حمدى رزق

 فقه الأولويات أو فقه الموازنات هو مصطلح إسلامى حديث، يُعرَف بفقه الأعمال،'>مراتب الأعمال، حيث يفاضل بين الأعمال من حيث أيها أولى بالتقديم على غيره، وللإيجاز «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع».

تمنيت على المهندس «مصطفى مدبولى»، رئيس مجلس الوزراء، أمس الأول، أن يتبنى ويُعمِّم مقترح وزير الأوقاف، الدكتور «محمد مختار جمعة»، بعدم السماح بالحج على نفقة الدولة أو أى من الجهات التابعة لها، واقتصار الحج هذا العام على «حج الفريضة» لمَن لم يسبق له الحج أصلًا.
 
واتخذت الحكومة القرار الرشيد، تنفيذًا لتوجيه رئاسى وجيه بترشيد الإنفاق الحكومى، ومستوجب استدامة القرار، ومنع الحج والعمرة مستقبلًا على نفقة الدولة، ومَن يرغب فى أداء المناسك فليُكلف عليها من جيبه وليس من جيوب دافعى الضرائب، ونُنهى هذه السُّنَّة غير الحميدة، ونضرب مثلًا فى الترشيد الحكومى يتبعه ترشيد فى مناحٍ أخرى.
 
لافت فى القرار الحكومى قصر الحج هذا العام على مَن لم يحج قبلًا. مقصود حج الفريضة، وشرطه الاستطاعة، أما حج النافلة فمرهون باستطاعة الدولة، فليس متخيَّلًا أن دولة تترجّى الله فى حق رغيف العيش، وتفاوض البنك والصندوق الدوليين على حزمة قروض، تسمح بأريحية دولة نفطية بنزيف العملات الأجنبية تلبية لأشواق بعض القادرين على أداء المناسك تواليًا دون سقف، اتكأ على الاستطاعة الشخصية دون الالتفات إلى منطوق الاستطاعة المجتمعية.
 
تطبيق مبدأ «فقه الأولويات» ضرورة مستوجبة على الأفراد فضلًا عن المؤسسات، فى ظل أزمة اقتصادية خانقة، وسد احتياجات المحتاجين أولَى. نعم فى حج النافلة ثواب، وثواب ستر البسطاء أعظم، وهذا مُجمَع عليه من العلماء الثقات.
 
وفى هذا السياق، يقول وزير الأوقاف قولًا سديدًا: «إن سد احتياجات المحتاجين أولَى ألف مرة ومرة، وأعظم أجرًا وأعلى ثوابًا من تكرار الحج والعمرة، فالأول واجب عينى أو كفائى، والآخر نافلة، ولاشك أن الواجب عينيًّا كان أو كفائيًّا مُقدَّم شرعًا وفقهًا وإنسانيًا على سائر النوافل وقربات التطوع».
 
ويقول أيضًا: «وإذا كان الإنسان يبحث عن مغفرة ما تقدم من ذنبه، فإن الأمر شديد الاتساع، فمَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، فباب المغفرة جدُّ فسيح».
 
سيقول أحدهم: يعنى جت على الحج والعمرة؟!، وقوله حق يستوجب التوقّف والتبيّن، ومد خط الأولويات على استقامته بسياسة ترشيد حكومية شاملة وواعية وفق متطلبات المرحلة.
 
ضغط النفقات وترشيدها ضرورة مرحلية. لسنا فى بحبوحة من العيش، والترشيد ليس توجيهًا رئاسيًّا يمكن تجاوزه تحت ذرائع ملتوية، بل فعل أمر، وفرض عين، ورقابة الأجهزة المؤتمنة على المال العام واجبة مستوجبة.
 
يقينًا، تصعب مطالبة الطيبين بالتقشف، وهم يرون مظاهر الإسراف بادية على الحكومة. الحكومة إذا تقشفت ورشّدت ضربت نموذجًا ومثالًا يُحتذَى به مجتمعيًّا.. والشكر موصول لمجلس الوزراء على تحكيم فقه الأولويات.. وهل من مزيد؟!.
نقلا عن المصرى اليوم