محرر الأقباط متحدون
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان أساقفة وكهنة صقليّة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال يتطلب تغيير العصر الذي نعيشه خيارات شُجاعة، ينيرها تمييز الروح القدس. وهذا التغيير يمتحن بقساوة الروابط الاجتماعية والعاطفية بشكل خاص، كما أظهر الوباء ذلك بشكل أكثر وضوحا. إن الموقف المسؤول الذي يجب أن نعيشه به، كما هو الحال في المراحل التاريخية الأخرى، هو أن نقبله بوعي ونتحمّل بثقة مسؤولية الواقع، الراسخ في التقليد الحي والحكيم للكنيسة، التي يمكنها أن تسير إلى العرض بدون خوف.
تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ صقلية ليست خارج هذا التغيير؛ في الواقع، كما حدث في الماضي، فهي تجد نفسها في قلب المسارات التاريخية التي ترسمها الشعوب القارية. فقد قبلت في كثير من الأحيان عبور هذه الشعوب وقبلتها وأدخلتها في نسيجها، وطوّرت ثقافتها. هذا لا يعني أنها جزيرة سعيدة، لأن كونها جزيرة يؤثِّر بشكل عميق على المجتمع الصقلي، ويسلط الضوء في النهاية على التناقضات التي نحملها في داخلنا. لذلك نشهد في صقلية على تصرفات تتميز بفضائل عظيمة بالإضافة إلى فظائع وحشية. كذلك، إلى جانب روائع الجمال الفني الرائع، يمكننا أن نرى مشاهد إهمال مروع. وبالطريقة عينها أمام رجال ونساء ذات ثقافة عظيمة، يهرب العديد من الأطفال والشباب من المدرسة ويبقون خارج حياة بشريّة كريمة. إنَّ الحياة اليومية في صقلية تكتسب ألوانًا قوية، مثل ألوان السماء والأزهار، والحقول والبحر، التي تتألق بقوة سطوع الشمس. وبالتالي ليس من قبيل المصادفة أن الكثير من الدماء قد أريقت على يد العنيفين وإنما أيضًا من أجل المقاومة المتواضعة والبطولية للقديسين والصالحين، خدام الكنيسة والدولة.
أضاف الأب الأقدس يقول يشهد الوضع الاجتماعي الحالي في صقلية تدهوراً حاداً منذ سنوات؛ ومن المؤشرات الواضحة تهجير الجزيرة من السكان، بسبب انخفاض الولادات والهجرة الجماعية للشباب. إنَّ انعدام الثقة في المؤسسات قد وصل إلى مستويات عالية، وخلل الخدمات يثقل كاهل الممارسات اليومية، على الرغم من جهود الأشخاص الصالحين والصادقين الذين يرغبون في الالتزام وتغيير النظام. لذلك من الضروري أن نفهم كيف وفي أي اتجاه تعيش صقلية تغيُّر العصر وما هي المسارات التي يمكن أن تسلكها، لتعلن، في التصدعات والمفاصل لهذا التغيير، إنجيل المسيح. إن هذه المهمة، التي أُوكِلَت إلى شعب الله بأسره، تطلب منا كهنة وأساقفة أن نقدم خدمة كاملة وشاملة وحصرية. وأمام هذا التحدي الكبير، تتأثر الكنيسة أيضًا بالوضع العام بأعبائه ونقاط تحوّله، وتُسجّل تراجعًا في الدعوات للكهنوت والحياة المكرّسة، ولكن وقبل كل شيء تباعد متنامي للشباب. إذ يواجه الشباب صعوبة في أن يجدوا مساعدة في الرعايا والحركات الكنسية في بحثهم عن معنى الحياة؛ ولا يرون فيها دائمًا الابتعاد الواضح عن طرق التصرف القديمة، الخاطئة وحتى اللاأخلاقية، لكي يسيروا بشكل حاسم في طريق العدالة والصدق. ومع ذلك، لم تغب في الماضي، ولا تزال حتى اليوم، أمثلةُ كهنة ومؤمنين عانقوا بشكل كامل مصير شعب صقلية: كيف يمكننا أن ننسى الطوباوي الأب بينو بوليزي وروزاريو ليفاتينو، ولكن أيضًا الأشخاص الأقل شهرة، النساء والرجال الذين عاشوا الأمانة للمسيح والشعب في جميع حالات الحياة؟ كيف يمكننا أن نتجاهل العمل الصامت والمثابر والمحب الذي يقوم به العديد من الكهنة في وسط الأشخاص المحبطين أو الذين لا يعملون، في وسط الأطفال أو المسنين الذين يعانون من الوحدة؟ لهذا السبب، لا يزال يُنظر إلى الكهنة في صقلية كمرشدين روحيين وأخلاقيين، وكأشخاص يمكنهم أيضًا أن يساهموا في تحسين الحياة المدنية والاجتماعية للجزيرة، وفي دعم العائلة وأن يكونوا مرجعًا للشباب. إن انتظارات شعب صقلية تجاه الكهنة هي عالية ومتطلبة.
تابع البابا فرنسيس يقول أمام إدراكنا لنقاط ضعفنا، نعلم أن مشيئة المسيح تضعنا في قلب هذا التحدي. ومفتاح كل شيء يكمن في دعوته، التي يجب أن نستند عليها لكي نسير إلى العرض ونلقي الشباك مرة أخرى. نحن لا نعرف أنفسنا حتى، ولكن إذا عدنا إلى الدعوة، فلا يمكننا أن نتجاهل ذلك الوجه الذي قابلناه وجذبنا خلفه، ووحَّدَنا به، كما يعلمنا تقليدنا عندما يؤكِّد أننا في الليتورجيا نتصرف بـ "شخص المسيح". لا يمكننا أن نحصر هذه الوحدة الكاملة وهذا التشبّه به، بالاحتفال الليتورجي وحسب، بل يجب أن نعيشه بالكامل في كل لحظة من حياتنا، متذكّرين كلمات الرسول بولس: "فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا في". إذا كانت المرارة وخيبة الأمل تسودان في مشاعر أهل صقلِّية بسبب المسافة التي تفصلهم عن أغنى مناطق البلاد وأكثرها تقدمًا وعن أوروبا؛ إذا كان الكثيرون، ولاسيما الشباب، يتطلعون إلى المغادرة لكي يجدوا مستويات معيشية أكثر غنى وراحة، في حين أن الذين يبقون يحملون في داخلهم مشاعر الإحباط؛ لهذا السبب، نُدعى نحن الرعاة لكي نُعانق حياة هذا الشعب بشكل كامل. دعونا لا ننسى أنبياء إسرائيل الذين بقوا أمناء للشعب لأمانتهم لإله العهد، وتبعوه إلى المنفى. وكذلك الحكماء والأتقياء الذين دعموا المؤمنين في الشتات. القرب، هذا ما دُعينا لنعيشه، من أجل أمانتنا لله، ومحبّة به نقترب من الآخرين حتى النهاية، إلى أقصى الحدود، عندما تقود إليهم ظروف العدالة والمصالحة والصدق والمغفرة. القرب والحنان والشفقة: هذا هو أسلوب الله، وهو أيضًا أسلوب الراعي.