نتفهم جميعًا غضب نقابة التمريض بسبب المسلسل الذى أضحك المصريين والعرب فى توقيت واحد (الكبير أوى).. طالبت النقيبة الدكتورة كوثر محمود محمد بإيقاف عرضه، واعتبرت أن كل المشاهد التى أدتها رحمة أحمد مرتدية زى ممرضة فى حلقة (ليلة الدخلة) تحمل إساءة متعمدة للمهنة، ولم تستشعر أبدا أى روح للدعابة والمرح كان يعبر عنها المسلسل. هذا المشهد وغيره تناول بأسلوب ساخر العديد من فئات الشعب، ولم يقصد أبدا أن ينال منها، كثيرا ما تابعنا فى السنوات الأخيرة غضبا مماثلا من نقابة التمريض لأعمال فنية أخرى تناولت الممرضة.
 
أريد أولًا التأكيد على أن التمريض مهنة تشرّف من يمارسها، وعندما اضطرتنى الظروف قبل نحو عام فى أعقاب إصابتى بكورونا للبقاء بضعة أيام بالمستشفى، أيقنت ما الذى يعنيه دور الممرضة الكفء فى التعجيل بالشفاء. القضية ليست نقابة غاضبة، ولكنه مجتمع صارت أغلب فئاته لا تقبل السخرية وتعتبرها ازدراءً للمهنة.
 
لو اتسعت الدائرة، ستجد أن العديد من النقابات وطوال التاريخ احتجت، ربما كانت أشهرها (المحامين) بسبب فيلم (الأفوكاتو) لرأفت الميهى بطولة عادل إمام، شخصية المحامى (حسن سبانخ)، وأعمال درامية أخرى أغضبت الأطباء والمهندسين والطيارين ومرشدى السياحة وغيرهم من النقابات، لأنهم كسروا الحد الفاصل بين العمل الفنى والواقع، مثلما غضبت رابطة حارسات السجن من مسلسل (سجن النسا) واضطر المنتج جمال العدل إلى كتابة تعليق يسبق العرض يشيد فيه بدور (حارسات السجن).
 
أتذكر أن نقابة الصحفيين كانت ستتورط قبل نحو خمسة عشر عاما فى إجراء مماثل، بسبب فيلم (عمارة يعقوبيان) لمروان حامد، وشخصية الصحفى المثلى جنسيا (حاتم رشيد) التى قدمها خالد الصاوى.. انقسم مجلس النقابة على نفسه، وبفارق صوت واحد انتصر العقل ولم يتم إصدار البيان الذى كان سيدين أولًا نقابةً أول بنود دستورها حماية حرية الرأى، فكيف تطالب بالمصادرة؟!.
 
تعددت الأعمال الفنية التى تقدم فيها الصحفيون والكتاب والمثقفون وهم يبيعون مواقفهم مثل (زينب والعرش) عن قصة الكاتب الصحفى والروائى الكبير فتحى غانم، كما أن الكاتب الصحفى الكبير موسى صبرى له أيضا (دموع صاحبة الجلالة) وشخصية (محفوظ عجب) التى استمدها الأستاذ موسى من اثنين من الصحفيين - أحتفظ باسميهما - وكان بينه وبينهما خصومة يعلمها الوسط الصحفى، ورغم ذلك، لم ينتقل الأمر إلى ساحة القضاء.
 
عندما تنتقد إنسانًا لا تنتقد مهنة. أتذكر جيدا ثورة رابطة البوابين على عدد من الأفلام، أشهرها (البيه البواب) بطولة أحمد زكى، كما أن رابطة (الفرانين) وجدت فى فيلم (الفرن) لعادل أدهم ما يمس المهنة.
 
عندما شرعت حنان ترك فى تصوير مسلسل (نونة المأذونة) احتجت أيضا الرابطة وعدد من الشيوخ على ارتداء حنان زِىّ المأذون واعتبروها سخرية غير مقبولة، وحذفت جنان تلك المشاهد، رغم أن جزءًا معتبرًا من تراثنا الدرامى فى السينما قائم على السخرية من المأذون.
 
المجتمع كان يتقبلها فى الماضى ببساطة أكثر، فمتى يعود (زمن البساطة البساطة.. ويا عينى ع البساطة)؟!.
نقلا عن المصري اليوم