د.ماجد عزت إسرائيل
تعرض أقباط مصر منذ(5 أبريل 2022م) لرياح الطائفية والكراهية في الجمهورية الجديدة التي دعا إليها سيادة الرئيس «عبدالفتاح السيسي»؛ وهي الجمهورية التي اعتقد البعض أنها العاصمة الإدارية الجديدة، التي يقترب افتتاحها يومًا بعد يوم، ومن المفترض أن هذه الجمهورية لا تقتصر على تطوير المباني والجدران فقط، وإنما تتجاوز ذلك إلى تنمية البشر والإنسان، حيث يتمتع فيها المواطن بكرامته،وتقوم على عدم التمييز بين جميع المصريين، ويحاسب بالقانون فيها أي مواطن في أي موقع مسئول يميز بين مواطن وآخر على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو المكانة الإجتماعية أو الظروف الصحية، بل وعدم التمييز على أساس المكان الذي يعيش فيه (بحيري وصعيدي). فضلا عن أنه يتعين على هذه الجمهورية أن تدعو إلى تجديد لغة الخطاب الديني من حيث قبول الآخر والتآخي بين جميع أفراد الشعب المصري.
والحقيقة أن ما يتعرض له أقباط مصر حاليًا هو خلاصة مرحلة طويلة لا يمكننا أن نلوم فيها الجمهورية الجديدة أي رئيس الدولة وحكومته لأن ثقافة أي مجتمع هي محصلة للأفكار السائدة بين أبنائه، وتظهر هذه الثقافة في السلوك الجمعي للمجتمع والمظاهـر الإجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى درجة التعليم في هذا المجتمع ومحصلته،ومدى اتساق هذه الثقافة مع البيئة المكانية والمجتمعية التي يعيشها، حيث أن لكل ثقافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، وتؤثر فيها عوامل عديدة، وإن لكل ثقافة جذوراً ضاربة في أعماق التاريخ تختلف من شعب إلى آخر وفق الظروف والأحداث التاريخية التي يمر بها كل مجتمع، وهذه الظروف تشكل العديد من مكونات ثقافة أي مجتمع.
وقد ربط بعض رجال الفكر والثقافة ما بين عرض المسلسل التلفزيوني «الإختيار3» وما يتعرض له الأقباط حاليًا من أحداث طائفية، فهذا المسلسل يكشف ما قمت به جماعة الإخوان المسلمين في مصر ما بين أحداث يناير2011 وما بعدها. مما أدى إلى محاولة ظهورهم على السطح مرة أخرى لمحاولة إثبات الوجود. بينما يرى البعض الآخر من المثقفين أن الدافع وراء هذه الاعتداءات هو لغة الخطاب الديني وكراهية تقبل الآخر. فالكراهية تعنى مشاعر إنسانية انسحابية لدى البعض من أفراد المجتمع، يصاحبها إشمئزاز شديد النفور، وعداوة وعدم تعاطف مع شخص ما أو شيء أو حتي ظاهرة معينة، تنتهى بتدمير الشىء المكروه بشتى الوسائل المتاحة، وغالبا ما يستخدم لفظ كراهية لوصف إجحاف أو حكم مسبق على طبقة أو فئة أو أقلية داخل المجتمع، وهذه الكراهية من الممكن أن تتسبب في تدمير كل البشر إذا استقرت في القلوب الكارهين.
والحقيقة التاريخية أن الأقباط عبر تاريخهم تعرضوا لسلسلة من الاضطهادات بمختلف أنواعها وأشكالها من تهديد وتدمير وحرق الأديرة والكنائس والاعتداء على الكهنة، ورهبان الأديرة، بل وصل الأمر إلى القتل والسرقة والنهب وسلب الأراضى والعقارات والأموال، وخطف القاصرات من النساء والأطفال. وعلى الرغم من ذلك عرف عنهم حبهم للوطن وانتماءاتهم التي يشهد لها الجميع حيث وقفوا بإخلاص في الظروف الآخيرة التي تعرضت لها مصر لدرجة أن بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية البابا تواضروس الثاني ذكر قائلاً: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».
على أية حال، فإن رياح الطائفية والكراهية التي تهب على الجمهورية الجديدة وأثرت على مصر عامة وأقباط مصر خاصة يمكن علاجها بتنفيذ القانون. ففي يوم 5 أبريل 2022م تم خطف القبطية «مريم وهيب يوسف»وفي يوم12 أبريل 2022 تم بث فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يصورها وهي تشهر إسلامها ومعها شهادة شكك البعض فيها مع العلم أن ملامح وجهها كلها وابنتها التي عمرها أقل من عام تصرخ جنبها.. !!. لماذا لا يكون هناك قانون يحكم وينظم مثل هذه الأمور؟ ولماذا لم يتم ضبط صاحب القناة التي عرضت الفيديو وسؤاله؟ من أجل الحد من الفتنة والطائفية بين جميع المصريين في الجمهورية الجديدة. وفي مساء 13 أبريل 2022 بعد جهد كبير لمؤسسات الدولة الأمنية عادت مريم إلى أسرتها ببني سويف.
وفي 7 أبريل 2022م استشهد القس "أرسانيوس وديد"، كاهن كنيسة السيدة العذراء مريم ومار بولس بمحرم بك- كرموز بمدينة الإسكندرية. حيث قام أحد الإرهابيين ويدعى «نهرو عبد المنعم توفيق» بطعنه في الرقبة مما أدى إلى قطع بالشريان الرئيسي. وهو ما أدى إلى استشهاده في الحال وفي 8 أبريل 2022م تم الصلاة عليه بالكنيسة المرقسية ونقل جثمانه الطاهر إلى دير مارمينا ودفن في مدافن شهداء الإسكندرية. وقد قالت النيابة العامة خلال مناقشة واستجواب نهرو عبدالمنعم توفيق المتهمَ بقتل القمص أرسانيوس أنها لاحظت تلقيه الحديثَ والإجابة عما يوجه إليه من أسئلة بصورة طبيعية، خاصّة وقد تمت مناقشته في تفاصيل حياته الاجتماعية، وما تلقاه من تعليم جامعي، وما يطالعه من كتب للتثقيف العام، إلا أن المتهم - بعد عدوله عن إقراره في مستهل التحقيقات- ادَّعى سابقَ إصابته باضطرابات نفسية منذ نحو 10 أعوام دخل على إثرها أحد مستشفيات الصحة النفسية لتلقي العلاج، وأنه يفقد السيطرة على أفعاله أحيانًا. ولذلك قررت النيابة حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيق. وهنا نؤكد أنه يجب على جميع المصريين انتظار تحقيقات النيابة العامة. ولكن حقاً على الرغم من مرارة الحادث ألا أن الغالبية العظمي من الشعب المصري أدانوا هذا العمل الإرهابي ويأتي على رأسهم الجامع الإزهر والكنيسة القبطية.
وفي 11 أبريل 2022م منعت إدارة مطعم كشري التحرير بالقاهرة السيدة القبطية "سلفيا بطرس"، التي نشرت عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي- فيس بوك قائله:"إن مطعم كشري التحرير في محافظة القاهرة رفض أن يُقدم لها وجبتي طعام مع طفلتها إلا بعد أذان المغرب". ووصفت هذا الأمر بالتفصيل قائله: "نزلت النهارده جبت بنتي من الحضانة، كان عندها تمرين روحنا جري على هناك وباباها خلص شغله وعدى علينا، بعدما خلصنا بنتي قالت أنا جعانه، قولنا فرصه واحنا بره نعدي ناكل أي حاجه، وبما اننا صايمين ولقينا "كشرى التحرير"، فاتح وشغالين قولنا ناكل ونروح....قعدنا وطلبنا وجه الاكل،ويادوب البنت بتاكل أول معلقه لقينا واحد من العاملين جاي بيقول ممنوع الأكل قبل المغرب، فتساءلت يعني ايه.. مش ده مطعم ومفتوح والناس قاعده، قالي اه الناس تقعد بس محدش ياكل قبل الآذان،قولت له انت صايم ومستني الآذان براحتك أنا مش صايمه للمغرب وقاعده في "مطعم" والأكل قدامي ازاي ماكلش". وربما هذا الأمر يحتاج لقانون لضبط إدارة النوادي والمطاعم والكافيهات سواء بالغرامات أو العقوبات.
وفي 12 أبريل 2022م نشرت جريدة "المصري اليوم" فتوى تحرم بيع الطعام لغير المسلمين في نهار رمضان "ما حكم بيع الطعام في نهار رمضان للكافر؟". وهذه الفتوى أدت إلى جدل واسع في مصر، بعد اتهامات بأنها تحض على الفتنة والتمييز بين المواطنين. ولهذا استدعى المجلس الأعلى للإعلام في مصر الممثل القانوني للصحيفة التي أعلنت، من جانبها، إيقاف المحرر المسؤول عن الخبر، كما نشرت اعتذارا إلى قرائها. وبدأت المصري اليوم اعتذارها، قائلة: "ولأن الإعتراف بالخطأ فضيلة"، الأمر الذي اعترض عليه بعض كبار الصحفيين في مصر.
ومن الجدير بالذكر، فإن الجمهورية الجديدة تحتاج إلى طريقة تفكير جديدة، وأيضًا إلى تجديد الخطاب الديني والفكر والثقافة لدى رجال الدين. وتحتاج إلى وسائل إعلام تتعامل مع هذه الأمور الطائفية بحرفية موضوعية. وأيضًا وضع قوانين ولوائح ناجزة تتماشى مع روح العصر. وفي المقام الأول والأخير تقبل الآخر والمحبة فـ"إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟" (1 يو 4: 20).
وأَخِيرًا، في ظل تعرض مصر لرياح الطائفية الشديدة لابد من تذكير جميع الشعب المصري بالدور الوطني للكنيسة القبطية عبر تاريخها. وأيضًا بقيمة التعاون والتنسيق بين جميع المصريين في السراء والضراء. وكما ذكر لي معالي الأستاذ الدكتور«عاصم الدسوقي»- مَتَّعَهُ اللهُ بِالصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ- كثيراً لابد من تذكير الغافلين بشعار ثورة 1919 «الدين لله.. والوطن للجميع».