كتب: صبحي فؤاد
طبقا لما نُشر في الصحف المصرية، أمس واليوم، كلف النائب العام المصري، المستشار عبد المجيد محمود، مكتب التعاون الدولي بإخطار "الإنتربول" بالقبض على عدد من المصريين المسيحيين المقيمين بأمريكا، وأيضًا قس أمريكي، يُقال إنهم وراء عمل لقطات الفيديو المسيء لنبي الإسلام.
ويأتي هذا الخبر الغريب في الوقت الذى لم نسمع للنائب العام أو أحد من مسؤلي مكتبه، صوتًا إزاء التصرفات الهمجية المتخلفة المخالفة للقانون المصري، مِن قِبل العديد من شيوخ التطرف والكراهية، والتي كان آخرها منذ أيام قليلة، عندما قام أحدهم منهم بتمزيق الكتاب المقدس في قلب مدينة القاهرة، على مشهد من المئات من أتباعه، ولم يكتفِ بهذا، بل قام بعدها بالتشكيك في صحة الإنجيل، والاستهزاء بقداسة البابا شنودة، الرمز الوطني القومي الأصيل، وترديد عشرات التصريحات التي تحمل ازدراءً للديانة المسيحية!!
وبينما يسمع الأقباط في مصر الإهانات، والسباب، والتحقير العلني لهم ولدينهم عبر الميكروفونات والفضائيات والصحف الإسلامية دون أن يتحرك واحدٌ من مسؤلي الدولة لمحاسبة المتطاولين وإخضاعهم للقانون، نجد العكس يحدث في تعاملهم مع أبناء مصر المسيحيين، حيث نجد الدولة ساهرة واعية متيقظة تراقب ما يقوله ويكتبه الأقباط على صفحاتهم بالفيس بوك، أو في جلساتهم الخاصة، ولا يُستبعد، كما قال أحد الأصدقاء، أن الدولة لم يعد ينقصها سوى أن تطاردهم وتحاسبهم على أحلامهم أيضًا.
نعود ثانية إلى قرار النائب العام بضبط وإحضار عدد من أقباط المهجر، الذين يعيشون بالولايات المتحدة الأمريكية؛ بزعم أنهم كانوا وراء لقطات فيديو غبي تافه حقير، رغم أن الحقيقة الوحيدة المؤكدة بخصوص هذه اللقطات، حتى لحظة كتابة هذه السطور، هي أن مَن عرضها في برنامجة التلفزيونى، وروج لها، وكان له الفضل الأكبر في عرضها على مستوى العالم كله، ويُقال إنه استعان بفريق لترجمتها إلى العربية، هو المتطرف الملقب بلقب الداعية، واسمه "خالد عبد الله"، في قناة "الناس".. خلاف هذه الحقيقة، فليس من المؤكد كيف ومَن صنع هذه اللقطات الحقيرة، ولماذا ولمصلحة من؟!!
ومِن البديهي أن يحق لنا أن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية:
* كيف عرف "خالد عبد الله" بوجود هذه اللقطات الحقيرة على الإنترنت، رغم وجود ملايين اللقطات والأفلام؟!
* لماذا قام، كما سمعنا، بترجمتها، وعرضها إذا كان فعلًا حريصًا على سمعة نبي الإسلام الكريم، وأرواح الناس، ولا يهدف إلى الإثارة والفتنة والهيجان؟
* ولماذا لا يُحاسِب النائب العام، والقضاء المصري، هذا الرجل وأمثاله، على فعلته التي أدت إلى مقتل عدد من الأبرياء وتعكير السلام بين المسلمين وغير المسلمين والدول وبعضها؟
* ولماذا لا يُستبعد احتمال ضلوع واحد مثل "خالد عبد الله"، ومتطرفين متأسلمين آخرين من عينة "أبو إسلام"، وغيره، في صناعة هذه اللقطات الحقيرة؛ لإلهاء الرأي العام المصري بمثل هذه الأمور، مثلما كان يفعل مبارك والعادلي؛ لإبعاد نظرهم تمامًا عن كتابة الدستور الجديد، أو ربما إعطاء مبررٍ لكتابة دستور عنصري، يتفق وأهواءهم ومزاجهم، بل يضمن بقاءهم في الحكم خمسين سنة قادمة؟
على أية حال، إنني لا أعتقد أن هؤلاء الأقباط الذين ذكرت أسماؤهم في الصحف المصرية، لهم علاقة، من قريب أو بعيد، بعمل لقطات مسيئة لنبي الإسلام، وإنما ذكرت أسماؤهم لمجرد أنهم يطالبون بقوة بحقوق الأقباط، ورفع الظلم الواقع عليهم بطريقة سلمية، عكس آخرين استخدموا العنف والقتل وتحالفوا مع أمريكا ودول أخرى؛ لتحقيق مطالبهم وأهدافهم.
واثق أن هذا العمل مُوِّل ونُفذ وخطط له بواسطة بعض المتطرفين المتأسلمين؛ لأنهم، ولا أحد غيرهم، هم المستفيدون من هذا الهيجان الطائفي، وتشتيت المصريين، وتمزيق وحدتهم؛ للانفراد بالحكم دون غيرهم.
أما بخصوص تهمة ازدراء الأديان، فإنني أدعو قيادات الكنيسة القبطية في مصر وعقلاء وحكماء المسلمين من أبناء الوطن إلى المطالبة بإلغائها من القانون المصري، واستبدالها بعقوبةٍ أخرى غير السجن، يتفق عليها العقلاء والحكماء من المسلمين والمسيحيين؛ لأن هذه التهمة في وضعها الحالي، أصبحت تهمة مطاطية من السهل نسبها وتلفيقها لأي مواطن مصري، خاصة لو كان مسيحيًّا.. وأمامنا عشرات الأمثلة الحية التي تثبت وتؤكد صحة ما أقول، وأن هذه التهمة صارت تطبق فقط على الأقباط والمفكرين والأدباء والمعارضين السياسيين وغيرهم.
أخيرًا.. أرجو أن يُدرك القائمون على النظام الجديد في مصر أن العدالة والمساواة بين جميع المصريين ليست ترفا أو هبة من الحاكم، وإنما هما أهم أركان الدولة الحديثة، وبدونهما يستحيل أن تتقدم مصر أو تنجح أو تجد طريقها الصحيح لحل مشاكلها الكثيرة التي تعاني منها.