الأقباط متحدون - الفيلم المسىء ومحاولات الابتزاز..
أخر تحديث ٠١:٠٣ | الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢ | ٩ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٨٨٩ السنة السابعة
إغلاق تصغير

الفيلم المسىء ومحاولات الابتزاز..

 بقلم منير بشاى

 
هل الفيلم المسىء قد خرج عن حيز حجمه الحقيقى؟  من ناحية هو فعلا فيلما مسيئا ونحن نرفضه بشدة. ولكن هل هذا الفيلم يستحق هذه الضجة؟  فيلما صنعه هواة بامكانيات منزلية، وهو ليس بالمستوى الذى يؤهله أن يعرض فى دور السينما أو تشاهده الجماهير.  فلماذا هذه الضجة ؟   ترى هل هناك من استغل الفيلم لتحقيق أغراض خاصة لا صلة لها بالفيلم؟
 
بات مؤكدا ان الجماهير التى تظاهرت اعتراضا على الفيلم قد دفعت للتظاهر لتحقيق أغراض مختلفة لا تتعلق كلها بذلك الفيلم.  معظم هؤلاء لم يشاهدوا أى من مقاطع الفيلم.  وقد سمعت ان صحفيا اندس بين المتظاهرين وسأل البعض منهم عن سبب اشتراكهم فى المظاهرات وكانت الاجابات التى حصل عليها متباينة ومعظمها لا تمت للفيلم بصلة.
 
وقال رئيس الوزراء المصرى ان عددا من المتظاهرين قد اشتركوا فى المظاهرات بعد ان دفعت لهم الأموال.  معنى ذلك ان هناك أيدى خفية استغلت هذا لأغراض الابتزاز.  فمثلا الزج بأمريكا فى الموضوع لا مبرر منطقى له لأن الحكومة الأمريكية لم يكن لها أى دور فى انتاج الفيلم.  بل هى لا تستطيع ان توقفه لأن الفيلم يندرج تحت بند حرية التعبير وهو مبدأ مقدس فى أمريكا.  فلماذا كانت مشاعر الغضب ضد أمريكا وحرق علمها وسفاراتها وقتل الدبلوماسيين الأمريكيين داخل هذه السفارات؟ يبدو ان عددا من المتعاطفين مع القاعدة استغلوا الفيلم لتصفية حسابات قديمة مع أمريكا وبالذات فى مناسبة ذكرى 11 سبتمبر.
 
وعلى صعيد السياسة المصرية المحلية هناك الآن تخوف حقيقى من أن يستغل الاسلاميون فى مصر الفيلم لاقرار أجندتهم التى كانوا يجدون صعوبة فى تسويقها فى الماضى.  وبالتالى قد ينتج عن هذا الحدث محاولة للمزيد من أخونة مصر مما يقوى التيار الاسلامى المتشدد ويضيف الى معاناة المسيحيين فى مصر.
 
الموقف الآن يشجع الاسلاميين الى اغتنام الفرصة لقمع الحريات باضافة مواد فى الدستور لم يكن الشعب المصرى مؤيدا لها من قبل.  من هذه بند ازدراء الأديان الذى يدع لتحريم المساس برسول الاسلام أو بالصحابة أو امهات المؤمنين (زوجات الرسول).  قد يتم اضافة مثل ذلك النص فى الدستور الجديد دون ضمانات واضحة للتحقق من نية الاساءة عند من يتهم بها، وفى غمرة الأحداث قد ينسى الناس ان الأديان الأخرى لها أيضا مقدسات يجب أن يشملها هذا النص.  وأيضا من تداعيات هذا الفيلم ما قيل ان أفرادا من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور طالبوا باعادة ادراج تعبير "أحكام الشريعة" بدلا من "مبادىء الشريعة" فى المادة الثانية من الدستور.  بعد ان كان قد استقر الرأى عليها من الجميع فجاء هذا الفيلم ليفتح النقاش من جديد. 
 
فى المقابل انتهز شيخ اسلامي وهو أبو اسلام فرصة التظاهر اعتراضا على المساس بمقدسات الاسلام ليقوم هو باهانة مقدسات المسيحيين.  فرأيناه يمزق الانجيل ويحرقه أمام الجماهير ويهدد انه فى المرة القادمة سوف يتبول عليه.  وما يزال هذا الرجل ينفث سمومه رغم تقديم بلاغا ضده للمدعى العام أضيف الى نحو 1122 بلاغا سبق ان قدمت للنيابة من أقباط مصر عندما كان يساء لمقدساتهم ولم يتم التحقيق فيها.  وقد جاء هذا الفيلم ليحقق للشيخ المتطرف وأمثاله  أهدافهم فى تأجيج نار الفتنة بين مسيحيى مصر ومسلميها.
 
وما نخشاه أن بستعمل الابتزاز لتبرير المزيد من أخونة مصر فى الوظائف العامة واستبعاد الأقباط من هذه الوظائف.  وقد رأينا معظم تعيينات الرئيس مرسى فى كل مؤسسات الدولة من القياديين الأخوان.  كما رأينا غبنا واضحا فى تعيينات الأقباط.  كنا نظن ان ما كان متبعا فى حكم ما قبل الثورة سيتم تصحيحه بعد الثورة ولكن جاء لنا حكم الأخوان بأسوأ مما كان قبلا.  وقد أشار د. نجيب جبرائيل فى دراسة له عن وضع الأقباط بعد الثورة ورصد الكثير من الوظائف العليا التى لا يوجد فيها قبطي واحد والبعض الأخر التى يوجد فيها نسبة ضئيلة لا تذكر.
 
أيضا من تداعيات ابتزاز الفيلم المسىء أنه سيزيد من عملية تخوين أقباط المهجر.  جاء هذا الفيلم الذى اشترك فيه ما لايزيد عن اثنين أو ثلاثة ليوصم كل أقباط المهجر وعددهم يزيد عن 2 مليون قبطى لا يعرفون عن هذا الفيلم شيئا بل هم لا يتدخلون فى السياسة أو عقيدة الآخر وهمهم الأول هو كسب لقمة العيش لهم ولأولادهم.
 
كان أقباط المهجر وما يزالوا هدفا لحقد الحاقدين منذ ان تركوا بلادهم نتيجة حوادث اضطهاد وتحيز وظيفى ضدهم.  ومع ان بعض المسلمين أيضا هاجروا بنسبة أكبر ولكن الظلم الذى دفع الأقباط للهجرة والتفرقة بينهم وبين أخوتهم المسلمين ظل يلازمهم حتى بعد خروجهم من مصر.  فعلى سبيل المثال، كلما كانت تذكر تحويلاتهم للعملة الصعبة، وهى تزيد عن دخل قناة السويس، كان يقال فى هذه الحالة انها من المصريين فى الخارج.  ولكن عندما كانت تحدث مظالم لأقباط مصر فيتظاهر أقباط الخارج استنكارا لما يحدث فانه كان يقال انها من أقباط المهجر. 
 
وقد وجد بعض الكارهين (لأقباط المهجر) فرصة للتعبير عن حقدهم وكراهيتهم وبذاءاتهم ومن هؤلاء كان وجدى غنيم الذى أشار الى (أقباط المهجر) على أنهم خنازير المهجر وأيضا وصفهم بالكلاب.  وفى زحمة الهتافات ومن بين آلاف اللافتات استطعنا ان نقرأ هذه اللافتة المضجكة، وشر البلية ما يضحك.  كتب صاحب تلك اللافتة هذه العبارة "اطردوا أقباط المهجر من مصر!!" والمنطق فى هذا المطلب يشبه وكيل النيابة الذى يطالب القاضى باعدام المقتول.  ولم يفكر صاحب هذه اللافتة أن أقباط المهجر لا يعيشون حاليا فى مصر فقد غادروا مصر نتيجة للممارسات الظالمة التى اتبعت معهم.  ومع ذلك فهؤلاء لم ولن يستطيعوا أن يطردوا مصر من ذاكرتهم فظلوا يعشقون مصر وشعب مصر بل وكل ذرة من ترابها.  وأكبر مثال على ذلك السير مجدى يعقوب الذى كرمته ملكة بريطانيا بوسام "الفارس" وهو أعلى وسام فى بريطانيا ويعطى صاحبه لقب "سير".  ولكن هذا الرجل المطرود من بلده لم ينس بلده بل عاد ليعالج كل المصريين بغض النظر عن دينهم دون أجر، بل وليدفع من جيبه الخاص بقية نفقات علاجهم.
 
من سخريات القدر ان فيلما لم ولن ير النور يسبب ضجة ويستخدم للاساءة الى جميع أقباط المهجر.  بالمثل مشروعات خيالية عن مزاعم تقسيم مصر لن تتحقق فى يوم من الأيام وتم رفضها من الجميع ولكنها مع ذلك تسبب ضجة كبرى ومحاكمة لأصحابها بتهمة الخيانة العظمى.  فى كلا الحالتين الأمر لم يتعد خيالات غير قابلة للتحقيق ولم تصيب أحدا بأضرار
 
وانا أتساءل هنا هل هذا كله يحدث عن طريق الصدفة البحتة أم ان هناك من هو وظيفته ان يتصيد للاقباط أى كلمة غير ذات قيمة يتفوه بها أحدهم فتحسب على الجميع وتبنى عليها الاستنتاجات ثم تستخدم للابتزاز؟  يبدو لى ان الموضوع كله قد تم تحويل مساره ليصبح محاولة للبحث عن مبرر لمزيد من ابتزاز الأقباط، وجاء هذا الفيلم ليقدمها لهم على طبق من فضة. ولكن الأقباط يفهموا كل هذه المحاولات جيدا ولن يسمحوا ان يتحول موضوع هذا الفيلم لابتزازهم.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter