لم تجد جماعة الإخوان المسلمين سوى أمريكا لترتمى فى أحضانها بعد ثورة يناير خاصة بعد أن وجدت أن الطريق الى السلطة مشروط برضاء واشنطن فسعت إليها وحج قياداتها الى البيت الأبيض طلبا للرضا
والحصول على دعم يمكنها من الوصول الى السلطة فى زمن قياسى بعد أن تخلت عن كل القوى الوطنية وسارت فى الطريق إلى القصر الجمهورى بمفردها بمباركة أمريكية.
أحداث السفارة الأمريكية والتى أعقبت الفيلم المسىء للرسول كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن العلاقة بين واشنطن والإخوان زواج متعة تم برعاية تركية قطرية.
فخلال السنوات الماضية عقد مسئولون أمريكان لقاءات مع قيادات الجماعة داخل مصر وخارجها للتعرف على طبيعة مواقفها تجاه القضايا المصيرية والمسار الديمقراطى وحينما اطمأنت واشنطن إلى إيجابية الجماعة ونواياها تجاه إسرائيل وأن مواقفها المعلنة تخالف مواقفها فى الغرف المغلقة وأنها ستطبق مبدأ الطاعة العمياء لها أتمت صفقة الزواج مشروطة بقواعد معينة لا يجب أن تخرج عنها الجماعة وإلا وجدت نفسها خارج جنة الأمريكان وهو ما حدث بالفعل.
وجاءت المظاهرات أمام السفارة الأمريكية عقب الفيلم المسىء للرسول الكريم لتضع الجماعة فى اختبار حقيقى أمام واشنطن ولكن قيادات الجماعة بذكاء شديد سعوا الى إرضاء البيت الأبيض وكسب وده وهاجموا ما يحدث أمام السفارة وأدانوا الاعتداءات وعندما قطعت السفيرة الأمريكية آن باترسون إجازتها لتعود إلى مصر عقب الأحداث جاءت الأوامر سريعة بفض المظاهرات بالقوة قبل دخولها مبنى السفارة.
وعندما أطلق الرئيس الأمريكى أوباما تصريحه الخطير بأن مصر ليست دولة حليفة ولا عدوا انطلقت تصريحات قيادات الجماعة فى اتجاه مغازلة البيت الأبيض وتبرير الغضب الأمريكى وتقبله بل وصل الأمر إلى أن الدكتور عصام العريان القائم بأعمال حزب الحرية والعدالة قال إن الحزب تلقى اتصالات هاتفية من البيت الأبيض تشيد بموقفنا الجيد والمحترم خلال أحداث السفارة.
الإخوان بدأوا الاتصالات مع الأمريكان منذ ما يقرب من عشر سنوات وكانت هناك لقاءات تتم بين قيادات الجماعة وواشنطن برعاية مسئولين أمريكان وقطريين إلا أن اللقاءات الأولى كانت تتم على أيدى الدكتور سعد الدين ابراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية الذى اعترف أنه رتب لقاءات بين قيادات الإخوان ومسئولين أمريكان عام 2003 أثناء زيارتهم الى مصر فى عهد الرئيس المخلوع مبارك خاصة أنهم أرادوا التعرف على مواقف الإخوان من قضايا معينة كما أن مبارك نفسه ساهم فى الترويج للإخوان فى أمريكا عندما كان يؤكد لهم دائما أن البديل لحكمه هو الإسلاميون.
وقبل اندلاع ثورة يناير كانت اللقاءات تتم بين الجماعة وأمريكا دون تفاهم بينهما حول القضايا الرئيسية ولكن بعد يوم 28 يناير وفى جمعة الغضب أدركت واشنطن أن نظام مبارك ضعيف وآيل للسقوط فقامت بتغيير لهجة الخطاب وفكرت فى التعامل مع نظام مستقر وقوى حتى لو كان عدوا لها وكانت الإخوان هى البديل الجاهز فى وجهة نظرها فبدأت التفكير فى دعم وصولهم إلى السلطة.
وبالتزامن مع ذلك قام مسئولون اتراك وقطريون بالترتيب لعدد من اللقاءات بين قيادات الجماعة والأمريكان حاولوا من خلالها إرسال رسائل طمأنة إلى واشنطن حول القضايا الخارجية واستمرت اللقاءات التى أسفرت عن تأكيدات واشنطن على مطالبها من الجماعة وهى عدم المساس باتفاقية السلام مع إسرائيل والحفاظ عليها بنفس صورتها القديمة بالإضافة إلى تقديم تسهيلات بحرية وجوية إليها وكان المطلب الأهم للجانب الأمريكى هو عدم التفاهم مع إيران والإبقاء على حالة المقاطعة كما هى الآن والحفاظ على حقوق الأقليات والمرأة وكذلك الإبقاء على المصالح الأمريكية فى مصر دون مساس، وفى المقابل طلب الإخوان زيادة الاستثمارات الأمريكية فى مصر والحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين وهو ما يحدث الآن بالفعل.
وحتى قبل وصول الرئيس مرسى الى الحكم وقبل أيام من جولة الإعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق عقد مسئولون أمريكان لقاء مع قيادات الإخوان فى مصر وهو ما كشف عنه الدكتور سعد الدين إبراهيم وحسمت تلك اللقاءات الضمانات الإخوانية للمطالب الأمريكية من الجماعة وشكل الدولة والطريقة الديمقراطية التى من المفترض أن تسير عليها البلاد وهو ما يفسر التصريحات التى أطلقها مسئولون أمريكان قبل إعلان النتيجة الرسمية إلى قيادات المجلس العسكرى السابق والتى تطالب بإعلان فوز مرسى رئيسا وعدم التلاعب فى النتائج.
كما أن المتحدث باسم البيت الأبيض «جاى كارنى» كشف عن زيارة مسئولين بحزب الحرية والعدالة المصرى إلى البيت الأبيض وقال إنهم اجتمعوا مع مسئولين من المستوى المتوسط من مجلس الأمن القومى وإن هذا يعد دوراً بارزا للمجموعة اللاعبة بشكل رئيسى الآن فى القاهرة وهو نفس ما أكده القيادى السابق بجماعة الإخوان ثروت الخرباوى الذى أشار إلى أن الاجتماع كان لطمأنة الجانب الأمريكى.
ولكن دعم أوباما الى الإسلاميين فى مصر والشرق الاوسط لم يعجب الحزب الجمهورى المعارض وهو ما دفع فرانك ووف عضو الكونجرس إلى إرسال مذكرة إلى الكونجرس يطالب فيها بالتحقيق مع الرئيس الأمريكى أوباما ووزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لدعمهما جماعة الإخوان المسلمين فى مصر بما يقرب من 50 مليون دولار فى الانتخابات الرئاسية واعتبر أن الإدارة الأمريكية ضحت بمصالح الشعب الأمريكى من أجل إقامة علاقة وطيدة بالإخوان المسلمين فى مصر.
وقال «وولف» والعهدة على صحيفة «واشنطن تايمز» أمريكا وافقت على مساندة الإخوان المسلمين بعد تعهدات شاملة من جانب الجماعة بالحفاظ على المعاهدات الدولية خاصة اتفاقية كامب ديفيد، والاتفاقيات الملحقة والمترتبة عليها حيث إن أمريكا تعتبر العلاقات المصرية الإسرائيلية خطاً أحمر لا يجوز لأى رئيس مصرى المساس به.
علاقة الإخوان بأمريكا تمر بأكبر تحد لها الآن خاصة أن الرئيس أوباما غير لهجته تجاه الإسلاميين فى منطقة الشرق الاوسط عقب الاعتداءات التى حدثت على السفارة خاصة بعد استغلال المرشح الجمهورى المنافس مين رومنى فى الانتخابات الأمريكية التى تجرى بعد 50 يوما لتلك الوقائع وهاجم أوباما ووصفه بالضعيف فى مواجهة ما أسماهم بالمتشددين فى الشرق الأوسط.
أوباما قد يلجأ إلى تغيير لغة الخطاب لتبدو أكثر حدة تجاه الإسلاميين ليغازل الناخبين الأمريكان ويتقرب إليهم وهو ما يدركه الإخوان جيدا الآن لذلك يحاولون تلطيف الأجواء المشحونة بينهم وبين البيت الأبيض ولكن المأزق الحقيقى لو وصل المرشح الجمهورى الى الحكم فى أمريكا ستتغير استراتيجية التعامل مع الجماعة خاصة أن الجمهوريين معروفون بتشددهم من تيارات الإسلام السياسى وصحيح أن المصالح المصرية الامريكية ستبقى عند الوضع الحالى لكن علاقة الإخوان بأمريكا ستمر بمرحلة من الفتور وربما الجفاء الكامل.
أوباما نفسه لو وصل إلى الحكم لن يستمر دعمه الكامل للإسلاميين فهو الآن يدرك خطرهم على وجوده فى رئاسة أمريكا وربما يدفع ثمن هذا الدعم بالخسارة فى الانتخابات الرئاسية خاصة بعد مقتل السفير الليبى والدبلوماسيين الثلاثة فى ليبيا وهو ما خلق مشاعر غضب لدى الشعب الأمريكى وانقلبت قضية الفيلم المسىء إلى إدانة الشعوب العربية بدلا من إدانة صانعى الفيلم.
شهر العسل الإخوانى الأمريكى ربما ينتهى قريبا بانفصال واشنطن أو انقلاب الجماعة إذا وجدت نفسها لن تحقق أى مكاسب ولكن قيادات الجماعة الآن يحاولون ترميم الشرخ الحادث فى العلاقة الإخوانية الأمريكية ويقومون بجراحة لتجميل الصورة حتى لا تخسر الجماعة المكاسب التى حققتها ويصبح حكمها فى الداخل ضعيفاً..
وحسب تأكيدات الدكتور سعد الدين إبراهيم قال إنه قبل عشر سنوات قام بدور الوسيط ورتب لقاءات بين قيادات الإخوان ومسئولين أمريكان أثناء زيارتهم إلى مصر غير أنه لم يكن يحضر تلك اللقاءات بشكل دائم.
وأشار إلى أنه فى علم السياسة لا عداء على طول الخط وهناك مصالح دائمة لمن فى السلطة يحاولون أن يبقوا عليها وهذا ما حدث مع جماعة الإخوان التى سعت إلى التواصل مع أمريكا قبل الثورة وبعدها وقبل بداية الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية حدث لقاء ضم 30 مسئولاً أمريكياً وكان الأهم عند أمريكا الحصول على خمس ضمانات أساسية هى أولا التأكيد على مصالحها فى مصر سواء الاقتصادية أو السياسية بالإضافة إلى الحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وتقديم تسهيلات بحرية وجوية وضمان الملاحة فى قناة السويس.
وأضاف سعد الدين إبراهيم: والضمانة الرابعة هى «الملف الإيرانى» بحيث لا تسعى مصر إلى فتح خطوط اتصال وتعاون مع طهران والتأكيد على حقوق الأقليات والمرأة والحكم بشكل ديمقراطى وفى المقابل طلبت الجماعة التعاون منع أمريكا والإبقاء على المساعدات الأمريكية لمصر وعدم الوقوف فى طريق وصولها إلى السلطة وتدعيمها.
وأكد أن ما حدث أمام السفارة أزمة مؤقتة لأن ما قاله أوباما عن أمن مصر دولة غير حليفة ولا عدو هو تصريح يدل على أن أمريكا تسعى إلى إعادة تقييم شامل للعلاقات المصرية الأمريكية وتعنى أنها ستبدأ من جديد المفاوضات مع مصر والعلاقات وتترك الفرصة للرئيس مرسى لتعرف ماذا يريد وأوباما سعى من التصريح إلى إيجاد منفذ للعلاقات فى ضوء المستجدات وتقليل حالة الهجوم عليه فى الداخل.
وأكد إبراهيم أن أوباما اختار تصريحه عن مصر بعناية وبعد مشاوره مستشاريه وخبراء الشرق الأوسط وحتى يبدو أمام الشعب الأمريكى حيادياً ولا يضر بمصالح أمريكا والإخوان يدركون تلك الحقيقة لذلك لم يهتموا كثيرا بذلك التصريح بل قاموا بتجميل الصورة.
وأشار إلى أن تقليل بعض المساعدات وتعليق الكونجرس لـ 18.3 مليون دولار لمصر كانت مخصصة للتعليم ليس مهما والأهم هو حزمة المساعدات التى تقدم كل عام وتحافظ عليها أمريكا سنويا والأصل إلى أن أحد نواب الكونجرس اقترح مبلغ 18.3 مليون دولار لتطوير التعليم ولكن الكونجرس رفض الاقتراح بسبب الأحداث الأخيرة.
وأشار إلى أن علاقة الإخوان بأمريكا ستتأثر بوصول المرشح الجمهورى ميت رومنى إلى الحكم فالجمهوريين أكثر حرصا فى التعامل مع أى شىء له رائحة دينية كما أن أحداث 11 سبتمبر كانت فى ظل الحكم الجمهورى وهم لديهم موقف من الإسلاميين ووصول رومنى سيغير من شكل العلاقة بين مصر وأمريكا ولأغراض الحملة الانتخابية ستزداد الصورة العدائية ضد الإخوان وستكون لغة الخطاب أكثر حدة.
ويرى الدكتور إبراهيم زهران – رئيس حزب التحرير الصوفى – أن تركيا وقطر كانتا راعيان العلاقات المصرية الأمريكية بعد الثورة وقادا مفاوضات التحالف الثنائى فيما حصل الإخوان على الدعم مقابل تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير بينما تسعى أمريكا إلى عمل محور سنى فى المنطقة ليواجه المحور الشيعى ولكن الأساس هو مشروع الشرق الأوسط الكبير وإسماعيل هنية نفسه أكد هذا الكلام.
وقال إن الاتصالات بين أمريكا والإخوان كانت منذ عام 2001 ونظام مبارك كان على علم بها وكان يقول دائماً إن الإسلاميين هم البديل.
وأشار إبراهيم زهران إلى أن أوباما أرسل رسالة تهديد إلى الإسلاميين حينما أكد أن مصر ليست دولة حليفة ولا عدو وهو لم يقل غير الحقيقة فأمريكا لا تفضل الإخوان ولكنها تستخدمهم لهدف معين الآن وربما يحدث الانفصال بينهما.
وأكد رئيس حزب التحرير أن شخصية رئيس الجمهورية تحدد كيف تم التوافق مع الإخوان فالرئيس تعلم فى أمريكا وأولاده يحملون الجنسية الأمريكية كما أن زوجته نفسها كانت تعمل فى السفارة الأمريكية وهو ما يدل على تأثر واضح بالفكر الأمريكى كما أن الإخوان يبحثون عن مصالحهم وكان من الطبيعى أن يحدث الصفقة.
وقال الدكتور محمد حبيب القيادى السابق بجماعة الإخوان – إن أمريكا تدرك جيداً إنه لم يكن هناك ضبط أمام السفارة الأمريكية ولم تحكم الحكومة المصرية قبضتها حول السفارة وهو ما أدى إلى اقتحام السفارة وإنزال العلم الأمريكى فكان على أوباما أن يظهر رد فعل قوياً ومناسباً فى تلك الفترة خاصة بعد مزايدات ميت رومنى المرشح الجمهورى وأعتقد أن هناك اتصالات تمت لاحتواء الموقف.
وقال إنه سيحدث نوع من التفاعلات خلال الأيام القادمة مع الحكومة المصرية والأمريكية خاصة فى موسم الانتخابات واستثمار للحالة من قبل المرشح رومنى الأمر الذى سيؤدى إلى نوع من التغيير فى العلاقات صعودا فى غير صالح الإخوان لأن الرئيس ورئيس الوزراء لم يستطيعا إحكام قبضتهما على محيط السفارة وكان من الممكن السيطرة على الأمر بشكل مبكر.
وأكد عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، أن أمريكا تجرى مفاوضات مع الإخوان منذ عشر سنوات حتى يطمئنوا إلى تغيير مواقفهم ويطمئنوا إلى الديمقراطية فى الداخل والأهم بالطبع السياسة الخارجية تجاه إيران وإسرائيل وقال إن الإخوان ثاروا عند عرض الفيلم وعندما حدث العنف أدانوه لكى يطمئنوا الأمريكان.
وأكد أن المصالح هى التى تحكم العلاقات المصرية الأمريكية ومن الممكن ألا يغير وصول رومنى من تلك المصالح خاصة فى وجود مؤسسات ولكنه من الممكن أن يحدث جفاء فى العلاقات السياسية.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.