اعتبر عسكريون ومراقبون اتفاق الحكومة مع المعارضة في ألمانيا على تخصيص 100 مليار يورو لتحديث قدرات الجيش "نقطة تحول" يُتوقع من خلالها أن تصبح برلين القوة الضاربة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوروبا، خلال السنوات المقبلة.

 
 
وقال المستشار الألماني أولاف شولتز، إن جيش بلاده سيكون أكبر قوة عسكرية تقليدية في أوروبا ضمن الناتو بعد التحديثات المقررة، وأوضح خلال تصريحاته بالمعرض الصناعي في هانوفر، أنه "سيجري تعزيز الجيش الألماني ليكون قادرا على أداء مهمته الدفاعية بشكل أفضل من أي وقت مضى"، وكذلك تقديم مساهمته لحلف شمال الأطلسي "حتى نتمكن من الدفاع عن أنفسنا ضد هجمات من الخارج، وهذا سيساعد في جعل ألمانيا وأوروبا أكثر أمانا".
 
وتأتي هذه الخطوة التاريخية في ألمانيا، بعد 3 أشهر من إعلان المستشار الألماني أمام البرلمان إنشاء الصندوق الخاص الذي يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للجيش، وتحديدا في 27 فبراير الماضي، أي بعد 3 أيام فقط من بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
 
ويتيح اتفاق الحكومة مع المعارضة على إنشاء صندوق للجيش بقيمة 100 مليار يورو، تحقيق هدف "الناتو" وهو إنفاق كل عضو 2 بالمائة من ناتجه المحلي الإجمالي على الدفاع.
 
قدرات كبيرة
وحول تداعيات خطوات التحديث التاريخية للجيش الألماني، قال مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، إن "هذا القرار نقطة التحول في سياسات المستشار شولز، وهذا أمر مهم للغاية إذ إن برلين منذ نهاية الحرب الباردة لم تمول ولم تهتم بالتزاماتها الدفاعية تجاه نفسها وتجاه الناتو بشكل صحيح".
 
مطالب بزيادة عدد الجيش الألماني إلى أكثر من 200 ألف
ألمانيا.. تحديث الجيش
وأضاف ألبيركي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "عدم وفاء ألمانيا بالتزاماتها الدفاعية أدى إلى تآكل الثقة في الحلفاء الآخرين، خاصة من الشرق، وبالتالي صندوق تحديث الجيش يجب أن يساعدها على القفز إلى الأمام في مجال بناء قدرات دفاعية وردع حقيقي".
 
ويعتقد المتحدث أن "هذا القرار يمهد لعودة الألمان إلى الساحة العسكرية في أوروبا، إذا تم تفعيله بشكل صحيح".
 
وشدد على أنه "من المشاكل التي تواجهها ألمانيا الافتقار إلى القدرات المؤسسية للتفكير الاستراتيجي والإنفاق لبناء قوة مشتركة ومتكاملة، ومن ثم برلين تحتاج إلى مساعدة خاصة من الولايات المتحدة لإنفاق تلك الأموال بحكمة".
 
في غضون ذلك، سيذهب الصندوق فقط إلى المشاريع التي لم تمول من قبل، وفق المسؤول السابق بالناتو.
 
العمود الفقري للحلف
وبشأن تأثير القرار على قدرات الناتو في أوروبا، أوضح ألبيركي أن ألمانيا قدمت "العمود الفقري" للدفاع عن الناتو في الحرب الباردة، في الوقت الذي قدم الأميركيون والبريطانيون والكنديون "العضلات"، وفق وصفه.
 
وشدد على أنه "يمكن لألمانيا وينبغي لها أن توفر قدرات دفاعية هائلة للدفاع عن بولندا ودول البلطيق، خاصة مع تحرك الناتو نحو مفهوم الدفاع الأمامي".
 
إصلاحات واسعة
وفي السياق ذاته، أوضح الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد منصور، أن قرار الحكومة الألمانية يتجاوب مع مطالبات وزيرة الدفاع، وما طالب به أيضا سابقا رئيس رابطة الجيش الألماني، برفع نسبة الإنفاق العسكري إلى 2 بالمائة، عوضا عن 1.5 بالمائة خلال الميزانية الحالية، لدفع عجلة تحديث القوة العسكرية الألمانية.
 
ويُتوقع أن تشمل خطة التحديث الجانبين التصنيعي والتسليحي، خاصة فيما يتعلق بسلاح المدرعات والقوة الجوية، كما ستسهم هذه الزيادة في تسهيل مهمة الاستدعاء المحتمل لنحو 20 ألف جندي احتياط ألماني خلال المدى المنظور، في حالة استمرار التدهور الحالي في شرق أوروبا، وفق منصور.
 
وأشارت تقارير ألمانية إلى تراجع القدرات العسكرية للجيش الألماني بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ إن أقل من 30 بالمائة من السفن الحربية تعمل بكامل طاقتها، بينما العديد من الطائرات المقاتلة غير صالحة للطيران.
 
ويرى منصور، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن المخصصات المالية الجديدة تعتبر حيوية لإصلاح البنية التسليحية للجيش الألماني، التي تعاني من قصور كبير خاصة في مجال الجو والبحر، ويمكن اعتبار هذا "مرحلة جديدة للقوة العسكرية الألمانية، لكن عملية التحديث ذاتها سوف تستغرق سنوات عدة، ربما يتم خلالها بشكل جذري إعادة تشكيل ميزان القوى الدولي على ضوء نتائج الحرب في أوكرانيا".