بقلم: لطيف شاكر
يقول ناصرالحزيمي المحرر في جريدة الرياض في جدة.: تعددت طرق إتلاف الكتب في تراثنا، إلا أنها لم تخرج عن أربع طرق معروفة ومعهودة:
أولاً: إتلاف الكتب بالحرق.
ثانياً: إتلاف الكتب بالدفن.
ثالثاً: إتلاف الكتب بالغسل بالماء والإغراق.
رابعاً: إتلاف الكتب بالتقطيع والتخريق.
في سنة 82 هـ أمر الخليفة سليمان بن عبدالملك بحرق نسخ مكتوبة ورد فيها ذكر الأنصار في غزوة بدر فأمر الخليفة بتقطيع الكتب وذلك بعد أن قتلهم وصلبهم وكانوا من المسلمين. في سنة 322 هـ قال ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) أحضر أبو بكر بن مقسم (وهو من النوابغ في عصره) ببغداد وقيل له إنه: (قد ابتدع قراءة لم تعرف وأحضر ابن مجاهد والقضاة والقراء، وناظروه فاعترف بالخطأ وتاب منه، وأحرق كتبه) يدعون اعترافه بالخطأ وتاب منه دون ذكر الخوف من الجلد او قطع العنق.
كان حرق الكتب سائدا بحجج الزندقة باعتناق الموروث المانوي في الثقافة الفارسية والالحاد وقد عرض الكتاب بعضا منها موقف الخليفة العباسي المهدي الشديد التعصب نحو المانويين، اتهمهم بالزنادقة فقتلهم وإتلف كتبهم، ولم يقبل منهم التوبة، من ذلك ما وقع على (ابن المقفع) من حرق كتبه وقتله قيل إنه زنديق، والزندقة كانت صفة ألصقت به لتبرير قتل المناهضين للخليفة! اتهمه الخليفة بالزندقة فأمر المهدي بقتله من جملة من اتهمهم بالزندقة فقتلهم وحرق كتبهم، لم تنته الاتهامات بالزندقة بنهاية هؤلاء من الانتقام منهم، بل اجتهد في القضاء على الموروث المانوي في الثقافة الفارسية.
ويقول الخزامي :في يقيني ان ليس هناك من عالم او شاعر وافق علي حرق كتبه، الا كان ذلك بدافع الخوف من الانتقام منه بالجلد او قطع الرأس بالسيف لاتهامه بالزندقة. بتعبير الزندقة قتل الكثير من المفكرين ومنهم الذي علق على جسر بغداد. لهذا فان المؤلف يسرد أحداثاً جمعها من كتب التاريخ، وأخبار إتلاف الكتب دون تعليق أو شرح، ويوثقها توثيقاً، فيورد أخبار ابن سينا الذي اتهم بالإلحاد، وكيف تاب وتصدق وصار يختم القرآن كل ثلاثة أيام، ويتبرأ من كثير من أفكاره، وكان يجب على الباحث أن يشير في هذا الصدد عن توبة ابن سينا بانها ذات الطريقة التي يتهمون بها الاحرار إلى اليوم بالكفر والإلحاد، وكيف ان الأفكار السلفية القديمة قد جرى استحداثا لتصبح سلفية جديدة في عصر الحداثة والواقع أن الكثير من الكتب قد أتلفت أو أحرقت شأن كافة الكتب الاخرى التي لم يرد ذكرها.
لدينا الكثير من التاريخ في تدمير المؤلفات الحرة التي تقدمت ازمنتها فكريا، وكتب التراث العربي غاصّة بالنصوص التي تعبّر عن هذا المعنى، ولا يعني بان ماجاء في كتاب (حرق الكتب في التراث العربي) الذي اشرنا اليه في المقال السابق هو الجامع. لكنً يعتبر هذا تذكير موجز، وغيض من فيض في محاربة الكتب في التاريخ البعيد والقريب. ومنه وعلي سبيل المثال احراق مكتبة الإسكندرية حيث جعلت كتبها العامرة شعيلا للحمامات لاربع سنوات وحرقها يعتبر اكبر كارثة حلت في تاريخ التدمير والحرق لانها كانت في زمانها من اكبر المكتبات في العالم. . ثم ابن رشد الذي إحرقت كتبه في الاندلس في عهد ملوك الطوائف. ثم جريمة صلاح الدين الأيوبي في تدمير المكتبة الفاطمية. ثم تدمير مكتبة المنصور في قرطبة في عام 1000. يرى التوحيدي في إحراق كتبه مثل الفقية الزاهد داود الطائي الذي يسميه (تاج الأئمة) الذي ألقى بكتبه في البحر، والزاهد المعروف يوسف بن أسباط الذي ألقم كتبه غاراً في جبل وسدّه عليها، وأبي سليمان الداراني الذي سجر كتبه في تنور وقال: (والله ما أحرقتك حتى كدتُ أحترق بك)، وسفيان الثوري الذي نثر كتبه في الريح بعد تمزيقها وقال (ليت يدي قطعت من ها هنا بل من ها هنا ولم أكتب حرفاً)، وأبي سعيد السيرافي الذي أوصى ابنه أن يُطعم كتبه النار.
كانت السلطات تمارس العنف نحو العلماء أنفسهم لهاذا كانوا يحرقون كتبهم بأيديهم بدءً من (أبو ذرا الحافظ) ثم (أبو السعود) و (الزاهد) و (الدارمي) و (الطائي) و (ابن جبير) و (الربعي) و (التوحيدي) و (القرطبي) وغيرهم من العلماء والمفكرين.
ويرى المؤرخون والباحثون أن من اسباب إتلاف الكتب أسبابا شرعية، ففي صدر الإسلام حيث كانت كل الكتب كما ذكر الكاتب ما عدا (القرآن) قد حرقت كتب ومكتبات بهذه الحجة ومنها مكتبة الاسكندرية التي كانت اكبر مكتبة في العالم وكما أورد الكاتب في كتابه جرت هذه حوادث الحرق حتى عام 913 هـ حيث لعب الخليفة ومن ثم السلطان ومن بعده الأمراء والعاملين على المصائر والأقوام؛ الدور الأساسي في إتلاف الكتب إما لأسباب أمنية خوفاً من الفتن كما يقولون أولاسباب دينية او لأسباب نرجسية كغرور بعض السلاطين أو لأسباب عصبية قبلية , فضلا عن الخلافات المذهبية التي دفعت بعض القائمين على السلطة إلى إتلاف كتب أصحاب الفكر الجديد أو المختلف، كما حدث مع أبو السعادات ابن قريا (الرافضي) الذي أحرق هو وكل كتب (الرافضية)، أو خوفاً من العلم الجديد كعلم الرياضيات أو الكيمياء أو الطب وهذا ما حدث مع الرازي وابن سينا الذين أحرقت السلطة بعضاً من كتبهم جهلاً وتعسفاً بما جاءوا به من علم . وآخرها وليس آخرا فان حكومة حماس حرقت قصص (قول يا طير) التي أحبها الاطفال الفلسطينيين كما فعل فجر الطالبان عام 2001 تمثال بوذا وأماكن تاريخيه فيها أبنية عمرها 3 آلاف عام.
كتب ناصر بن رجب من تونس مقالا رائعا في (تدمير الآثار جريمة في حقّ ذاكرة الإنسانية) ذكر ان ( حرق الكتب والمكتبات سنّة غير حميدة سار عليها إثنان من الخلفاء الراشدين. فقد أحرق عمر بن الخطاب صُحُفا جُمعت فيها أحاديث الرسول على ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى، إذ أورد : (إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها، أمر بتحريقها ثم قال "مثناة كمثناة أهل الكتاب") وذكر ايضا (أما عمر بن الخطاب فقد أمر بحرق مكتبة فارس، أي مكتبة ملوك الفرس التي كانت ولا شك تحتوي على ملايين الكتب!) لقوله لا كتاب بعد القرآن. اما مكتبة الإسكندرية فقد اخذوا جلود كتبها وصنعوا منها نعلا اما ورقها فقد جعلوا منه وقودا للحمامات استمر اربع سنوات كما روى الزمخشري. وقال ناصر بن رجب (وعندما أعاد الملوك الكاثوليك فتح الأندلس فإنهم لم يحرقوا مكتبة الملوك العرب وإنما أرسلوها إلى مكتبة الفاتيكان) ثم اضاف قائلا (ألم يحرق البرلمان المصري في سبعينات القرن الماضي ألف ليلة وليلة؟). الذي يستقري التاريخ اللامتحيز يرى ان اوربا هي التي حافظت على كتب الشرق القديمة في مكتباتها كمكتبة الفاتيكان وغيرها من مكتبات شهيرة، حفظوها بعناية دون تمييز او انفعال بمواضيعها.
كانت بعض المخطوطات مفقودة الاصل العربي لانها حرقت او رميت في الانهار، فترجمت من ترجماتها الى اللغة العبرية. تلك الكتب كانت تعود الى قرن التاسع الميلادي قبل فترة عصر النهضة سلمت من الايدي المجرمة التي كانت مصابة بالعمى الثقافي. بعض عمى القلوب يقولون ان الغربيين سرقوا تراثنا وكتبنا، فنعم تلك السرقات لو لا هذه السرقات لما بقيت تلك الكتب النفيسة بحجج اتهامات الزندقة او لحرقها العثمانيون اذ في عهدهم لم تبق مكتبة في ارجاء الاقطار العربية التي حكموها. فنعم هذه السرقات التي اقترفها الغربية فان تلك الكتب الآن تنام قريرة العين في مكتبات الغرب دون ان تخشى حرق من طالبان والسلفيين واشباههم .
ولن ينسي التاريخ ان يد الغوغاء امتدت العام الماضي بقصد وغباء لتحرق الصرح الشامخ للمجمع العلمي فقٌضي الحريق على أغلب محتويات المجمعالتي تضم مخطوطات وكتباً أثرية وخرائط نادرة، تمثل ذاكرة مصر منذ عام 1798، وكانت تشتمل على إحدى النسخ الأصلية لكتاب وصف مصر، التي احترقت فيما احترق من كنوز هذا الصرح العتيد، إضافة إلى أغلب مخطوطاته التي يزيد عمرها على مائتي عام، وتضم نوادر المطبوعات الأوروبية التي لا توجد منها سوى بضع نسخ نادرة على مستوى العالم، ووصف احدهم بان المجمع العلمي بانه الأعظم والأكثر قيمة من مكتبة الكونجرس الاميركي.
فحرق ابو الاسلام الانجيل يعيد ذاكرة التاريخ فما تم عمله ليس بالجديد لكنها جينات موروثة امة ضحكت من جهلها الامم او كما يقول الشيخ سيد طنطاوي رحمة الله عليه الي ابو اسلام وامثاله ... امة رعاع ومنافقين
المقال القادم ما تفوه به هذا الداعية لايوجد انجيل علي وجه الارض