بقلم سامح فوزى
حين يتجاور أهل الأديان فى السكن والعمل، ويتقاسمون فرص وهموم الحياة، دون أن تكون لهم معرفة عميقة بعضهم بعضا فإن ذلك يشكل سببًا فى الريبة والقطيعة، وقد يؤدى إلى الاحتقان والصدام فى وقت الأزمات. هناك من يحاول أن يعبر فجوات المعرفة بين المؤمنين بالأديان من خلال تنظيم حوارات، ولقاءات، وإصدار بيانات تجسد المواقف المشتركة، وإطلاق المبادرات التى تجمع المختلفين حول أهداف وغايات متماثلة، ولكن البعض، وهم قلة، امتلكوا جسارة العبور إلى الآخر المختلف دينيا، والتعمق فى معرفة شئونه وحياته، عقيدته وعاداته، شواغله وهمومه، والتعبير عنها سواء فى مقال أو قصة أو عمل درامى.
فى أحيان كثيرة يبدو المسلمون والمسيحيون متحفظين تجاه من يكتب عن عقيدتهم وحياتهم من الجانب الآخر، ويعتبرون أنه يخوض شأنًا خاصًا، فى حين أن غرضه يكون مزيدا من التفاعل الإنسانى، والمعرفة المتبادلة، وتخطى أسوار العزلة والجهل بالآخر، والملفت أنهم يقبلون أحيانا ــ على مضض ــ أن يكتب واحدا من بنى جلدتهم عن معتقدات الآخرين، ولاسيما أن كان بمنطق التقدير والاحترام، وليس من منطلق المساجلات العقائدية التى تشيع الاحتقان والغضب والكراهية.
هناك شخصيات كثيرة حاولت أن تكتب عن معتقدات الآخرين، كل بأسلوبه، وبعضهم أثارت كتاباته جدلا، وربما رفضا، ورأى البعض أنهم يقدمون صورة لمعتقداتهم غير تلك التى يؤمنون بها. أيا كان ما حدث، فقد حاولوا، بصرف النظر عن دوافعهم، واستقبل البعض كتاباتهم استقبالا طيبًا. وآخر من قرأت له فى هذا المضمار هو الدكتور ناجح إبراهيم، الذى ينشغل منذ سنوات ما يبدو بالنظريات الكبرى فى الحياة، والفلسفة العميقة، ويسعى إلى تجديد النظرة الدينية إلى الظواهر المختلفة بعد أن كانت له تجربة طويلة فى رحاب التنظيمات الإسلامية الراديكالية. وقد كتب مقالات عن السيد المسيح، فيها عمق، وحين تنظر من خارج الظاهرة تختلف زاوية النظر كثيرا. وقد رأى مشتركات بين السيد المسيح والإمام على بن أبى طالب فى الزهد، وتحمل الآلام، والتضحية.
منذ بضع سنوات قرأت مقالا لأستاذ فى الدراسات الإسلامية مقيم فى الولايات المتحدة، أظن من أصل إيرانى، اسمه «أوميد صافى» كتب مقالا عن الأسبوع الأخير فى حياة السيد المسيح، المعروف بأسبوع الآلام، والصلب، وانتهاء بالقيامة، وهى فى مجملها مساحات خلافية بين المسلمين والمسيحيين على المستوى العقيدى. وجدت الرجل يخوض بثقافة عالية ورقى إنسانى بالغ عندما أعلن اختلافه مع العقيدة المسيحية، لكنه سجل تأملات ــ تحية لزملائه وأصدقائه المسيحيين على حد تعبيره ــ تحدث فيها عن البشرية المعذبة، بآلام المشكلات الاقتصادية وويلات الحروب والأوبئة والمجاعات، والتى تعيش فى قبر الحياة، وتحتاج إلى قيامة تنهضها من عثرتها، وتستعيد لها إنسانيتها. وأتذكر أننى كتبت مقالا أيضا تحية لرفاق المواطنة حول تأملات فى الحج، والوقف على جبل عرفات، وكيف أن الإنسان يحتاج أن يتحرر من كل شىء يشده إلى عالم الماديات، والاستهلاك، والاستعلاء، وينادى الله الذى لا شريك الله، الذى ــ للأسف ــ فى عالمنا المادى نشرك آخرين معه سواء كانت المادة أو الجنس أو المال، وخلافه. البعض تقبل التحية بتقدير، والبعض انتقدنى لأنه يظن أنه لا يجب أن يستلهم شخص مسيحى تأملات، ونظرات إنسانية من الأديان الأخرى.