القمص انجيلوس جرجس شنودة
في هذا الأسبوع تكون عيوننا مثبتة على المسيح وهو يتمم خلاصنا وهو يخلق الحياة الجديدة.
وقد كان رؤساء الكهنة والكتبة اجتمعوا وقال قيافا رئيس الكهنة "خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب" (يو 18: 14) ومن هنا بدأوا يفكرون كيف يتمموا عمل الصليب. لذلك نسير خلفه لنرى كيف يخرجنا من الظلمة إلى النور، كيف يحارب التنين ويخرجنا من أعماقه.
وفي هذا الأسبوع الاثنين، الثلاثاء، والأربعاء المذبح مغلق والكنيسة ألحانها كلها حزينة. ولا يوجد أجبية ولا قداسات حتى نعيش الأحداث بحقيقتها فنسير وراء المسيح ساعة بساعة، خمس ساعات نهارية وخمس ساعات ليلية.
وفي كل ساعة تقرأ النبوات الخاصة بها، ثم مزامير لأن دائماً المزامير هي صوت تسبيحنا له ونقوله بلحن اسمه اللحن الأدريبي. وأدريب هي قرية في سوهاج وهي التي خرج منها هذا اللحن.
ثم الإنجيل حسب الحادث الذي عاشه المسيح في هذا اليوم، ويقول القديس هيبوليتس سنة 220 م عن أسبوع الآلام: "من أيام الرسل كانوا يصومون عن كل شهوة في هذا الأسبوع حتى الكلمة لا يقولونها بفرح بل بحزن، ونحن أيضاً نشارك الألم الذي قبله عنا ونشاركه في الملكوت".
وربنا يسوع المسيح كان يومي الاثنين والثلاثاء يعلم في الهيكل صباحاً وليلاً يبيت في جبل الزيتون. فبالأمس المسيح ذهب ليملك حسب النبوات في أورشليم ولكنه لم يجدها مدينته التي انتظرها. اليوم نقول له لماذا ليست ملكوتك؟ آلاف السنين من التسابيح والصلوات والمزامير فكيف لا تكون مدينتك؟ يقول لأنها مزيفة، فهو يدخل اليوم ليرينا كيف هي مزيفة.
يرينا شجرة التين من الخارج شكلها مثمر ومن الداخل عقيمة وبلا ثمر. نقول له والهيكل؟ يقول تعالوا أريكم الهيكل، دخل الهيكل فوجد باعة حمام وسوق وتجارة ومصالح شخصية وعمى روحي. ثم يقول أمثلة تشير إلى العشاء ولكن بنو العرس ليس هؤلاء المدعوين في البداية.
والمسيح وبينما هو ذاهب إلى الهيكل رأى شجرة التين، وشجرة التين تذكرنا بالفردوس حين سقط آدم وحواء ووجدوا أنفسهم عريانين (الخطية)، فأخذوا من ورق الشجر وغطوا بها أنفسهم. فورقة الشجر التي من الخارج كانت تغطي عري الخطية، ولكن من الداخل كان الفساد يعمل وكان الناموس هو الكاشف للخطية ولكن جاء المسيح ليعلن لنا أنه هو الذي يغطي هذا العار.
فقد جاع وحين ذهب إليها كي يطلب ما فيها من ثمر ولم يجد، ولكنها كانت مزيفة من الخارج مورقة ومن الداخل عقيمة مثل اليهود الذين كانوا يظهرون من الخارج أنهم أولاد اللـه وأولاد الملكوت وهم ليسوا كذلك. فدخل يوم الأحد ليطلب الثمر ولم يجد فيقول لأجل هذا تستحق اللعنة، ويظل هؤلاء يحملون لعنة الخطية لأنهم لم يدخلوا في شركة الملكوت. ونحن أيضاً كل من يحمل صور مزيفة ولا يحمل المسيح الحقيقي في داخله شجرة تين أيضاً لأنها بلا ثمر.
وهي نفس الشجرة التي قال المسيح مثل عنها فقد ذهب صاحب الأرض وقال لماذا تعطل الأرض اقطعها، فقالوا له اتركها هذه السنة أيضاً فتركها ولكنه سيأتي يطلب منها الثمر مرة أخرى فإن لم تثمر ستقطع.
واليوم شجرة التين هي العلامة الفارقة التي تظهر لنا من سيحمل اللعنة ومن يستحق أن يدخل الملكوت.
فالقضية هامة لأنه الذي لا يستطيع أن يكشف ذاته ويرى ما بداخله في ضوء الوصية وعمل الروح القدس لا يستطيع أن يتوب ولكن الأسوأ هو من يغطي صورته الداخلية بمظاهر التقوى ووجه مزيف ومساحيق تخفي القبح الذي لا يريد أن يغيره.
شكسبير يقول في رواية هاملت: "أننا باتخاذنا مظاهر التقوى والصلاح نستطيع أن نخجل الشيطان نفسه منا".
ولكنه حين دخل إلى الهيكل لم تكن الشجرة فقط هي المزيفة بل وجد الهيكل نفسه مزيف، الصورة مزيفة فالداخلون لا يصلون فوجد باعة حمام الذين يتاجروا في الأمور الروحية لأن الحمام دائماً يعني الأمور الروحية. ووجد موائد صيارفة ومن يعمل بالتجارة والذين حولوا بيت الرب إلى سوق تجاري لبيع وشراء، فكان كل شيء يباع وكل شيء يشترى.
ويقول واحد اسمه "إدرشيم" أن وقت المسيح كان جوز الحمام الذي يقدم ذبيحة يباع خارج الهيكل بما يوازي 2 مليم وكان يباع داخل الهيكل بما يوازي 24 جنيه، وكان رؤساء الكهنة واللاويين يلزموا اليهود أن يشتروا من داخل الهيكل لذلك قال لهم المسيح "بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (لو 19: 46)، وهذه كانت نبوة إشعياء 56: "بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب" (إش 56: 7) ويقول: "بيتي بيت صلاة يدعى" حسب نبوة إرميا 7: 11: "هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم"
وإلى الآن نجد هناك من يدخل الكنيسة ليس لأجل الصلاة بل لأمور أخرى فيها من يعمل مؤامرات، والذي ينشر الكذب، والذي يحاول أن يسيطر حتى يأخذ مصالح وأيضاً أمور تجارية وساحة للصراع والتحزبات. فدخل السيد المسيح وطرد كل هذا وقلب موائد الصيارفة، ولكنه قال لباعة الحمام انقلوا هذه من هنا فلم يلقي الحمام بعنف لأنها مخلوقات رقيقة.
ويقول جبران: "أن في قلبي من القوة ما يجعلني لأكون مع سوطه، وفيه من الاستسلام ما يجعلني أن أسجد عند قدميه".
وللأسف أن النفس المزيفة ليست لها إمكانية خلاص، لذلك فالمسيح اليوم قال الحكم على هذه الصورة وستكون النهاية التي سنسمعها غداً. لذلك إن أردت أن تهرب من هذا الحكم ابحث في نفسك وأفحص ذاتك كما يقول الحكماء: "أن حياة لم تفحص لا تستحق أن تعاش". وهذا يعني إذا كنت لا تعيد رؤيتك لذاتك وتسأل نفسك من أكون ومن أنا؟ وما هي حياتي التي أحياها؟ فلن تستطيع أن تدخل إليه كي يغطي عرى خطيئتك.
لذلك وأنت تفحص ذاتك اهرب من ثلاثة صور لأنها فيها لا يمكنك أن تتغير وتظل نفسك مزيفة، بل تظل خارج الملكوت، وتظل بلا معنى كما قال السيد المسيح ثلاثة سنين أطلب منها ثمر. ويقول في إشعياء 5: 1 "ماذا يصنع لكرمي وأنا لم أصنعه؟" فقد عمل كل شيء لكي نحيا لكي نولد من جديد فلماذا تتمسك بالعتيق والفاسد والترابي. وهذه الثلاثة صور:
أولاً: المتكبر والعنيد: هذا الذي ينظر إلى ذاته أنه كامل ويبرر كل أخطائه ويبرر حتى الأمور الشريرة، وهذا لأنه متكبر عنيد فلا يستطيع أن يشفى مثل الفريسي الذي صعد مع العشار ونظر إلى السماء وقال بكل عجرفة أنا أعشر أموالي ولست مثل هذا ولا زاني ولا سارق، بينما العشار قال يارب ارحمني، فيقول الرب: "إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك" (لو 18: 14)
وكما قال سفر الرؤيا: "أني أنا غني وقد استغنيت، لا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي البئس والفقير والأعمى والعريان أشير عليك أن تأتي وتشتري مني ذهباً" (رؤ 3: 17، 18) فأنا غني وأنا صاحب سلطان، وأنا صاحب موهبة، وأنا لي أموال وأملاك كثيرة أما هو فيقول: "المتكبرون يعرفهم عن بعد"
ويقول القديس أوغسطينوس: "إذا استراحت النفس في ذاتها لن ترى شيئاً أخر سوى ذاتها لن تستطيع أن ترى اللـه". أما التائب هو الذي يشعر أنه يريد أن يتغير.
ثانياً: الذي عنده صغر نفس ويغطيه ويغلفه بأمور أخرى، وصغر النفس يعني أن الشخص يشعر بداخله أنه ليس شيئاً وهذا ليس اتضاعاً لأنه حين يرى ذاته ضعيفة يحاول أنه يكون مزيف لذلك فهو مريض.
فالذين يبحثون عن أضواء ويبحثون عن صورة خارجية ليغطوا بها الأمور الداخلية التي يشعروا بها أنهم موجودين، وبدلاً من الدخول إلى الأعماق أو يحاولون تغيير نفوسهم إلا أنه يأخذ ورق شجر تين مثمرة من الخارج ليظهر أنه مثمر. ونجدها كثيراَ في الذي يحاول أن يظهر أنه قديس فيقول إن الرب يرسل له رؤيا، أو أنه يعمل معجزة، أو أنه حالم، ويقول إنه رجل له علاقة بالقديسين وهو ليس كذلك، فهذا استحالة أن يتغير أو يتوب.
وطالما يظل الإنسان متمسك بالمساحيق التي على وجهه يظل بهلوان ولكن يكون إنساناً حقيقياً حينما تنزل دموعه وتمسح المساحيق التي وضعها، يومها يظهر وجهه الحقيقي وليس المزيف. لذلك المسيح يلعن هذه الصورة المزيفة حتى نتغير ونكون حقيقيون.
وأحياناً ما يكون ما في داخلنا هو الذي يمنع عمل المسيح فينا لذلك يقول المسيح: "إنك لو علمت أنت أيضا، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أخفي عن عينيك" (لو 19: 42)، لذلك كثير هم الذين لم يقدروا أن يستفادوا بالكرازة ولا من الإنجيل ولا من الكنيسة ولا المذبح ولا الأسرار رغم أنهم داخل الكنيسة لأنهم مزيفين.
ثالثاً: الاستسلام للمرض وللضعف: مثل الاستسلام للذة، أو الاستسلام لليأس، فالاثنين يصنعون نفس النتيجة، فيقول مار اسحق: "رباطات النفس هي العادات، كل عادة إذا سلمت لها باختيارك تصبح في النهاية تسيرك دون اختيارك". ففي البداية تختارها ولكن بعد ذلك تصير عبداً لها، والاستسلام للخطية إما بإرادة أو بدون إرادة يمنع عمل المسيح في الداخل.
ويقول أوغسطينوس: "كانت عاداتي القديمة تقول لي أتظن أنك قادر أن تعيش طويلاً بعيداَ عني، إلى أن قلت إلى متى يارب غداً أم بعد غد، ولماذا لا يكون اليوم؟ وعندها صرخت لن تكوني مرة أخرى فيّ فتجلت أمامي قيمة التوبة".
وهكذا يفعل أيضاً اليأس في النفس إذ يرى أنه لا يمكن أن يتغير فيرتضي بالخطية، فاليأس يضيع منك التغيير بالاستسلام لإحساس عدم الجدوى، فيقول صليت كثيراً ولم يحدث شيء، ولا يرى قوة المسيح الذي وقف أمام قبر لعازر بعدما أنتن وأقامه وأعطاه الحياة، فاذهب نحوه بكل ضعفك وفسادك وموتك الذي فيك وقول له أحسبني كأجير كما قال له الابن الضال أنا لا استحق أن أكون ابناً، أما هو سيأخذك في حضنه ويرجع لك الخاتم علامة البنوة ويعطيك الحلة الجديدة ولكن لا تذهب له بوجه مزيف لأنه يراك من الداخل.
فاليوم الحكم على كل ما هو مزيف، اليوم أما أن تكون حقيقي أو لا تكون. إما أن تذهب إليه بلا مساحيق ولا حجج ولا مبررات أو تظل خارجاً يغطيك أوراق مزيفة وكلمات بلا معنى. كن حقيقي في المسيح تثمر بالمسيح... لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين.
صلاة:
بهلوان ومستخبى وراء المساحيق
ما حد كشف ولا عرف وجه بحق وحقيق
ده وجـــه حالم
وده وجه عالــم
وده وجه رقيق
بس الغرابة انه أصبح مصدق نفسه
انــه ملك ومــش ناقـص غير عرشه
مسكين... بيقوم وينام وهو مش نفسه
وفى يـوم . . .
سكتت الناس ومحدش سقف له
والنور انطفئ واصبح لوحده
التفت الجميع حوالين مدرب اسود شجاع
والبهلوان بعد يومين جاع
بكى ونزلت دمـوعه شعاع
مسحت المساحيق اللى من زمان
حرقته الدموع لكن رجعته إنسان
واهو من يومها رجع له إحساس الأمان
ورفض انـه يرجـع تانـى بهلـوان
آمين