هاني صبري - المحامي
قام صيدلي يدعي " علي أبو سعدة بالتعدي بالضرب علي السيدة "نيفين صبحي شكري" وصفعها على وجهها وذلك داخل صيدليته بقرية أشمون محافظة المنوفية بحجة عدم ارتدائها الحجاب في نهار رمضان ، كما رفض أعطاها العلاج لنجلها بدون وجه حق وبالمخالفة للقانون مما عرض حياتها وحياة نجلها للخطر .
وعلى إثر ذلك قامت المجني عليها بتحرير محضر بالواقعة.
ثم بعد ذلك عقدت جلسة صلح عرفية بين الطرفين ، وقام الصيدلي بتقديم اعتذار للمجني عليها ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة منه للإفلات من جريمته ، والاعتذار لا يعفيه من المسؤولية الجنائية.
إن الجلسات الصلح العرفية تعد افتئات على دولة سيادة القانون ومبدأ المواطنة وعدم التمييز ، والحل الأمثل لمواجهة مثل هذه الجرائم هو التطبيق الفوري لأحكام الدستور والقانون دونما تمييز أو انتقاء.
مع الأسف الشديد قد ساهمت الجلسات العرفية في زيادة الجرائم ، وتعميق النزاعات الطائفية وليس احتواءها، وتفتقر إلى توفير أبسط الضمانات الدستورية والقانونية لجميع أطراف النزاع وأصبحت وسيلة للقهر والاستبداد وضياع الحقوق وفيها تشييع للدستور والقانون وتعميق الانقسامات والخلافات وإثارة الطغائن بين أفراد المجتمع.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل الجلسات العرفية يمكن أن تصبح بديلا للقضاء؟.
إن الجلسات العرفية لا علاقة لها بالقضاء ، وليست بديلا عن التقاضى بين المتخاصمين، فالقضاء سلطة من سلطات الدولة الثلاث ولا يمكن الاستعاضة عن أى منها. لأن حق الدولة فى العقاب قائم، فإن الدولة بكل أجهزتها يجب إن تتخذ إجراءاتها العادية للحفاظ علي حقوق مواطنيها ، ولجوء بعض العائلات أو القبائل للجلسات العرفية كبديل عن القانون لا يعتبر شيئاً إيجابياً ولا يمنع القضاء من نظر أىّ دعوى جنائية والفصل فيها وفق أحكام القانون وتقديم كل المتهمين للعدالة ، كما أن القضاء لا يعرف المواءمات السياسية أو الاجتماعية ولا ينظر إلى أشخاص بل إلى الوقائع المجردة للجريمة وملابساتها .
إن فكرة القبلية والعائلة والنسب والانتماء المكانى تعزز فكرة الجلسات العرفية كبديل لنظام العدالة وهذا يشكل خطر داهم على المجتمع.
حيث إن الجلسات العرفية تعتبر بمثابة مسكنات تهمّش القانون وتصارع العدالة فتلك الجلسات، هي إحدى الآليات التي تضعف القانون وأحكام الدستور ، ومحل انتقادات شديدة وواسعة، من معظم المواطنين ، وليست حل للأزمات لذلك يجب التعامل بكل حزم مع الخارجين عن القانون ، وعدم الاعتداد بجلسات الصلح العرفية لأن ذلك يؤدى إلى وقوع مزيد من الجرائم لاحقاً، فضلاً عن أن ذلك يعتبر نوعاً من التقاعس عن أداء الواجبات، وتركها لغير ذوى الشأن أو الاختصاص.
وفِي تقديري يجب تطبيق دولة سيادة القانون، ورفض جلسات العار العرفية للصلح الزائف الذي يخسر فيه الكل، وتكون هيبة الدولة على المحك، ويولد شعور لدى المتهم بالقوة وأنه فوق القانون، وشعور لدى المجني عليهم بالظلم والقهر وضياع حقوقهم، ومن ثم يتكرر هذا السيناريو المؤسف وينتقل عدوى الأعتداء على الأبرياء التي لا تنتهي من مكان لآخر ، كأننا نسير في حلقة مفرغة ونكتفي بدور المتفرجين والشجب والإدانة وننتظر وقوع الأحداث القادمة التي تحدث بنفس الكيفية وكأننا لا نتعلم من أخطائنا السابقة.
ووقوع الأبرياء بين المطرقة والسندان فمن ناحية قد نجد إساءة استعمال السلطة من قبل بعض الجهات والموائمات الأمنية والسياسية .ومن ناحية أخرى، التيارات الدينية المتطرفة التي ترفض قبول الآخر ويتخذوا من الاعتداء علي المصريين ذريعة لمحاولة تهديد السلام الاجتماعي.
لذلك يجب على كافة السلطات المعنية بالدولة أن تتحمل مسئولياتها الدستورية والقانونية والتدخل السريع والعاجل لحل هذه الأزمات، ولعل الحل الوحيد الآن هو تطبيق دولة سيادة القانون وإحترام مبدأ المواطنة.
ونناشد السيد الأستاذ المستشار النائب العام بصفته صاحب الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوي الجنائية التحقيق مع الصيدلي في واقعة تعديه بالضرب علي السيدة نيفين صبحي ، وامتناعه عن أعطاها الدواء لنجلها بدون وجه حق .
ونطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨م إتخاذ كافة التدابير الاحترازية اللازمة وفقاً للقانون لمواجهة مثل هذه الأزمات لمنع حدوث حالة من الاحتقان تضر بالمجتمع وذلك للمحافظة علي الوحدة الوطنية وسلامة وأمن البلاد.
كما نطالب مجلس النواب بإنشاء مفوضية عدم التمييز المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور المصري الحالي.