بقلم: محمد زيان

 
ما يجري الآن في العالم العربي والإسلامي المترامي الأطراف من طنجة إلى جاكرتا، ومن غانا إلى فرغانا.. يطرح الكثير من علامات الاستفهام على كافة الأصعدة السياسية، الدينية، الفكرية، والثقافية، الاقتصادية، والعسكرية أيضًا.
 
فالقاريء لمجريات الأمور منذ الإعلان عن الفيلم المسيء للرسول يجد أن الأحداث تسارعت بوتيرة غير عادية، وبشكل لافت للنظر، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، في دول كثيرة مثل مصر، ليبيا، اليمن، تونس وإسرائيل أيضًا.
 
المستفيد من الأحداث الجارية، ربما مع القراءة المتواضعة التي أقدمها هنا، يمكن أن أشير إليه بمستويين هما، المستوى الداخلي، والمستوى الخارجي.
 
المستفيد الداخلي كما يقع الآن في مصر، هو النظام الحاكم، والذي يبدو أنه يلجأ لاستخدام نفس أساليب النظام المنحدر؛ لتمرير شيء ما، ربما في تحليلات كثيرة، هو الدستور الكارثي، ويستخدم العناصر الموالية له، بشكل مباشر، أو غير مباشر، في عملية حشد وتعبئة جماعية، ويدفع بهم إلى الشوارع؛ لملاقاة مصيرهم في إطار المتاجرة المستمرة حتى الآن بالدين، لا سيما وأن هذا النظام يرفع شعار الرسول قدوتنا، ورغم تأخره في التعامل مع الموقف لأبعاد معروفه بحكم علاقته بالأمريكان، إلا أنه لم يمرر الموقف، وتفاعل معه لتحقيق مكسب سياسي، ويبرز هنا خروج اللواء حسن عبد الرحمن، الرئيس الأسبق لجهاز أمن الدولة المنحل، من السجن وبراءته؛ ليقوي من هذا التحليل في إطار نظرية التعتيم والتمرير التي تعلمها النظام الحالي من سابقه بحكم العلاقات التي طالما جمعت بينهم.
 
أما المستفيد الخارجي، فهو الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي بكل قطع إذا ما ظهر عجز إدارة أوباما إزاء حماية البعثات الدبلوماسية الأمريكية في الدول العربية، فإن الأمر سوف يفرق كثيرًا مع المرشح الديمقراطي "ميت رومني" لا سيما مع الاعترافات المبكرة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما يقودنا أيضًا إلى المستفيد الخارجي الثاني، وهو إسرائيل التي تلجا أيضًا لإثارة الفتنة الطائفية في مصر، ولا تتوانى عن ذلك، خاصة بعدما تردد عن تورط نواب في الكونجرس أو النائب ميخائيل بن آري، عضو الكنيست في علاقة بإنتاج الفيلم المسيء للرسول، وهو أيضًا ما يقودنا من خلال هذه العلاقات المركبة للقول بأن ما يجري جزء من نظرية المؤامرة على مصر بخاصة، والعالم العربي بصفة عامة، ويفهم في إطار كتاب "صامويل هانتنجتون"، "صدام الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي الجديد"، أو الشرق الأوسط الكبير والجديد، بحسب أدبيات "كونداليزا رايس"، وإدارة الرئيس بوش الابن، وأعتقد أيضًا أن كل هذا يصب في صالح أمن إسرائيل، الذي هو جزء أصيل من برنامج "ميت رومني". 
 
وإذا ما قرأنا الأحداث بشكل حيادي في إطار البحث السياسي، نجد أن هناك جريمة حدثت، هي جريمة الاعتداء على الأديان، الإسلام والمسيحية، الاعتداء على الإسلام جاء من الخارج عبر الحدود، دعمه أقباط المهجر بشكل واضح في الترويج له، ومساندة القس امريكي المتطرف "تيري جونز"، خلال إنتاج الفيلم المسيء للرسول والإسلام، أما الجريمة الثانية، فهي التي قابلت الجريمة الوافدة من الخارج، حيث قام أبو إسلام أحمد عبد الله بتمزيق الكتاب المقدس عند السفارة الأمريكية، وهي ملتقى الإساءتين، والذي لابد من الوقوف عنده، وقراءته جيدًا، فهناك عملية نفخ ثنائي في النار لتأجيج نار الفتنة المتصاعدة كل يوم، يحركها طرف مسلم، وآخر مسيحي، ألقت بنتائجها على الصعيد الداخلي في مصر، وبعض الدول العربية، وهي سوف تؤثر بالضرورة حال التفاعل معها من الجانبين على شكل العلاقة بينهما، إذ ربما تصل إلى نقاط غاية في الصعوبة لو حدث اشتباك، فالنمور الآن على محك الصدام، خاصة في ظل الملاسنات القضائية التي تدور من الطرفين المتمثلة في سلسلة البلاغات التي تم تحريكها ضد أقباط المهجر من إسلاميين، وضد أبو اسلام من أقباط الداخل، وهو ما له خطورته. 
 
 
أخيرا: إقول إن العالم العربي سيظل إلى الأبد مفعولًا به، طالما أنه لم يفق من نوبة التخدير، التي طالت كل جسد، ولم يعد يمكنه الاستفاقة منها، و في ظل استيراد العلوم والتكنولوجيا من العالم الآخر، ومالم يأخذ المبادرة إلى التنقيب في المدارس والمعامل، هنا أتذكر قول اللإمبراطور "مايجي" الذي قال عقب الحرب العالمية الثانية "إنما هُزمنا من المدرسة والمعمل وعلينا أن نبدأ منهما".
 
 وأذكر أن نزار قباني قال في قصيدته "متى سيعلمون وفاة العرب:
 
 "أحاول مُذ كنت طفلا، قراءة أي كتابٍ 
تحدث عن أنبياء العرب. 
وعن حكماء العرب... وعن شعراء العرب... 
فلم أر إلا قصائد تلحس رجل الخليفة 
من أجل جفنة رزٍ... وخمسين درهم... 
فيا للعجب!! 
ولم أر إلا قبائل ليست تفرق ما بين لحم النساء... 
وبين الرطب... 
فيا للعجب!! 
ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخلية... 
لأي رئيسٍ من الغيب يأتي...
وأي عقيدٍ على جثة الشعب يمشي... 
وأي مرابٍ يكدس في راحتيه الذهب... 
فيا للعجب!!