إعداد/ ماجد كامل
يمثل المفكر الكبير رفاعة رافع الطهطاوي ( 1801- 1873 ) أهمية كبيرة في تاريخ الفكر المصري الحديث ؛. أما عن الطهطاوي نفسه ؛ فلقد ولد في 15 اكتوبر 1801 بمدينة طهطا محافظة سوهاج ؛ وأهتم والده بتربيته تربية دينية ؛ ولما بلغ السادسة عشر من العمر التحق بالأزهر ؛وكان ذلك خلال عام 1817م ؛وتتلمذ علي يد مجموعة كبيرة من علماء الازهر ؛لعل من أشهرهم الشيخ حسن العطار( 1766- 1835 ) . وبعد التخرج عمل أستاذا في الأزهر ؛وكان ذلك خلال عام 1821 . وفي عام 1826 قامت الحكومة المصرية بإرسال بعثة علمية الي فرنسا ؛فسافر معهم الطهطاوي كإمام وخطيب للبعثة ؛ وهناك تعرف الطهاطوي علي الثقافة الفرنسية ؛حيث أتقن اللغة الفرنسية تماما ؛ وعاد بعدها الي مصر حيث عمل مترجما بمدرسة الطب ؛ثم مدرسة الطوبجية ( المدفعية ) . . بعدها بدأ الطهطاوي الاهتمام بالصحافة ؛ حيث رأس تحرير جريدة الوقائع المصرية خلال عام 1842 م . ولقد كان حلم الطهطاوي الكبير هو إنشاء مدرسة عليا لدراسة اللغات الأجنبية ؛ فتقدم باقتراحه الي محمد علي باشا ونجح في اقناعه بإنشاء مدرسة للغات والترجمة ؛ وبالفعل وافق محمد علي باشا وتم افتتاح المدرسة في عام 1835 م ؛وتولي الطهطاوي نظارتها ؛ولقد ضمت المدرسة فصولا لتعليم اللغات ( الفرنسية – الانجليزية – الايطالية –التركية – الفارسية ) . ولقد أستمرت المدرسة خمسة عشر عاما ؛الي أن عصفت بها يد الحاكم الجديد عباس الاول ؛ فقام بإغلاقها ؛ونفي الطهطاوي الي السودان ؛ ونفذ الطهطاوي الامر ؛وفي السودان ترجم الطهطاوي رواية فرنسبة بعنوان "مغامرات تليماك ". وبعد وفاة عباس الأول عام 1854 م ؛عاد الطهطاوي الي القاهرة ؛ حيث عمل ناظرا لمدرسة الحربية . وفي عصر الخديوي إسماعيل باشا ( 1895 ) تولي الطهطاوي نظارة قلم الترجمة الذي تأسس عام 1863 لترجمة القوانين الفرنسية ؛ حيث قام بالاشتراك مع فريق كامل من أكفأ المترجمين في ترجمة القانون الفرنسي حتي صدر في عدة مجلدات وطبع في مطبعة بولاق . ولقد عهد اليه بعدها بإصدار مجلة روضة المدارس عام 1870 م ؛ فجعل منها شعلة لنشر الثقافة الرفيعة ؛ وضمت في داخلها مجموعة من أشهر الكتاب . ولقد ظل الطهطاوي يعمل في الكتابة والترجمة والتاليف حتي توفي في 27 مايو 1873 عن عمر يناهز 72 عاما تقريبا .
ولقد أثري الطهطاوي المكتبة الثقافية بالعديد والعديد من الكتب القيمة ؛ نذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل اليه :-
1- مناهج الالباب المصرية في مباهج الآداب العصرية .
2- المرشد الامين في تربية البنات والبنين .
3- أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل .
4- نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز .
كما ذكر جاك تاجر ( 1918- 1952 ) في كتابه البالغ الاهمية "حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر " بعض الأعمال الأخري التي قام بترجمتها ؛ نذكر منها :-
1-نبذة في تاريخ الإسكندر الأكبر .
2-تقويم سن 1244 تاليف المسيو جومان .
3-كتاب دائرة العلوم في أخلاق الأمم وعوائدها .
4-تعريب كتاب المعلم فرادر في المعادن لنافق لتدبير المعايش ؛ استخرجه من الفرنسية إلي العربية ؛ طبع سنة 1248 .
5-مقدمة جغرافية طبيعية .
6-قطع من كتاب العلامة ملطبرون في الجغرافيا ( وهو الجزء الأول من الكتاب ترجمه وهو في باريس ) .
7-قطعة من عمليات الضباط .
8-نبذة في علم الهيئة .
9-أصول الحقوق الطبيعية التي يعتبرها الإفرنج أصلا لأحكامهم .
10- نبذة في الميثولوجيا .
11-نبذة في علم سياسة الصحة .
12-الجغرافيا العمومية تاليف المسيو فيكتور أدولف مطبرون الجغرافي الفرنسي ترجم أربعة مجلدات كبيرة .
13- كتاب قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل ؛ ترجمه في سنة 1245 وهو في باريس ؛ طبع في سنة 1249 .
14-جغرافية صغيرة ترجمها من اللغة الفرنسية ؛ طبع سنة 1254 .
15-التعريبات الشافية لمريد الجغرافية ؛انتقي منها خلاصة الكتب الجغرافية الفرنسية المطولة ؛ وهو مجلد ضخم ترجمه من الفرنسية إلي العربية لتدريس الجغرافيا في المدارس المصرية ؛وأضاف إليه بعض الإيضاحات ؛ طبع سنة 1254 .
16-جغرافية عمومي في كيفية الأرض ؛ طبع سنة 1254 .
17-المنطق تأليف De Dumarasais "دي دومارسي " طبع سنة 1254 .
18- تاريخ المصريين القدماء ؛ طبع سنة 1254 .
19-أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل ؛ وقد جمعه من التواريخ القديمة والجديدة ؛ طبع سنة 1258 .
20- كتاب إتحاف الملوك الألبا بتقديم الجمعيات في بلاد أوربا . ترجمه عن عدة كتب أوربية ؛ طبع سنة 1258 .
21- مباديء الهندسة " ترجمة كتاب ساسير " طبع سنة 1259 ؛ وأعيد طبعه سنة 1270 و1291 .
22- مواقع الأفلاك في وقائع تليماك ؛ تأليف الكاتب فينولون رئيس أساقفة كمبراي نقلها عن اللغة الفرنسية إلي اللغة العربية مع بعض التصرف .
23- ترجمة مونتسكيكو ؛ وقد مدح فيها عبد الرحمن الرافعي كثيرا . ( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع كتاب جاك تاجر ؛ الصفحات من 53 – 56 ) .
وكان هذا هو ما ترجمه في عصر محمد علي ؛ أما ترجمه في عصر إسماعيل فلقد ذكره جاك تاجر في الكتابين الآتيين :-
24- القانون المدني ( الجزء الأول من الكود الفرنسي ) بالاشتراك مع عبد الله بك أبو السعود رئيس قلم الترجمة ؛ وأحمد حلمي بك ؛ وعبد السلام افندي ؛ طبع سنة 1283 .
25- قانون التجارة الفرنسي ؛ طبع سنة 1285 . ( صفحة 98 من نفس الكتاب ) .
ومن خلال قراءتنا لكتاب " تخليص الأبريز في تلخيص باريز " نجد فيه دعوة هامة الي ضرورة اهتمام الشباب المصري بتحصل العلوم العصرية الحديثة ؛ وفي هذا الصدد كتب يقول (القصد انماهو حث ديارنا علي استجلاب ما يكسبهم القوة والبأس – اي العلوم البرانية – "ويقصد بها العلوم المدنية الحديثة" التي هي – إما واهية "أي هامشية" في مصر – او مفقودة بالكلية . والعلم المطلوب اولا هو علم تدبير الامور الملكية "وهو ما يعرف بالعلوم السياسية حاليا " ويتشعب منه فروع الحقوق . أي أن المطلوب هو البناء الدستوري الذي ينظم سلطات الحكم وحقوق المحكومين )ولقد كتب الطهطاوي في الباب الثالث من كتابه هذا هذه العبارة الهامة "أن حب الوطن من الإيمان " ولقد كان الطهطاوي هو أول من وصف مصر بلقب "أم الدنيا" حيث قال في احدي كتاباته (فاذا أبدينا محاسن أم الدنيا والنعمة التي هي كناية الله في أرضه ظهر لنا أنها تعد أول وطن من أوطان الدنيا يستحق أن تميل اليه قلوب بنيه وانه أحق أن تحن اليه نفوس مفارقيه من ذويه) كما عبر الطهطاوي أيضا عن شدة عشقه للوطن بقوله(الوطن هو عش الانسان الذي فيه درج ومنه خرج وهو مجمع اسرته ومقطع سرته) والطهطاوي هو صاحب أول كتاب "مقدمة وطنية مصرية" الذي يعتبره كثير من المؤرخين من أوائل الكتب التي تغنت بالوطنية المصرية . ففيه يقول (ان مصر أشتهرت عبر العصور والقرون وكانت في زمن الفراعنة معاصرة لأعظم ممالك الدنيا ) كما دعا الطهطاوي من أجل نهضة مصر وتقدمها إلي ضرورة اتحاد جميع عناصر الامة من أجل نهضتها وتقدمها فيقول(لا ينبغي أن تتشعب الأمة الواحدة إلي احزاب متعددة باراء مختلفة لما يترتب علي ذلك من التشاحن والتحاسد والتباغض) ويحدد الطهطاوي العلاقة بين الوطن والمواطن أنها علاقة تفاعلية تقوم علي تأدية الحقوق والواجبات من كلا الطر فين فيقول (فصفة الوطنية المصرية لا تستدعي فقط أن يطلب الانسان حقوقه الواجبة له علي الوطن بل يجب عليه أيضا أن يؤدي الحقوق التي للوطن عليه ) ولقد انعم الله علي الطهطاوي بموهبة الشعر فساهم في الكثير من اشعاره من اشعاره في التعبير عن حب الوطن نذكر منها :-
صاح حب الوطن حلية كل فطن
محبة الاوطان من شعب الايمان
في افخر الاديان اية كل مؤمن
ولعل من مظاهر عشق الطهطاوي لمصر ؛ والتي ربما يجهلها الكثيرون ؛ هو اهتمامه بالآثار المصرية القديمة ؛ قام محمد علي بإنشاء " متحف الازبكية " وأسند مهمة الإشراف عليه الي الطهطاوي ؛ واستطاع الطهطاوي أن يصدر قانونا بمنع تجارة الآثار وتهريبها الي الخارج . كما أنه توجد وثيقة اخري تاريخها يرجع للاول من نوفمبر 1853 ؛وتتضمن تقرير مقدم يوسف ضيا افندي المأمور بتفتيش ( الأنتيقة ) لمنع التنقيب عن الاثار ؛وعدم السماح بيبعها ؛مع التنبيه علي مسؤلي الجمارك في المواني المصرية ؛بضبط اي تحف مهربة ؛وتسبلمها الي ديوان الخديوي ؛الذي يسلمها بدوره الي الشيخ رفاعة ويوسف ضيا .
ويذكر المؤرخ الامريكي الشهير دونالد مالكوم ريد في كتاب "فراعنة من ؟ " أنه قام بترجمة قصيدة فرنسية بعنوان " قصيدة ملحمية عن مصر " وفيها تعبير عن لوعة وحنين لمصر أم الابطال ح التي تجمع بين خرائبها اربعون قرنا . وفي كتاب تخليص الابريز ؛ قدم الطهطاوي وصفا للقسم المصري في متحف اللوفر ؛ ويعلق الطهطاوي علي إهداء محمد علي مسلة لفرنسا بقوله " ما دامت مصر قد اختارت الأخذ بالحضارة والعلم علي نحو ما تفعل الدولة الأوربية ؛ فانه من الواجب الاحتفاظ بالتحف والاعمال التي تركها الأجداد المصريين .
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- صلاح عبد الصبور – قصة الضمير المصري ؛ كتاب الأذاعة والتلفزيون ؛ الصفحات من 24- 43 .
2- دونالد مالكوم ريد :- فراعنة من ؛ ترجمة رؤوف عباس ؛ الصفحات من78 - 82 .
3- جاك تاجر :- حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر ؛ موقع هنداوي ؛ الصفحات من 53 – 56 ؛ وصفحة 98 .
4- رفاعة الطهطاوي – المعرفة (موقع علي شبكة الأنترنت ) .
5- شيرين الكردي ؛ تعرف علي علاقة الشيخ رفاعة الطهطاوي بالآثار المصرية ؟ بوابة أخبار اليوم ؛ 27 مايو 2020 .