سحر الجعارة
(«لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»؟ صحيح يا شيخ «يحيى»؟.. حديث آحاد يا «تونة».. يعنى إيه حديث آحاد؟.. يعنى أحد الصحابة سمعه ولم يسمعه غيره).. كان هذا الحوار من مسلسل «فاتن أمل حربى» كفيلاً بإشعال النيران فى من اعتقلوا المرأة باسم الأحكام الشرعية وعلوم الكلام، وكلها تخصّصات مطاطية أدخلت على الفكر الدينى مغالطات منطقية تجافى القرآن الكريم وتتناقض مع أحكامه.. فغضبوا وأشعلوا نيران ثورتهم على «السوشيال ميديا»: ألا لعنة الله على «تونة وسيف»، ذلك العمل الدرامى الذى تراه سوداوياً وقاتماً وكئيباً، وترى فيه الكاتب الكبير «إبراهيم عيسى» يفرد عضلاته ويحطم تابوهات الكهنة المقدّسة!.

دعك من المسلسل وتسلل داخل القفص الذهبى.. سجّل وقائع العنف الأسرى، الضرب، الشتائم، التعنّت فى استخدام الطلاق، الاغتصاب الزوجى (حتى لا تلعنها الملائكة)!.. وتخيل أن كل هذا يتم باسم «شرع الله» وتحت لافتة عريضة من التفسيرات المغلوطة لاضربوهن واهجروهن فى المضاجع.. وحدود طاعة الزوج البخيل «ابن أمه»، الذى يجبر أطفاله على الحجاب، ويستولى على راتب زوجته!

قف يوماً واحداً أمام محكمة الأسرة: استمع إلى شهادات حية من النساء حول قضايا النفقة والخلع والطلاق للضرر وإثبات النسب.. قضايا الميراث التى لم تفلت منها امرأة فقيرة ولا امرأة تنتمى إلى المجتمع المخملى.

اسأل الدكتورة «مايا مرسى»، رئيس المجلس القومى للمرأة، كم امرأة لجأت إليها لتنفيذ بند من بنود «قانون الأحول الشخصية»، أو لصد تعنت بند آخر وتجبره على مخلوقة «من ضلع أعوج»؟.. اسألها كم معركة فُرضت عليها إذا بادر المجلس بتقديم مشروع لقانون الأحوال الشخصية؟.. كم جهة تهاجمها وتتآمر ضدها لأنها نصيرة المرأة؟

اذهب إلى مراكز استضافة المرأة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، والتى تعمل على حماية النساء المعرضات والناجيات من العنف.. اسأل الدكتورة «نيفين القباج»، وزيرة التضامن الاجتماعى، كم امرأة استحقت معاش «تكافل وكرامة» رغم وجود عائل لها هو «زوج هارب» من تطبيق القانون وشرع الله فى النفقة الشرعية؟.. اسألها عن نسبة «المطلقات» فى نسبة 3٫3 مليون امرأة معيلة فى مصر بعد تهرب مطلقها من تنفيذ القانون.. هذه هى «دراما الواقع» أو بالأحرى «تراجيديا الحياة».

«بطلة الحياة» النجمة «نيلى كريم» امرأة مقهورة تعرّضت للضرب والإهانة وحُرمت من أبسط حقوقها فى الحياة.. فصرخت فى وجه المجتمع، ربما يستيقظ ضميره: (هو القانون ده نازل من السما؟.. عايزة أرفع قضية على قانون الأحوال الشخصية!.. فجاءها رد المحكمة «بالقانون»: حبس 24 ساعة!).. هذا الحوار ليس مجرد صرخة حق فى وجه البطش والطغيان والاستعباد باسم القانون أو الشريعة.. بل إنه صرخة أضجّت مراقد توابيت التراث وزلزلت عروش كهنة الدولة الدينية.. فأطلقوا «النفير العام» للجهاد، حفاظاً على سلطتهم وسطوتهم ومصالحهم وحصانتهم ووصايتهم على البشر!.

كيف لعمل درامى أن يختزل نضال عقود من الزمن، وأن يعبر عن قهر من سُجن ومن تم نفيه من الوطن ومن طاردته كتائب الحسبة والاغتيال المعنوى لأنه لم يُفتِ بأن «صوتها عورة»؟.. إنها إرادة الدولة حين تجتمع لتغيير «الوعى المجتمعى».

(لو سمحت يا شيخ كنت عايزة اسأل سؤال.. هل ربنا قال بنفسه أن الست لما تيجى تتجوز يبقى مالهاش ولاية على ولادها وتسقط حضانتها؟.. «لا ولاية لـ«الأم» على أموال أولادها القُصر، وده مذهب الجمهور».. يعنى ربنا ماقالش كده، انتم اللى قلتوا.. إحنا مين؟.. انتم الشيوخ).. وهكذا اجتمع الكهنة وقرروا اغتيال «فاتن أمل حربى» وكل من شارك أو أشرف على تدقيق المادة الدينية والقانونية فيه: يسقط الكهنة والكهنوت.
نقلا عن الوطن