بقلم : جرجس ثروت
وخرج يونان من المدينة وجلس شرقي المدينة , وصنع لنفسه هناك مظلة , وجلس تحتها في الظل حتى يرى ماذا يحدث في المدينة , فاعد الرب الاله يقطينة فارتفعت فوق يونان لتكون ظلا على رأسه لكي يخلصه من غمه ففرح يونان من اجل اليقطينة فرحا عظيما , ثم اعد الله دودة عند طلوع الفجر في الغد فضربت اليقطينة فيبست , وحدث عند طلوع الشمس ان الله اعد ريحا شرقية حارة فضربت الشمس على راس يونان فذبل فطلب لنفسه الموت و قال موتي خير من حياتي , فقال الله ليونان : هل اغتظت بالصواب من اجل اليقطينة فقال : اغتظت بالصواب حتى الموت , فقال الرب : انت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها و لا ربيتها التي بنت ليلة كانت و بنت ليلة هلكت , افلا اشفق انا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها اكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم و بهائم كثيرة ( يو 4 : 5-11 )
اليقطينة هي شجرة مثل اللبلاب , وثمرتها منتفخة ولكنها خفيفة وشبه خاوية مثل التي تحتوي على اللوف ، وعمرها قصير عمومًا إذ تجف بسرعة ، ولكن ليس بسرعة جفاف يقطينة يونان , والتى أعطى بها الرب الإله درساً ليونان الذى حاول ان يهرب من وجهه , ولا يذهب لنينوى المدينة العظيمة وقتها لأنه كان يعرف ان الرب عطوف وكثير الرحمة ولذلك قرر الهرب فى السفينة والقصة المعروفة التى لست بصدد الـتامل فيها الآن , ولكن فقط اردت ان القى الضوء على اليقطينة الضعيفة التى قد تشبهنا نحن الأقباط , وعلى الرغم ما تجرعناه من آلام ومرار قاسى عبر قرون طويلة من الأضطهادات والمهانة , وهناك الكثير من الأسباب التى جعلت منا يقطينة ضعيفة كالخروع وأقل , مع أننا احفاد الفرعيين الذين بهروا وقهروا وعلموا العالم الحضارة والمدنية , حتى ان بلادنا وعشقنا مصر سموها أم الدنيا لأنها وعلى ارضها تأسست أول مدينة وعمران , عروس السبعة الاف سنة حضارة يهان على أرضها أولادها الأبرار وترابها من اجساد أجدادهم .
اليقطينة خدمت وأطاعت الله فى قصة يونان أكثر من طاعته هو شخصياً فى توصيل الرسالة لشعب نينوى , وخطة الله فى خلاصهم , وبها اعطى الله درساً سريع الفهم ليونان أنه لا يشاء موت وهلاك الخاطئ مثلما يرجع ويحيا , ولا ينتقم لنفسه حقاً أنك إله رحوم ومن هم البشر التراب حتى تنظر إليهم بالنقمة , إذ ليسوا شيئاً يتحداه الرب الإله صانعه بل بالحق الإنسان يستحق الشفقة لضعفه وسوء حاله وأحواله , كلنا يونان فى العصيان الذى حزن على يقطينة وكان يطلب من الله هلاك نينوى , هكذا الطبع البشرى ونظرتنا تحت ارجلنا ولعدم إيماننا لا نتذكر وعود الله , وليس دليلاً على ذلك أكثر من أننا وبرغم حصولنا على شيك على بياض بحفظ البلاد ومباركتها " مبارك شعبى مصر " وشهرة هذه الآية التى يعرفها جميع المصريين لكن برغم ذلك تجد الخوف والهلع قد سيطر على الأقباط , بل أقول على الكثيرين من غيرهم , وأنا لا انكر عليهم ذلك وحقهم لما يحدث لنا من أكثر من عام ومن قرون قبلها , ولكن اذكر بالوعود ولعل تنفع الذكرى .
القبطى ومنذ عصور الاستشهاد القديمة كان لا يعرف الخوف , ولا الخوف يعرف الطريق إلى قلبه حتى الفتيات الصغار والسيدات والشيوخ والأطفال , وهكذا ويجب ان نكون حتى انقضاء الدهر لن يكون هناك طاغية له جبروت كدقلديانوس وواليه اريانوس الذين هزمهم الأقباط , وأزالوا ملكهم وامبراطوريتهم التى لا كانت تغيب عنها الشمس من فرط اتساعها فى العالم كله , نحن معشر القبط رجال اوجاع ومختبرى حزن وجبابرة , ولضعيفهم ولنفسى أقول أنا لست اقل من الدودة فى قصة يونان حيث سخرها الرب الآله لكى تنقذ نينوى ونبى مرسل من الهلاك وعدم الطاعة , من منا أقل من هذه الدودة وجيشها الذى استطاع ان يقرض اليقطينة لتيبس بهذه السرعة , كل فرد منا له دور يجب القيام به , الأقباط آفتهم الوحيدة هى فرقتهم ومع انهم يجب ان يكونوا جسد واحد كوصية السيد المسيح " وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا ، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي , وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي ، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِد , أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي . ( يو17 : 20- 23 )
لذلك فوحدة الأقباط أمر إلهى ومعروف لكل قبطى أن عضو فى جسد الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية التى تغزل فيها سليمان كعروسة طاهرة نقية لعريسها فى سفر نشيد الأنشاد , جامعة رسولية مسكونية فى الوحدة الروحية والاجتماعية , وهى اول كيان فى العالم عرف الروح الواحدة والعمل الأجتماعى , وسفر أعمال الرسل كله يحدثنا على وحدة المؤمنين وشركتهم حتى اجتماعيا , والكل يعرف قصة حناينا وسفيرة ( أع 5 : 1- 10) , ولذلك رصد عدو الخير كل قواته وجنوده وذهبه وفضته من خلال عبيده من بنى الإنسان ليقاوم ويقسم ويفتت هذه الوحدة , وبالحقيقة نجح ببراعة وقسم الكنيسة ولكن لن تدوم نشوة النصر كثيرا لن زمانه يسير , وقد اقترب ملكوت الله وسيأتى العريس ليجمع شمل وشتات عروسه وشعبه قريباً جداً , وعلى المستوى السياسى كثرة هموم الأقباط كالنار فى كور الحداد ستذوب الفروق والخلافات قريباً , وسيتحدوا لأنهم احرار وشرفاء الجنس ولن يرضوا الذل والعبودية التى ملأت كؤوسهم بقلم جرجس
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع