عادل نعمان
الدولة لا تحاسب إلا من يخالف القانون أو يخرج على النظام العام، فلا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، وليس من سلطة الدولة المدنية الحديثة دعوة النساء إلى الحجاب أو الحشمة أو توجيه أو تصويب أزياء مواطنيها، ولا تفصل ولا تفرق بين الرجال والنساء فى الأماكن العامة، ولا تتعقب أو تلاحق النساء السافرات فى الأسواق، أو تتبع وتؤدب كل من أطال شعره من الشباب، أو تراقب وتعاقب أصحاب المحال التى لا تغلق أبوابها أوقات الصلاة، أو تلاحق خطى الساعين إلى إقامة شعائر الله، فتعاقب من تركها وتكافئ من أقامها.
الدولة ليست جماعة للأمر بالمعروف أو النهى عن المنكر، وليس من حق أحد من هؤلاء الذين فسروا الدين والأحكام على هواهم، أن يستفزها على مواطنيها، أو يحرضها على مطاردة من أفطر فى نهار رمضان واعتبارها جريمة تستوجب العقوبة، لا نص فى القانون أو فى القرآن يجعل الإفطار فى نهار رمضان بعذر أو بغير جريمة يستوجب العقوبة الدنيوية، وأتحدى والباب مفتوح.. حتى يخرج علينا هذا الشيخ جاهلًا بتعاليم دينه هو ومن على شاكلته فيلهب ويهيج مشاعر الجماهير، ويشعل النعرة الدينية الكاذبة تجاه البعض، ويسعى إلى التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن، فالدولة لا تفرق بين مواطن وآخر على أساس دينه أو عقيدته أو ملته أو مذهبه، وليست الدولة سلطة لفرض التدين وأشكاله وأنماطه على الناس، فليست إلا دولة المواطنة ليس غير.
قال (ولا داعى لذكر اسمه) (المجاهرة بالفطر فى نهار رمضان، وكذا المجاهرة بكل المحرمات، دون مسوغ يقبله الشرع، جريمة تستوجب العقوبة بيد القانون، وتحديد قانون بالمسوغات المقبولة والعقوبة يعودان للمشرع وفق قواعد الشرع الشريف، وذلك صيانة للمجتمع وحفظًا له، بعيدًا عن فكرة شيوع الفواحش فيه). وهو كلام يخالف مفهوم الدولة العصرية، ويحفز العامة للاجتراء على القانون، فتترصد وتراقب وتقتص ممن تراه مخالفًا.
والحق أقول لك إن شيوع الفواحش التى تتكلم عنها لم نسمع بها إلا مع صحوتكم الدينية الميمونة، والتدين الشكلى، ولم نسمع عن التحرش إلا بعد أن حرضتم الشباب أنت وشيخك على مطاردة النساء السافرات فى الشوارع، حين عاتبت كل من يرى من الشباب سافرة وتهيج ذكورته ويتركها، وما قاله شيخك «إن المرأة السافرة قد سحبت رخصة العفة عن نفسها» من هنا تشيع الفاحشة ويستهين الشباب بالنساء، ويستبيح الناس أعراض بعضهم بعضًا، وقد كنا أعف وأنزه وأكرم مئات المرات من تاريخكم وتدينكم المزيف، ورحم الله شاعرًا حين قال (زنى التقاة تحت راية التقوى.. أكثر مما زنى العصاة تحت راية المعصية).
وهذا هو النص القطعى الثابت فى القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون) «ونوجز الشرح- الصيام تطوع، وكتب ولم يفرض، وهو خير لمن يصمه، وكل من كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر.
وكان المسلمون (من شاء منهم صام، ومن شاء منهم أفطر وأطعم مسكينًا)، والفدية ليست كفارة، بل مقابل عدم إقامة الشعيرة، والكفارة لمحو ذنب، وإن كان بعض الفقهاء قالوا «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين»، قد نسخت بالآية «فمن شهد منكم الشهر فليصمه»، فإن بن عباس قال إنها لم تنسخ، إلا أنها تختص بكبار السن من الرجال والنساء، والبعض مازال ملتزمًا بالنص دون تأويل يخرج النص من مضمونه الذى سبق «كل من كان قادرًا على الصوم وخشى على نفسه وأفطر فإطعام مسكين»، ومادام الأمر محل خلاف، فلنحترم كل الآراء، ولكل مراده وعلى الله الحساب.
ثم ما كل هذا الاستنفار وكأننا فى قتال، وهذه التعبئة وهذا النفير وكأننا فى حلبة مصارعة، وهذه المباهاة وهذا الاستعلاء وكأننا المتميزون ونقدم لله ما لم يقدمه غيرنا، فإذا أقمنا الصلاة أغلقنا الطرق والشوارع ونشل حركة المشاة والسيارات، ونختال ونتكبر ونتباهى ونمن على الله، وما زاد ذلك فى ملك الله شيئا؟!!. وإذا صمنا تكاسلنا وتثاقلنا وتراخينا فى أعمالنا بحجة الصيام، وعطلنا مصالح الناس بسبب الجوع والعطش والصلاة، ثم تحزبنا وتشددنا وتعصبنا على خلق الله وكأننا أصحاب الفضل وليس الله.. والله أعلم بالشاكرين، وإذا وزع أحدنا زكاته أو صدقاته غلفها بمقابل ولفها بالمن والإحسان والفضل والإنعام، وفضح ولم يستر، وأذاع سرًا كان الله يخفيه، وأباح للناس ما كان الله يكتمه.
صلوا وصوموا وزكوا دون رياء أو نفاق، ولا تتكبروا بصلاتكم وصيامكم وزكاتكم وصدقاتكم على خلق الله «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِىَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» ولا يشغلكم من صلى ومن صام ومن زكى ومن تصدق (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) هذا هو القرآن الكريم أيها الشيخ، وليس من تراث الحكائين، وشرح شراح السلاطين، ووضع المدلسين والوضاعين (الدولة المدنية هى الحل).
نقلا عن المصرى اليوم