في مثل هذا اليوم 3 مايو 1987م..
سامح جميل
داليدا ولدت فى القاهرة يوم 17 يناير 1933، واسمها الحقيقى يولاند جنجليوتى، وقد سبق أن حاولت الانتحار فى 27 فبراير 1967 إثر وفاة خطيبها الإيطالى الجنسية، وتم إنقاذها فى آخر لحظة، وقد عاشت سنوات صباها فى شارع خمارويه فى حى شبرا، وكان أبوها عازفا للكمان فى أوبرا القاهرة، وبدأت تغنى فى العام 1954، ثم انتقلت إلى باريس وحققت شهرتها العالمية.
فى باريس كان الكاتب الصحفى الكبير شريف الشوباشى يقيم للعمل، لكنه كان قريبا للغاية من المأساة، قال إن الفرنسيين أصيبوا بذهول بعد إعلان خبر الوفاة، وخصصت القناة الأولى للتليفزيون الفرنسى الدقائق العشر الأولى لنشرة الأخبار الرئيسية للخبر، حتى قبل الأخبار السياسية المحلية والدولية، وتصدرت صورة داليدا الصحف بلا استثناء، وكان يعتبر أن مانشيت جريدة "لوموند" هو الأبرع، حيث أظهر صورتها فى الصفحة الأولى وكتب كلمة واحدة: "المصرية"، الجميع نقل رسالتها الأخيرة: "لم أعد أحتمل الحياة.. فاغفروا لى"، ثم ابتلعت جرعة قاتلة من السم.
من عرفوا داليدا عن قرب ذكروا إنها كانت تشكو من الوحدة والوحشة رغم الأصدقاء والمحبين، كانت تعبر كثيرا عن ندمها على أنها لم تنجب طفلا يملأ عليها الحياة، فبريق الشهرة يجعل الفنان وحيدا وسط الضوضاء، فتنتابه تلك الوحدة الداخلية.
من الذكريات التى احتفظ بها الشوباشى عن داليدا أنها كانت مدعوة على حفل عشاء أقامه فى منزله السفير المصرى فى باريس، منتصف الثمانينيات، الدكتور سمير صفوت، وكان أحد الحاضرين هو جاك شيراك، الذى كان حينها رئيسا للوزراء، قبل وصوله إلى منصب الرئيس فيما بعد، فطلب منها أن تغنى، لكنها رفضت قائلة للشوباشى: "أرجوك لا تحرجنى، صوتى لا يكاد يخرج من فمى، وقلبى يدق بسرعة كبيرة فى صدرى".
فى أكثر من حديث لداليدا، كانت تتمنى أن تغنى حتى سن الثمانين، وبالفعل كان برنامجها للحفلات مشغولا حتى سنة 1989، أى بعد وفاتها بعامين، لكنها اختارت أن تنهى المسيرة بيدها.
جنازة داليدا كانت المأساة الحقيقية، حضرها رجال السياسة والثقافة والفن فى فرنسا، وزير الثقافة الفرنسى السابق جاك لانج كان موجودا، إلى جوار المخرج العالمى كلود لولوش، وإيدى بركلى صاحب شركة الاسطوانات الذى اكتشف داليدا، والنجم الفرنسى الكبير آلان ديلون، والمطربات شيلا وآنى كوردى وجين مانسون.
من مصر ذهب يوسف شاهين مخرج فيلم "اليوم السادس"، فيلم داليدا الأخير، والذى ظهرت فيه بمكياج أعطى شكلها عمرا مزيدا على عمرها، ومأساة تزيد على مأساتها، الفارق بين عرض الفيلم والرحيل شهورا قليلة، ولكن كان يبدو أنها تستعد للرحيل، فارتأت أن تكون رسالة الوداع الحقيقية هى بطولة فيلم مصرى، تنطق فيه لهجتها "المكسرة"، وتقوم بدور فلاحة من نبت الأرض، كانت رسالة الوداع الحقيقية هى لأهلها فى شبرا، التى ظهرت بينهم أثناء تصوير الفيلم، هكذا كان الوداع، وليست كلماتها الأخيرة، التى تطلب فيها الغفران والسماح، قبل أن ترحل صاحبة "سالمة يا سلامة" بكثير من السلامة.!!