زهير دعيم
عندما يتناغم الحجَرُ والبَّشر على وترِ المحبّة تحلو المساءات .
وحينما يسيرُ مجد القديم في الطّرقات ومع النتشات الجميلة يدًا بيد تحلو السَّهرات.
وحينما يتعانق أبو جُبران وأبو محمد والدكاترة والمربيّات وأمّ رزق عناق الأخوة الحقيقيّة تعلو الأُغرودات.
وعندما نضع – كما العادة – عبلّين في القلب وبالذّات في الحَيِّ القديم تصحو الأمنيّات وتستفيق على إيقاع " طشّة ونتشة " ؛ هذا العمل المجتمعيّ الجميل والذي شدّني وأثَّر فِيَّ ، كما أثَّرَ في المئات من العبالنة الذين اجتمعوا في الحيّ القديم الذي يربط الكنيسة بالجامع القديم ، فتذوّقوا البطاطا المشويّة على وقع طبول الكشّاف الارثوذكسيّ العبلّيني الهازج ، نعم ...أولئك العبالنة الذين راحوا يجوبون ساحات الحارة الدافئة والعابقة بشذا المحبّة والجيرة الحَسَنة ، يتمتعون بالمذاقات الجميلة والابداع الرائع والرقصات والاهازيج على وقع العود وغناء المطرب الجميل النصّراوي بشارة ذيب ، ويستمتعون بعمل مَن تجعل شَعْر الأطفال جدائل غَنَجٍ وضفائر غَزَل ، ومن يزرع الزّهرة الهامسة في بوتقة صغيرة ، ومن تَعزف على السكسوفون ألحانًا عذابًا ، ومن يعمل على إسالة اللُّعاب بهريسة طيّبةٍ حلوة المذاق يطير فوْحُها ويتواصل مع ترنيمات عذبة آتية من البيت القديم لجارنا الدكتور منير نشاشيبي ، فيُصفّق تولستوي أو يكاد من معرض الكتاب القريب يؤازره تارة دوستويفسكي وأخرى جبران وشلّة من أدباء العرب والعالم ...
لقد عادت الحارة الجميلة – حارتنا - تزهو من جديد وترفل بثياب المجد ، يُزيّنها كاهن جميل هنا وشيخ جميل هناك ، في حين راحت الطفولة المغناج تسرح وتمرح وتتذوّق وتلعب.
فكرة رائدة " طشّة ونتشة " أطلقتها وعملت على تنفيذها الجمعية الغيورة والراقية بشبابها وشابّاتها : جمعية " عبلّين في القلب " مع أُطر وجمعيات عبلّينيّة كثيرة زرعت البهجة في القلوب ، ورفعت معنويات المواطنين المرفوعة أصلًا على روابي المحبة وحسن الجيرة ... فكرة أطلقتها ونفّذتها في الحيّ القديم الغافي في حضن الهدوء والسَّكينة والذي يصرخ بهمس الى رئيس مجلسنا المحليّ الأخ الغالي مأمون شيخ أحمد قائلًا : بمقدوركَ أن تفعلها !
فتستثمر في هذا الحيّ الجميل والعريق ، فتحفظه وتحافظ عليه بل وتُلوّنه وترصف ارضيته كما يفعل الأوروبيون في حاراتهم العتيقة بالرّصف الجميل ، وتعمل ولو على مراحل على تخصيص الميزانيات – وعلى قدر الطّاقة – للإبقاء على هذا المجد الأثيل فترعاه وتدعمه وتحفظه سالمًا ؛ هذا الحيّ الذي اجتذب قبل سنتين فقط مخرجًا يهوديًّا ليصوّر الكثير من مشاهد فيلمه فيه .
لقد تجولتُ برفقة الأب الفاضل سابا الحاج فكان المسار عبارة عن لوحة جميلة تعبق بشذا الحياة وقصيدةً عطرة تفوح فيُردّدها الحاضرون قائلين :
أكثروا منها ومن أمثالها؛ ازرعوا حارتنا في هذا الزمن العابس ، ازرعوه بهجة وأملَا وأحلامًا ، وأعيدوا التاريخ المجيد ليتمشى بشموخ فينا وبيننا.