريئاً بدم بارد ضارباً بعرض الحائط أمر الله تعالى في قوله سبحانه: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلونَ) (الانعام: ١٥١).
ويظل السؤال المحير هنا هو كيف تحولت جريمة قتل هي ذنب عظيم وإزهاق روح الإنسان برغبة عاطفية جارفة دافعها غريزة شيطانية ليقتل إنساناً بريئاً، كيف تحولت هذه الجريمة إلى فضيلة؛ والغريب أن يخرج علينا بعض من يدعون العلم فيحرضون ويبررون القتل بتخلي القتيلة عن الحجاب؟
فمن أي كتاب شيطاني استقى هؤلاء علمهم، وعلى أية شريعة مجرمة استندوا؟ وكيف غابت عقولهم عن شريعة الله التي أساسها الحرية المطلقة للإنسان دون الاعتداء والإضرار بالناس، فليلبس الإنسان كما يشاء في إطار اتباع رحمة الله بألا تستدرج المرأة أهل الشر وأهل النزوات.ولا علاقة للحجاب بقضية الجريمة على الإطلاق، ولا يعتبر عدم لبس الحجاب مبرراً لقتل الإنسان، فمن أطلق هذا المبرر فقد اعتدي على شريعة الله في حق القصاص من المعتدي؛ حتى القاتل المجرم لم يتخذ الحجاب سبباً للقتل والإجرام.
لقد تمادى شيوخ الدين في تشويه رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل والإحسان والمعاملة الطيبة وتحريم العدوان بكل أشكاله المعنوية والمادية، فما بالك بمن يعتدي على شرع الله !!!... ولماذا يقتصر توضيح أهداف رسالة الاسلام وشريعة الله التي تضمنها القرآن على نفر سموا أنفسهم “شيوخ الدين”، واحتكروا معرفة مقاصد الآيات وحرفوا أهدافها بعد أن هجروا القرآن وجعلوا الروايات تطغى على الآيات، وجعلوا كلام البشر فوق كلام الله الذي اختتم رسالته في حجة الوداع حينما بلغ رسوله الناس عليه السلام بقول الله سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: ٣)، وبقول الله سبحانه: ( وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ ) (الانعام: ١١٥).
لقد أعلن الرسول عليه السلام بكلمات كالشمس واضحة دون تضليل وتبديل قبل وفاته، بأن الله يبلغ الناس بأن رسالته في الكتاب المبين قد اكتملت، ولا يمكن لأي مسلم بعد وفاة الرسول عليه السلام أن يؤمن بأي قول أو رواية نطقها الرسول بلسانه عن ربه كما قال سبحانه: (فَإِنَّما يَسَّرناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَومًا لُدًّا) (مريم: ٩٧)، ولذلك فعلى المسلم أن يرفض كل الأقوال البشرية والروايات الشيطانية المفتراة على الرسول بعد وفاته، وبعد ما بلغ الناس باستكمال رسالته.
فهل يا ترى أنزل الله رسلاً آخرين على خلقه بعد ما بلغ الناس بأنه أكمل رسالته، وبأن جبريل لن ينزل مرة أخرى على عباده، وبعد أن تم اعتماد القرآن من الله دستورا الهيا للبشر وخارطة طريق لحياتهم تهديهم الى طريق الحق والعيش الكريم فى ظل الأمن والسلام والاستقرار والتمتع بنعم الله ليحيا الانسان حياة طيبة ويحقق الله له وعده يوم القيامة بمجازاته جنات النعيم؟
فاتقوا الله يا من تدعون العلم والفقه، في أنفسكم أولا وفيمن تخدعونهم بافتراءاتكم فلم يخولكم الله أن تكونوا وكلاء عنه في الأرض، وأخشى ما أخشاه عليكم أن تكونوا وقوداً للنار يوم الحساب بما افتريتم على الله، وباتباعكم روايات الشياطين وإعراضكم عن آيات الذكر الحكيم؛ وحذار، أيها الكهنة وأيها المدعون للعلم والمعرفة، حذار من أن تخدعوا أنفسكم ولا ترجعون إلى الحق وإلى كتاب الله وشرعته ومنهاجه المبين في كتابه الكريم.