سحر الجعارة
لماذا ثار الشعب المصرى على الفاشية الدينية وأسقط الإخوان عن حكم مصر؟.. الإجابة التى نعرفها جميعاً أنها لم تكن ثورة البنزين والغاز.. بل كانت ثورة على حكم الوطن بفتاوى تيار الإسلام السياسى: «لا حدود وطنية لمصر، مسلم ماليزى أفضل من مسيحى مصرى» و«اغتيال جنودنا من الجيش والشرطة جهاد فى سبيل الله»، أخونة مؤسسات الدولة بوهم «لحظة التمكين فى الأرض».. إلخ مساؤى «الحكم باسم الله».. هذا ما ثرنا عليه ولن نقبله لا من «داعش» ولا «القاعدة».. ولن نسمح بأية خلايا إخوانية نائمة بأن تتربص بالبلاد لتنقض على مقاليد الحكم أو تحكمها من الباطن: «مصر دولة مدنية» متعددة الأديان لا يسيرها فقيه ولا تحكمها «الفتاوى».

ومهما حاولوا تشويه رموز التنوير والإصلاح فى الوطن سنزداد إصراراً على الحق لأننا ندافع عن وطن فى مواجهة كيانات تكفيرية تختبئ وتتلون مثل الحية وهى تبث سمومها المتطرفة فى جنبات الوطن.

هذا هو الإطار العام للحرب الممنهجة ضد الأستاذ الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذى تحدث عن مشروعه الفكرى «الرشد الدينى» عبر 30 حلقة فى برنامجه «كن أنت» على التليفزيون المصرى.. يقول أستاذ الفقه المقارن إن الرشد الدينى حق لكل إنسان، وليس منحة من أحد، ولكنه عطية وتكليف من الله - عز وجل - لكل إنسان بلغ سن الرشد.. لأن الإنسان له رشد دينى مثلما له رشد مالى، ولذلك يجب عليه أن يبحث ويتثقف فى أمر دينه.

ويحدد الدكتور «الهلالى» مفاهيمه وآليات تطبيقها والهدف من كل آلية.. ولكن يمكن الإشارة إلى بعض النقاط المهمة فيه، وأولها إجراءات الرشد الدينى: (1- إقامة دولة مدنية بالمواطنة، 2- إنهاء التنظيمات الفكرية، 3- تفويض الدين لله كما أمر، 4- تفرغ الأزهر للعلم وتخليه عن الشئون العامة للدولة، 5- إلغاء الوصف الإسلامى للهيئات والمؤسسات المدنية، 6- نشر الوعى بتاريخ الأوطان والأديان، 7- تصحيح مسار الوعظ والدعوة لله وليس لجماعات، 8- التزام العلماء بالتعددية الفقهية، 9- محو الأمية الفقهية والابتداء بالنفس). والحقيقة أن كل بند من هذه البنود هو قنبلة موقوتة تنفجر فى وجوهنا بمجرد الإشارة إليه.. لأنه يهدد مصالح مَن يحملون ألقاباً فارغة «رجل دين، عالم دين، فقيه»، هذه التعبيرات للأسف أصبحت تمنح أصحابها التوكيل الحصرى للحديث باسم المولى عز وجل والوصاية على الإسلام وبالتالى على المجتمع، ومناطحة الدولة فى سلطاتها وقوانينها، والأدهى من ذلك بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

الدكتور «سعد الدين» خطر على مؤسسات بعينها، وأفراد اكتسبوا السطوة والثروة والنفوذ باسم «الشريعة»، فهو يتساءل فى موضع آخر: (هل الفتوى وهل الدين هو الحاكم للشعب.. أم أن الدين حاكم للإنسان على نفسه والقانون يحكمنا؟.. هتعمل لى «ولاية الفقيه نفذ تجربة إيران ببساطة».. وقل للشعب اتركوا القانون واذهبوا لهذه الجهة)!!.

نحن لسنا بحاجة لولاية الفقيه ولا بتخصيص «مفتٍ لكل مواطن».. نحن بحاجة لقوانين تلتزم بالأديان السماوية وتحترم حرية العقيدة لمن هم خارج دائرة الديانات الإبراهيمية (الدستور المصرى ينص على هذا صراحة).. لسنا بحاجة لمحاكم تفتيش تشق الصدور وتكفر البعض لأنه خالف الفتوى واتبع فقيهاً آخر، «لاحظ أن الأئمة الأربعة تختلف آراؤهم فى الموضوع الواحد».

هذا الرجل دمث الخلق، الهادئ المتواضع بعلمه الغزير، رجل خطير، خطر على مصالح «ملالى السنة».. لأنه يقول للإنسان «استفتِ قلبك»؟!.

خطر، لأنه ليس طالباً لسلطة ولا جاه، لأنه يحرر الناس من سطوة «ملالى السنة» وهم كثر.. فتش إذاً عن هؤلاء ممن حققوا الثروات من اعتقادهم بأنهم «ظل الله على الأرض».. لقد نجح هؤلاء فى خلق أجيال «عمياء» تسير خلفهم دون إعمال للعقل.. لأنهم تراضوا على فكرة «ضعها فى رقبة عالم»!.

الهجمة المسعورة على «الهلالى» تؤكد أن الفكر الإخوانى لم يمت وأن الخلايا الإخوانية أكثر تعطشاً للدماء أكثر مما نظن!.

نحن لسنا بحاجة لولاية الفقيه ولا بتخصيص «مفتٍ لكل مواطن».. نحن بحاجة لقوانين تلتزم بالأديان السماوية وتحترم حرية العقيدة لمن هم خارج دائرة الديانات الإبراهيمية (الدستور المصرى ينص على هذا صراحة).. لسنا بحاجة لمحاكم تفتيش تشق الصدور وتكفر البعض لأنه خالف الفتوى واتبع فقيهاً آخر، «لاحظ أن الأئمة الأربعة تختلف آراؤهم فى الموضوع الواحد».
نقلا عن الوطن